يتوقع أنصار "الحل الأمني" في الجزائر ان تتمكن اجهزة الأمن والقوات الخاصة من كسر شوكة الجماعات الاسلامية المسلحة قبل نهاية نيسان ابريل المقبل. وهي تشن منذ مطلع الشهر الماضي، فور اعلان الرئيس زروال عن فشل الحوار الوطني، حرباً بلا هوادة على هذه الجماعات، ملحقة بها خسائر مهمة حسب البيانات الرسمية. وتدخل هذه الحرب الشرسة في اطار "مهلة الستة أشهر" التي يكون الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش طلبها، كأجل أقصى، لوضع حد لظاهرة العنف والارهاب. غير ان الكثير من المراقبين في العاصمة الجزائرية لا يشاطرون العماري وأنصاره تفاؤلهم هذا، لأسباب عدة، من اهمها صعوبة التحكم أمنياً وعسكرياً في مساحة الجزائر الواسعة، حيث تستطيع العناصر الاسلامية المسلحة ان تتحرك أو تتمركز في أمن شبه تام، مستفيدة من "الحياد الايجابي" لشرائح كبيرة من المواطنين. ويشبه بعض المراقبين "مهلة" الفريق العماري بمهلة جنرالات جيش الاحتلال الفرنسي خلال ثورة الجزائر، فقد طلب هؤلاء من الجنرال ديغول فور توليه مقاليد الأمور في أيار مايو 1958، مهلة 18 شهراً للقضاء نهائياً على "جيش التحرير الوطني". لكن بعد أن أعطى ديغول اشارة الضوء الأخضر لكبار الضباط ووضع في متناولهم الامكانات التي يحتاجون اليها، تبين ان رهان الجنرالات لا يمكن أن يكلل بالنجاح. وهكذا استخلص العبرة بعد أقل من سنة ليعلن في 16 ايلول سبتمبر 1959 وللمرة الأولى عن امكان منح الشعب الجزائري حقه في "تقرير المصير". على الصعيد المحلي هناك شبه اجماع وسط المحللين السياسيين على صعوبة استمرار الانسداد السياسي الراهن في ظل الضغوط المعنوية. وبرز على الصعيد الدولي مؤشر قد يكون كبير الأهمية في تطور الوضع نحو الانفراج، وهو التقارب الملحوظ في مواقف واشنطنوباريس، حول ضرورة التفاوض مع "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، مع مواصلة عزل وتحييد "الجماعة الاسلامية المسلحة" التي تنسب اليها فظائع لم يسبق لها مثيل. وقد فسر المراقبون حملة وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا الاخيرة على "جيوب الجماعة الاسلامية المسلحة" في فرنسا كمحاولة لتبييض صفحة "جبهة الانقاذ" ومد جسور التقارب معها، وهذا ما أعلنه أخيراً رابح كبير رئيس اللجنة التنفيذية للجبهة عندما كشف عن لقائه جان شارل مارشياني موفداً من قبل باسكوا الذي عرض عليه وساطة باريس بين السلطة وجبهة الانقاذ. ويعني ذلك ان باريس - اسوة بواشنطن - أصبحت تعتبر "الانقاذ" طرفاً لا غنى عنه في حلّ الأزمة الجزائرية. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى ان السيدة كريستين شيلي نائبة الناطق باسم الخارجية الاميركية كشفت عن اتصالات اجرتها واشنطن مع "الحكومة الجزائرية وغيرها" معبرة في الوقت نفسه عن أمل بلادها في "أن تؤتي هذه الاتصالات ثمارها".