وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة "الأفغان الجزائريين" من الجماعة الى تنظيم "القاعدة". البدء بتصفية الأجانب ونقل المعركة الى الخارج الحلقة السادسة
نشر في الحياة يوم 28 - 11 - 2001

} تناولت الحلقة الخامسة شبكة الجماعات المسلحة في الدول العربية. وتتحدث حلقة اليوم عن انتشار الشبكة في الدول الأوروبية والمواجهات الدموية التي اندلعت في بعض المدن والعواصم وخصوصاً فرنسا.
في نيسان أبريل 1996 تمكنت أجهزة الأمن الأوروبية من تفكيك شبكة كبيرة تتولى تزويد "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجزائرية الأسلحة في منطقة بين لوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا بتنسيق بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والبلجيكية والبريطانية.
وفي مدينة روتردام عثرت السلطات الأمنية على وثائق ل"الجماعة الاسلامية المسلحة" أشارت بوضوح إلى اسم جمال زيتوني الذي كان يوجّه الأوامر لعناصر الشبكات الموجودة في أوروبا.
وبدأت هذه القضية في كانون الأول ديسمبر 1995 في منطقة باستونغ في جنوب بلجيكا حين تمت مطاردة ليلية لشابين عربيين في سيارة مشبوهة فرمى أحدهما قنبلة يدوية على رجال الدرك ما ادى الى اصابة احدهم بجروح خطيرة.
وسمحت عمليات التنصت التي قامت بها الأجهزة الأمنية باكتشاف نواة إسلامية بوسنية في منطقة بورغ شيفلانغ في لوكسمبورغ.
وعثر في مدينة روتردام الهولندية الساحلية على مسدس رشاش في سيارة فيها بعض شظايا قنبلة يدوية أشارت التحقيقات أنها جاءت من مدينة ساراييفو.
وسمحت التحقيقات الواسعة التي قامت بها الأجهزة الأمنية في نيسان 1996 باعتقال عدد من الناشطين الإسلاميين مثل علي محمد الماجدة وهو مغربي من أنصار "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجزائرية.
وسمحت سلسلة من التحريات الغربية التي أجريت في بريطانيا بالتعرف على تنظيم "الجماعة الاسلامية المسلحة" في أوروبا وأهم خلاياه في خمس دول. وكشفت المعلومات الأمنية عن بعض الناشطين الأوروبيين الذين يدعمون "الجماعة المسلحة الجزائرية" كما هي الحال في البوسنة مثل جاسمين ميلاتسوفيتش 19 سنة وناستريت جيزوفوفيتش 24 سنة.
واكتُشفت شبكات أخرى في جمهورية التشيك وفي ألمانيا فضلاً عن السويد وبريطانيا وإسبانيا التي اندمجت فيها شبكة "الجماعة المسلحة" في شبكات الهجرة السرية وتزوير الوثائق الجزائرية والهويات الاوروبية وخصوصاً الفرنسية والإيطالية والإسبانية.
وفي عام 1995 اكتشفت أجهزة الاستخبارات الغربية الدور المهم لشبكة البوسنة في توفير الأسلحة ل"الكتائب" الجزائرية. وأوصلت التحريات إلى مجموعة "الأفغان الجزائريين" الذين نشطوا في زغرب كرواتيا تحت غطاء "مركز الكفاح للإغاثة" الذي كان يتولى إدارته أحمد هلال الحمياني وهو من "الأفغان الجزائريين" يعتقد أن له صلة قوية بقمر الدين خربان الذي يعد من أبرز "العسكريين" في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
وينشط في ألمانيا عدد من القياديين القريبين من "الإنقاذ" والجماعات المسلحة، ومن أبرز هؤلاء رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية ل"جبهة الإنقاذ" في الخارج الذي وصلها براً عام 1993 عبر كل من فرنسا وإسبانيا والمغرب وتمكن من الحصول على اللجوء السياسي عام 1994.
ويمثل مصطفى آيت الهادي وهو من مواليد بلدية حسين داي في العاصمة رأس شبكة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في أوروبا بحسب ما تذكر تقارير أمنية في الجزائر.
وفي بلجيكا كانت العمليات الأولى لناشطي "الإنقاذ" تكتسي طابعاً عسكرياً محضاً وإن كانت هناك محاولات لتغطيتها ببعض الوجوه السياسية في "الإنقاذ" مثل عبدالكريم ولد عدة الذي كان في الأصل رئيس مكتب الجبهة في منطقة مستغانم 350 كلم غرباً.
وهناك عبدالكريم غماتي في سويسرا التي تؤوي عدداً كبيراً من ناشطي "الإنقاذ" ومؤيدي "الجماعة الاسلامية المسلحة" مثل مراد دهنية أستاذ فيزياء ومبروك بن عطية رجل أعمال ومصطفى حابس عضو شورى ومصطفى براهيمية أستاذ في الاقتصاد والتحق بهم في ما بعد احمد الزاوي وعدد آخر من قيادات الجماعة التي فضلت النشاط من مواقع ثابتة.
وتعد إيطاليا من الدول التي حاولت الحفاظ على صلات التعاون الاقتصادي مع الجزائر في الوقت الذي غادرت غالبية الشركات الجزائرية مواقع الاستثمار والشراكة التي كانت في البلد قبل انطلاق أعمال العنف عام 1992 التي طاولت الأجانب الذين تعتقد الجماعات المسلحة أنه كان لهم دور في مساعدة الحكومة الجزائرية.
وتوافرت مطلع التسعينات ظروف ملائمة لناشطي "الإنقاذ" و"الجماعة المسلحة" قبل أن يتعرضوا لاحقاً للملاحقة من سلطات الأمن الفرنسية للاشتباه في ضلوعهم في التفجيرات التي هزت مترو باريس عام 1995. وشملت هذه العمليات الشبكات التي كانت توفر الدعم اللوجيستي ل"الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر، وكان رئيس هذه الشبكة لونيسي الذي عمل لمصلحة "جبهة الإنقاذ" في البداية قبل أن يجد نفسه وسط تنظيم الإسناد ل"الجماعة المسلحة".
وعلى رغم أن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد، من مجموع الدول الكبرى، الذي لم يستهدف الجماعات الإسلامية المسلحة رعاياه لأسباب عدة، إلا أن تزايد تدفق العناصر المشتبه في انتمائهم إلى "الجماعة الاسلامية المسلحة" على الولايات المتحدة عبر مكاتب إدارة الهجرة، أثار قلق أجهزة الأمن الأميركية التي رصدت تزايد توافد عناصر "الجماعة" إلى العالم الجديد.
ولعل خروج أنور هدام عن "ديبلوماسيته" كرئيس البعثة البرلمانية ل"الإنقاذ" في الخارج ومشاركته في حكومة الوحدة ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية ثم تبنيه مطلع 1995 العملية الانتحارية التي نفذتها "الجماعة الاسلامية المسلحة" ضد المحافظة المركزية للأمن في العاصمة الجزائر لعبت دوراً مهماً في قرار إدارة الهجرة الأميركية توقيفه عام 1997.
الحرب على فرنسا
تشير مصادر سياسية إلى أن الحكومة الاشتراكية في فرنسا كانت أول من اعترض على وقف العسكريين في الجزائر المسار الانتخابي الذي فازت به "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة مطلع 1992، وهي لذلك بادرت، بمباركة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، إلى وضع تسهيلات محسوسة لاستقبال عناصر "جبهة الإنقاذ" والمتعاطفين معها، خصوصاً بعد التصريح الشهير الذي أدلى به الرئيس الفرنسي، إذ قال: "يتوجب على الحكومة الجزائرية استئناف المسار الانتخابي".
لكن مشكلة السلطات الفرنسية أن غالبية من اضطروا إلى الفرار نحو فرنسا أو بريطانيا كانوا من المتشددين الذين سرعان ما اندمجوا في شبكات دعم "الجماعة الإسلامية المسلحة". وانقسم ناشطو "الإنقاذ" إلى شبكات صغيرة كانت تضمن المهمات الأساسية وهي:
- الدعاية السياسية للقضية في الجزائر.
- تنظيم عملية تهريب السلاح نحو الجبال الجزائرية.
- جمع الأموال.
- تزوير الوثائق لضمان تنقل عناصر "الجماعة" في حرية.
ومن فرنسا بدأ انتشار الشبكة الجزائرية نحو أهم المدن الأوروبية حيث جرى تشكيل شبكات دعم في كل من إيطاليا وسويسرا وبلجيكا وإسبانيا. وكان الهدف الأساس ضمان نقل السلاح من البوسنة إلى الجزائر.
ومع مجيء حكومة اليمين في فرنسا عام 1993 برئاسة ادوار بالادور ووزير داخليته شارل باسكوا بدأت قواعد اللعبة تتغير إزاء الوضع في الجزائر، خصوصاً بعد تعرض عدد من الفرنسيين الى التصفية الجسدية التي كانت تعتبرها "الجماعة الإسلامية المسلحة" مجرد "إشارات تحذير".
وتذكر معلومات مستقاة من مصادر ديبلوماسية أن الحكومة اليمينية أعدت منذ الأشهر الأولى تقارير أشارت إلى تنامي "خطر الجماعات الإسلامية الجزائرية في فرنسا"، خصوصاً وسط المغتربين وأبناء الجيل الثاني في الضواحي، التي تشهد كثافة عالية للرعايا من الدول المغاربية، حين بدأت أولى عمليات ارسال الشباب إلى أفغانستان والبوسنة لتلقي التدريبات العسكرية.
وتطلبت عملية تقويم الوضع وجمع المعطيات الضرورية أكثر من عام خلصت بعدها السلطات الفرنسية إلى ضرورة ملاحقة ناشطي الشبكة الجزائرية. لكن "الجماعة الإسلامية" رأت أنها قد تنجح في ممارسة الضغوط على فرنسا وبدأت في تكثيف العمليات ضد الرعايا الفرنسيين في الجزائر واستهدفت في وقت لاحق مصالح فرنسا الاقتصادية، لكن ذلك لم يغير شيئاً في الموقف الرسمي للحكومة الفرنسية.
ومع مطلع عام 1994 بدأت السلطات الفرنسية إجراءات تفكيك هذه الشبكات وشملت قطاعاً واسعاً من عناصر "الجماعة الإسلامية المسلحة"، ما أدى، بحسب ما تؤكده أيضاً مصادر أمنية، إلى اضطراب شديد في تحرك عناصر "الجماعة" في فرنسا وتهريب السلاح نحو الجزائر، وهو التطور الذي عزز قناعة "الجماعة الإسلامية المسلحة" بكون السلطات الفرنسية "خرقت" القاعدة المتبعة وهي عدم المساس بمصالحها في فرنسا ما دامت هي لم تمس بأمنها الوطني.
وكان الاعتقاد وسط ناشطي "جبهة الإنقاذ" المحظورة في الخارج هو أن السلطات الفرنسية تتعاون مع السلطات الأمنية في الجزائر لضرب "الجماعة المسلحة" وهو الانطباع الذي تأكد عدم صوابه لاحقاً.
وخلال صيف 1994 قررت "الجماعة الإسلامية" نقل الحرب ضد فرنسا إلى الداخل وجرى التفكير في عملية استعراضية من شأنها إخضاع الحكومة إلى ضغوطها المتزايدة التي هددت بشلّ عمليات التزويد بالأسلحة والذخيرة في وقت كانت "الجماعة" في أبرز مراحل قوتها.
"الجماعة" تبدأ في تصفية الأجانب
بدأت تهديدات "الجماعة الإسلامية المسلحة" ضد الأجانب مع بداية حزيران يونيو 1993 حين وجه ناشطون من التنظيم المسلح في منطقة الغرب الجزائري تهديداً مباشراً إلى الأجانب، وعبروا بوضوح في رسالة التحذير عن رغبتهم في وقف الاستثمارات الأجنبية التي كانت ترد إلى الجزائر لشل الاقتصاد الوطني تمهيداً لإسقاط نظام الحكم.
وبتاريخ 21 ايلول 1993 قتل متخصصان في الهندسة المدنية من الجنسية الفرنسية 25 و32 سنة كانا يشتغلان في الفرع المغربي للشركة الفرنسية للأشغال العمومية "جي تي أم" في مدينة سيدي بلعباس 400 كلم غرباً.
وخلال تشرين الأول 1993 اشارت التقديرات الرسمية إلى وجود 70 ألف أجنبي بينهم 25 ألف فرنسي. وفي هذه الفترة بدأت العمليات التي تستهدف الأجانب تأخذ منحى متصاعداً، إذ قتل تقنيان من روسيا في 16 منه في مدينة الأغواط 600 كلم جنوباً وبعد ثلاثة أيام من هذه العملية اختطف ثلاثة تقنيين ايطاليين وعُثر على جثثهم في مدينة تيارت 400 كلم غرباً. وبتاريخ 24 منه خطف ثلاثة موظفين في القنصلية الفرنسية في شارع تيلملي الذي يتوسط قلب العاصمة وجرى إطلاق سراحهم يومي 30 و31 من الشهر نفسه ومعهم رسالة وقّعها المدعو سي عبدالله الملقب ب"أبو مريم" وهو أمير "الجماعة الإسلامية المسلحة" في وسط العاصمة قتل في ايلول 1994 وجاء فيها أن "الجماعة تمنح الأجانب مهلة شهر واحد لمغادرة الجزائر، ومن تجاوزوا هذا الأجل سيلقون حتفهم الواحد تلو الأخر".
ويلاحظ تقرير فرنسي أن ضحايا الجماعات المسلحة من الأجانب ينتمون إلى مجموعات أربع وهي:
1 - أوروبا الغربية: بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا وهي البلدان التي قامت فيها الأجهزة الأمنية بتفكيك بعض الشبكات.
2 - الدول العربية: تونس وفلسطين.
3 - مجموعة المعسكر الاشتراكي سابقاً: بيلوروسيا، رومانيا، روسيا، أوكرانيا وكرواتيا.
4 - القارة الأميركية: كندا.
ولا يوجد في قوائم ضحايا "الجماعة المسلحة" وسجلاتها أي من رعايا الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، على رغم وجودهم بكثافة في الجزائر.
... الصيف الأسود في فرنسا
بعد التأثيرات السلبية التي تركتها عملية تحويل الطائرة الفرنسية نحو مرسيليا والتهديدات التي بدأت تبرز على الأمن الفرنسي تقرر الشروع في عمليات سرية وأخرى علنية لملاحقة ناشطي شبكة "الجماعة الإسلامية المسلحة" والتضييق على أنشطتها حتى في بقية الدول الأوروبية.
وأثر هذا الوضع في طبيعة العلاقات بين "الجماعة" والسلطات الفرنسية، وقرر أمير "الجماعة" نقل الحرب إلى التراب الفرنسي، فاستهدفت في البداية كل من تعتقد "الجماعة" أنهم يشكلون خطراً على أمن عناصرها، وبادرت إلى قتل أحد أبرز ناشطي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الشيخ عبدالباقي صحراوي في 11 حزيران 1995 في الدائرة 18 في باريس برصاصة في الرأس. ويعتقد أن صحراوي اعترض على اختراق "الجماعة المسلحة" أهم قاعدة جرى الالتزام بها في أوروبا وهي عدم المساس بالمصالح الغربية في بلادها لأكثر من سبب.
وبعد شهر من هذه العملية التي لم يعثر على منفذيها بدأت العمليات الاستعراضية على الارض الفرنسية بتاريخ 25 تموز 1995 وشملت في البداية تفجير قنبلة تقليدية صنعت من قارورة غاز في محطة سان ميشال للقطارات في باريس، وأدّت الى مقتل سبعة أشخاص وإصابة 84 آخرين بجروح. وفي 17 آب اغسطس انفجرت قنبلة في ساحة شارل ديغول في الدائرة الثامنة في باريس أدت إلى إصابة 17 شخصاً بينهم ثلاثة في حال خطيرة.
وفي 26 آب 1995 اكتشفت قوات الأمن الفرنسي قارورة غاز حولت إلى قنبلة في السكة الحديد للقطار السريع الذي يربط بين باريس وليون في منطقة "لورون" وأدى ذلك إلى لهيب كبير بسبب خلل في جهاز التفجير. وبتاريخ 3 ايلول 1995 حدث انفجار جزئي لعبوة بدائية في سوق شارع "ريتشارد لونوار" في الدائرة 11 في باريس ما أدى الى إصابة أربعة أشخاص بجروح.
وفي 4 ايلول 1995 اكتشفت قارورة غاز حولت إلى قنبلة تم فيها حشو 25 كلغ من المواد المتفجرة ووضعت في احد المراحيض العمومية القريبة من السوق في شارع "لاكونفونسيون" في الدائرة 15 في باريس وتسبب الخلل الذي حدث في العبوة في انتشار ألسنة اللهب من دون أن يخلف ضحايا. وفي 7 ايلول انفجرت سيارة مفخخة قرب مدرسة يهودية في منطقة "فيلوربان" في مدينة رون قبل لحظات من خروج التلاميذ وخلفت إصابة 14 شخصاً بجروح خفيفة. وبتاريخ 6 تشرين الاول انفجرت قنبلة بالقرب من محطة "ميترو البيت الأبيض" ميزون بلانش في الدائرة 13 في باريس وأوقعت 13 اصابة بجروح خفيفة. ويوم 17 تشرين الأول انفجرت قنبلة في سكة الحديد في الخط "سي" للقطارات السريعة في باريس وسبّبت إصابة 29 شخصاً بجروح. وفي الإجمال أدّت العمليات التسع التي نفذتها "الجماعة الإسلامية المسلحة" في فرنسا، منذ مقتل الشيخ عبدالباقي صحراوي، الى مقتل تسعة أشخاص وإصابة 160 آخرين بينهم 20 شخصاً في حال خطيرة.
ملاحقة "الجماعة المسلحة" في فرنسا
يعتقد بعض التقارير الإعلامية أن الجزائري بوعلام بن سعيد الذي حكم عليه القضاء الفرنسي بالسجن 30 عام هو الرأس المفكر ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" التي دبرت تفجيرات مترو باريس في صيف 1995، إضافة إلى عدد من العمليات الأخرى التي شهدتها الأراضي الفرنسية في السنة نفسها مثل التفجير الفاشل الذي استهدف القطار السريع الذي يربط بين ليون وباريس في 26 آب 1995. وكان اعتقل في فرنسا برفقة آخرين حوكموا بمن فيهم خبير المتفجرات إسماعيل آيت بلقاسم.
ويشير بعض التقارير الى أن الخيط الذي مكّن الأمن الفرنسي من توقيف بوعلام بن سعيد هو توصل المحققين إلى أدلة تثبت تلقيه من رشيد رامدة تحويلات مالية من لندن مصدرها مكتب تابع لأسامة بن لادن في الخرطوم.
لكن أحد مؤسسي "الجماعة الإسلامية المسلحة" عمر شيخي يؤكد في روايته أن العملية كانت فعلاً من تدبير "الجماعة" الجزائرية، وتولى متابعتها، خلال تلك الفترة، مسؤول اللجنة الخارجية في "الجماعة" المدعو رضوان أبو بصير وأن الفكرة تعود أساساً إلى عهد شريف قوسمي.
وتشتبه الأوساط الفرنسية في كون عدد من المتورطين في تفجيرات باريس لهم صلة مباشرة بما يعرف ب"عصابة روبيه" المدينة الواقعة في شمال فرنسا التي فككتها الشرطة إثر معركة سقط فيها ضحايا في 1996 للاشتباه في محاولة القيام بعمليات عنف عدة بينها محاولة تفجير مركز للشرطة قبيل عقد قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في ليل.
ويذكر ان الشرطة الفرنسية تسلمت قبل اسابيع من السلطات البريطانية الجزائري رشيد رامدة الذي اعتقلته في تشرين الثاني 1995 بناء على طلب قدمته فرنسا لمحاكمته بتهمة التورط في قضية تفجيرات المترو في صيف ذلك العام. وكان طلب تسليم رامدة إلى فرنسا محور معركة قضائية دامت ست سنوات، ومرت عبر أكثر من محكمة من بو ستريت ماستريت إلى المحكمة العليا، إلى مجلس اللوردات الذي كان آخر هيئة قضائية ترفض طلب استئناف قرار الترحيل قبل سنتين ونصف سنة.
ويعتقد أنه سيتم لاحقاً إعادة محاكمته مع عناصر آخرين من الجماعات المسلحة بتهمة المشاركة في اعتداءين، استهدف الأول محطة المترو السريع في سان ميشال وخلّف ثمانية قتلى و51 جريحاً والثاني أمام محطة مترو "البيت الأبيض" وأوقع 81 جريحاً. وتبنّت "الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية هذه الاعتداءات التي قلبت موازين العلاقة بين فرنسا و"الجماعة" بصفة لا رجعة فيها، ما ادخل القضاء الفرنسي في مهمة ماراثونية لملاحقة عناصر الشبكة الذين انتشروا في ما بعد في أكثر من بلد.
ويمثل أمام القضاء الفرنسي منذ أشهر 24 عنصراً في شبكة دعم خلفية ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية. ويعتقد أن هذه الشبكة التي فككت عام 1997 تورطت في تنظيم عمليات تهريب أسلحة إلى الجزائر في سيارات انطلقت من مدينة مرسيليا على ساحل المتوسط إضافة إلى أوراق هوية مزيفة.
غداً: "الأفغان الجزائريون" يتحالفون مع القاعدة... لضرب أميركا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.