يُعتبر ميول وتعاطف الرئيس هواري بومدين، مع رموز الشيوعية في العالم على حساب القوى المحلية، بما في ذلك التيارات الإسلامية.. وكذلك تدبير سلسلة من الاعتقالات ضدهم بسبب رفضهم للدستور الذي عرضه بومدين بأنه يكرس الاشتراكية على حساب مبادئ الإسلام. كان ذلك عاملاً محفزاً لدى الناشطين الإسلاميين في التفكير لحمل السلاح ومحاربة هذا المد الشيوعي والتخطيط لإقامة دولة الإسلام بالجزائر. وقد ظهرت في الساحة الجزائرية حركات مسلحة عديدة.. تختلف في الأسلوب لكنها تلتقي بالمضمون.. فما بين جماعات آمنت بالقضاء على كل من يختلف معها وإن الجهاد وحده السبيل لإقامة الدولة الإسلامية التي لا يمكن، في رأيهم، أن تقوم عبر صناديق الاقتراع والديمقراطية وضرورة تطبيق النموذج الطالباني، وغالبية هؤلاء جزائريون عائدون من أفغانستان، ومتحمسون لتطبيق ما تعلموه حيث لا تنقصهم الخبرة القتالية ولا المال، ما كان ينقصهم هو عالم دين أو شيخ معروف في الجزائر يتبنى أفكارهم. وجزء آخر من هذه الجماعات المسلحة شرع في اعتماد أسلوب العنف المسلح بعد الغاء المسار الانتخابي بداية 1992، هولاء يؤمنون «بالجزأرة» كخيار لتحقيق الدولة الإسلامية، وهم يُحمّلون النظام تبعات حملهم للسلاح وصعودهم للجبال من خلال فتح المعتقلات وتصفية كل فرد يحمل توجهات إسلامية. ولعبت الجماعات المسلحة دوراً كبيراً في تأجيج الروح الاقتتالية وإذكاء النزعة الدموية في المحنة التي عاشتها الجزائر. وتدهور الوضع الأمني وبلغ إلى حد خطير.. فكان الجيش الإسلامي للإنقاذ الذراع العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ وبقية الجماعات الإسلامية دخلت في صراع عسكري دموي مع القوات النظامية.. وقد ألحقت هذه الجماعات أضراراً فظيعة بمقدرات الجزائر، كما تمكنت من إقامة شبكات عسكرية في كل أنحاء الجزائر.. وأصبح لكل منظمة قائد عسكري إلى درجة أن الجزائر في فترة التسعينات أو ما تسمى بالعشرية السوداء، كان يحكمها صباحاً القوات النظامية وليلاً عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة. «الرياض» في حلقتها الخامسة ترصد الأسباب والمسببات التي أدت إلى نشأة هذه الجماعات المسلحة .. وما هي أهدافها؟ ولماذا أقدمت على انتهاج العمل المسلح؟ وهل مازالت موجودة وتمثل خطراً؟.. تجربة الإسلام المسلح في الجزائر، ارتبطت بشخص أضفى عليه الكثير من الغموض، والكثير من الأسطورة إنه مصطفى بويعلي الذي استطاع بحنكته العملية وخبرته المستمدة من مشاركته في حرب الاستقلال أن يعمل على توحيد بعض الجماعات الإسلامية ذات المنحى الجهادي في إطار واحد منظم أسماه الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر. ظهر بويعلي وجماعته في سياق تاريخي معين، بفشل المشاريع التنموية ذات الخطاب الاشتراكي والذي اقتنع بعده الشارع الجزائري بتبني العمل المسلح خصوصاً مع تكوين معطيات إقليمية دولية بارزة متمثلة في قلب نظام الحكم في إيران وبداية تجنيد شباب التيار الإسلامي ضد الاجتياح السوفياتي للأراضي الأفغانية. ويقول أحد قدامى التيار الإسلامي أبو جرة سلطاني في كتابه «جذور الصراع في الجزائر» إن اسم الحركة الإسلامية المسلحة ظهر للمرة الأولى عام (1979م) في فترة الحزب الواحد، لذلك حجبت حقيقتها عن الناس ولم تتحدث وسائل الإعلام الرسمية إلا عن منظمة أشرار فُككت وقضي عليها وعلى مؤسسها مصطفى بويعلي. وتشير مصادر قريبة من هذه الحركة المسلحة إلى «بداية» العمليات العسكرية لتنظيم مصطفى بويعلي كانت بتاريخ (28) أبريل 1982م حين أبلغ عائلته بأنه قرر التخفي بعد أن نجا من محاولة اختطاف ليلاً دبرتها ضده مصالح على رغم أنه لم يكن يتردد في الحضور، قبل ذلك اليوم إلى مركز الشرطة كلما تلقى استدعاء. ويؤكد سلطاني وهو أحد أبرز الناشطين الإسلاميين منذ السبعينات أن بداية العمل المسلح تزامنت مع أول اختبار ميداني لقادة التيار الإسلامي خلال التجمع الشهري أمام الجماعة الذي شاركت فيه كل قيادة الحركة الإسلامية .. لكن الأمر تطور إلى القتل واستعمال السلاح ضد قوات الأمن. ففي عام 1982م وبعد التجمع الشهري أمام الجامعة المركزية أطلقت النار على حاجز أمني لتصيب دركياً «واحداً من أفراد الجيش» بجروح، تلت هذه العملية عملية توزيع منشورات تحريضية فيها دعوة صريحة إلى الجهاد واتهام النظام بالطغيان والكفر، وصاحبها توزيع أشرطة مسموعة بصوت الشيخ بويعلي يدعو فيها علماء الجزائر إلى تأييده، والشعب إلى الالتحاق بصفوفه واتسعت الدائرة لتشمل «جماعة الجهاد» التي يتزعمها الشيخ عثمان بالغرب الجزائري مع مجموعات أخرى منفصلة في كل من (تلمسان، وهران، مستغانم، قسنطينة، بسكرة، الرادي، باتنة، وتبسة). وتطورت الأمور فيما بعد إلى التفكير ثم التخطيط لاغتيال رئيس الحكومة آنذاك عبدالغني واختطاف المسؤول الكبير في جبهة التحرير محمد شريف مساعدية، لكن التنفيذ لم يتم بسبب العمل المباغت الذي قامت به قوات الأمن ضد بعض أفراد الجماعة. وآمن بويعلي بقيام دولة إسلامية ثورية تعتقد بأنه لا يتحقق ذلك إلا عن طريق حرب عصابات طويلة النفس والأمد. وبعد مطاردة من قبل رجال الأمن الجزائري له فصدر ضده أول أمر بالقبض عليه في (10) ديسمبر 1982م، ومن هذا التاريخ ظل متخفياً إلى أن تم قتله عام (1987م). الجيش الإسلامي للإنقاذ بيَّنت الأحزاب الإسلامية في الجزائر أنها تمتلك قاعدة شعبية كبيرة، وانعكست بوضوح على نتائج أول انتخابات بلدية تعددية في تاريخ الجزائر عام 1990م حيث فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلب مقاعد البلديات، وكذلك فازت بأغلبية مقاعد البرلمان الجزائري في الانتخابات التشريعية لعام (1991). ذلك الفوز كان مخيفاً للنظام القائم المسنود من قبل عدة أحزاب سياسية، خاصة بعد أن صدرت تصريحات خطيرة من قبل بعض قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ تنص على السعي نحو تغيير طبيعة المجتمع، وحتى طبيعة المأكل والملبس، حينها تم وقف المسار الانتخابي وإحالة ملف حزب الجبهة الإسلاميةعلى القضاء، فصدر قرار بحل الحزب. الجزائر دخلت هنا منعطفاً خطيراً، بعد سلسلة اعتقالات واغتيالات طالت كل من يمت بصلة إلى حزب الإنقاذ، مما اختار مناصروه هذا الحزب الصعود إلى الجبال معلنين تمردهم على السلطة بهدف تحقيق دولة الإسلام في بلاد الجزائر. وطالما تنكر قادة الإنقاذ السياسيين للعمل العسكري رافضين كافة العمليات المسلحة، إلا أن المراقبين يصفون ذلك بالمراوغة والتكتيك في الحرب مع السلطة. وفي الواقع فإن تأزم العلاقة بين الحكومة وجبهة الإنقاذ استغله الكثير من المتشددين سواء من قدماء الحرب الأفغانية أو أفراد الحركة المسلحة التي كان يتزعمها خلال الثمانينات مصطفى بويعلي إلى التفكير في خيار المواجهة. وتشير مصادر مختلفة إلى أن دخول جبهة الإنقاذ في مواجهة مفتوحة مع الحكومة، إثر الإعلان عن الاضراب السياسي في (25) مايو (1991)، ساهم بشكل كبير في بروز التنظيمات المسلحة بشكل مكثف. يقول (عمر شيخي)، وهو أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية المسلحة، في سجن (سركاجي)، أن بدايات العمل المسلح تحت لواء الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان في عز المواجهة بين مناضلي جبهة الإنقاذ وقوات الأمن بعد الاضراب السياسي الذي دعت إليه. لكن مع احتدام اطلاق النار، واستمرار المواجهة ليومين كاملين بدأت الأمور تفلت من أيدينا، ولم نعد نستطيع التحكم في بعض عناصرنا الأكثر حماساً للعنف. من جهته بادر قمر الدين خربان، وهو من أفراد جبهة الإنقاذ وأحد المشاركين في الحرب الأفغانية (وعسكري سابق في الجيش الجزائري) إلى تأسيس تنظيم «الباقون على العهد» مباشرة بعد اعتقال قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بتاريخ (29) يونيه (1991)، رغم أن الكثير من أفراد الجبهة الإسلامية الذين فروا من الجزائر نتيجة لمضايقاتهم من قبل الأمن لم يستطيعوا أن يجلبوا دعماً لقضيتهم نظراً لأن جماعات الدعم والإسناد في الخارج لها منهج سياسي ورؤية تختلف عن الحزب الذي حظرته السلطة رسمياً في عام (1992م). ويشير (مصطفى كبير)، العضو القيادي في الجيش الإسلامي المنحل (وهو أيضاً شقيق رابح كبير رئيس اللجنة التنفيذية بالخارج) في إفادته بخصوص علاقة الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة بالتنظيمات الدولية.. لم تكن لدينا علاقة بأية دولة اجنبية ولم يمدنا أحد، هناك من تعاطف مع قضيتنا مثلما نتعاطف نحن مع الآخرين». ويؤكد أعضاء سابقون في تنظيم الجيش الإسلامي بالانقاذ الذي كان يقوده (مدني مزراق) قبل أن يدخل في هدنة بعد اتفاق شفهي مع السلطة ان تأخر الإعلان عن هذا التنظيم المسلح كان بسبب قناعة أساسية راسخة لدى غالبية القيادات السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ بضرورة تجنب إراقة دماء الجزائريين لتحقيق حلم تأسيس الدولة الإسلامية التي تكرر الإعلان عنها عدة مرات من طرف قيادة الحزب (في كل موسم كان عباس مدني رئيس الحزب يخطب في الناس قائلاً إن الدولة الإسلامية ستقام في الربيع المقبل). وأمام تسارع الأحداث اضطر بعض قياديي الحزب إلى الالتحاق ببعض التنظيمات المسلحة مثل (الجماعة الإسلامية) أو حركة الدولة الإسلامية التي تولى قيادتها في هذه الفترة (سعيد مخلوفي) (أحد الضباط السابقين في الجيش خلال الثمانينات). ولم يكن ضمن قيادات الجيش الإسلامي للإنقاذ من شارك في الحرب الأفغانية لكون غالبتيهم لم يكونوا مقتنعين منذ البداية بجدوى العمل السياسي الذي تقوم به الجبهة الإسلامية للإنقاذ ضمن إطار اللعبة الديمقراطية. شد وجذب وبين شد وجذب في العلاقة بين الإنقاذ والنظام توصل الطرفان إلى اتفاق مبدئي عام (1994م) يقضي بإجراء حوار مكثف بين قادة الإنقاذ بسجن البليدة العسكري مع الجماعات المسلحة لإقناعهم بالقبول في حل سياسي للأزمة ووضع السلاح. وكان ذلك إبان فترة رئاسة (اليمين زروال) الذي شجع هذا التوجّه لطي ملف الأزمة مع الإنقاذ، وكُلف (كمال قمازي) من قادة الإنقاذ بالاتصال بالجماعة المسلحة «الجيا» ورفضوا فكرة فتح حوار مع السلطة، بينما قام القيادي (عبدالقادر بوخمخم) بإجراء اتصالات من مقر سجنه مع الجيش الإسلامي للإنقاذ بقيادة (مدني مزراق). ويذكر بوخمخم ل«الرياض» إن فكرة إجراء حوار مع الجماعات المسلحة التي صعدت الجبال كانت جيدة، وقد لاقت دعم من اليمين زروال وشدد في كلامة على أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تؤمن قط بالعمل المسلح بل كان ديدنها دائماً التحرك بدافع سياسي وسلمي». لافتاً إلى أن الحوار مع مدني مزراق القائد العسكري بالجيش الإسلامي كان يدور حول الحصول على ضمانات بأن لا تتم ملاحقته مع رفاقه وان يعيشوا بكرامة في بلادهم». ويرى مراقبون أن السلطة استطاعت بحوارها مع الكتل العسكرية للجماعات الإسلامية المسلحة أن تضع الساسة من قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في عزلة تامة خصوصاً بعد أن أصبحت المفاوضات مع المتترسين في الجبال بطريقة مباشرة، والاستغناء عن أي دور للقادة السياسين من الإنقاذ لإقناع المسلحين بالنزول من الجبال. ويقول القيادي في الجهة الإسلامية عبدالقادر بوخمخم ل«الرياض» أن السلطات الجزائرية اشترت بعض القادة العسكريين لهذه الجماعات المسلحة بهدف تمييع الحقيقة للأزمة الجزائرية المتمثلة في شريحة النظام».ورأى بوخمخم أن الحل يأتي عبر احترام نتائج صندوق الانتخابات وليس بالمراوغات التي تمارسها السلطة على حد وصفه. إلى ذلك أصدر الرئيس بوتفليقة عام (1999) مبادرة الوئام المدني التي يحصل بموجبها كل فرد كان في الجبال لعفو شامل. أيام قلائل قبل انتهاء العمل بقانون الوئام المدني حيز التنفيذ أعلن الجيش الإسلامي للإنقاذ عن وضع السلاح ويأتي هذا القرار نتيجة لمفاوضات سرية مع الجيش الذي كان دائماً رافضاً لأية تسوية مع السلطة في الوقت الذي بقيت الجماعة الإسلامية «الجبا» لا تزال متمسكة بخيار العمل المسلح. في حين إن بوتفليقة لم يكن متأكداً من أن الجيش الإسلامي للإنقاذ سيضع السلاح، خرج بيان موقَّع من طرف أمير الجيش «مدني مرزاق» الذي أكد إنهاء نشاط جماعته. ولهذا فإن العفو شمل أعضاء الجيش الذين يتراوح عددهم ما بين (1000 - 3000) شخص حسب التقديرات الرسمية و(10) آلاف حسب تصريحات الناطق الرسمي باسم الهيئة التنفيذية للإنقاذ في الخارج (عبدالكريم ولد عدة). صحيح أن ذلك ساعد على خفة حدة التوتر والعنف الجاري بالبلاد، وبدا اختفاء شبه كامل للعمليات الإرهابية إلا أن وضع السلاح لا يشكل بالضرورة عنصراً مهماً في إنهاء الأزمة لدى قادة الجيش الجزائري، وذلك تخوفاً من رد فعل سلبي من طرف قواعد الجيش الإسلامي في آخر لحظة، حيث من غير المستبعد أن تتسبب أية غلطة من طرف الجيش النظامي في عدول قادة الجيش الإسلامي للإنقاذ عن قرارهم خاصة وأنهم لا يتمركزون في ناحية واحدة، حيث نجد (مدني مزراق) بجيجل (300)كلم شرق العاصمة، فيما يتواجد (بن عايشة) في منطقة شلف (200) كلم غرب الجزائر، و(مصطفى عمر طالي) في جبال الأربعاء 30كلم جنوب العاصمة، كما أن بعض القيادات ما تزال متحفظة حول سياسة الرئيس وقانون الوئام المدني وكان حل الجيش الإسلامي للإنقاذ الإسلامي بمثابة انتصار للرئيس بوتفليقة الذي كان بحاجة إلى هذه النتيجة أمام الرأي العام الوطني والدولي، بالإضافة إلى النجاح الذي مس أيضاً سياسة المصالحة الوطنية. ومن الناحية العملية فإن الاتفاق مع الجيش الإسلامي للإنقاذ يبرز إحدى الحقائق وهي أن الجيش الذي يملك السلطة الفعلية في الجزائر كان يرفض أي تسوية سياسية ومفاوضات مع العناصر الإرهابية، وعارض التسوية التي اقترحها عقد (سانت إيجيديو) سنة (1995م)، إلا أن الجيش تفاوض سراً سنة (1997م) مع قادة الجيش الإسلامي للإنقاذ. وبعد قتل الرقم الثالث في جبهة الإنقاذ (عبدالقادر حشاني) من طرف مجهولين في 22 ديسمبر سنة 1999م بالعاصمة الجزائرية يدفع للاعتقاد بأن حلاً سياسياً هو غير مرغوب فيه من طرف السلطات، لأن الجيش يرفض تماماً عودة النشاط لجبهة الإنقاذ المنحلة منذ (1992م) بالساحة السياسية، حتى وإن كان تحت غطاء آخر أو تسمية أخرى. وبالتالي فإن الاتفاق بين السلطة والجيش الإسلامي للإنقاذ لا يعدو أن يكون سوى اتفاق بين عسكريين، مبعدين أي فرصة لاعطاء دور للساسة في جبهة الانقاذ الإسلامية. وبالمقابل فإن الجماعة الإسلامية «الجيا» تواصل نشاطها، حتى أنها جندت في صفوفها بعض العناصر التي كانت تنتمي للجيش الإسلامي للإنقاذ والمعارضة للوئام المدني. الجماعة الإسلامية المسلحة هي جماعة إسلامية متشددة أسست عام (1989م) وتهدف إلى الإطاحة بالنظام العلماني الحاكم في الجزائر وإحلال حكومة تحكم بالإسلام محله، وتعارض أي مهادنة أو حوار مع الحكومة القائمة. وقد شرعت الجماعة في اعتماد أسلوب العنف المسلح في بداية عام (1992) بعد أن ألغت السلطة السياسية في الجزائر الانتصار الساحق الذي حققته جبهة الإنقاذ الإسلامية في الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر (1991). ويذكر قادة بن شيحة أمير جماعة سابق أن تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة تم في مدينة (بيشاور) الباكستانية من قبل كل من (سعيد القاري) و(أحمد الود) و(أبوليث المسيلي)، بعد سلسلة من الاجتماعات، ولكن ليس هناك مخطوط واحد صدر عن هذه الجماعة يؤكد هذه الرواية، وإن كان معلوماً أن هؤلاء الثلاثة الذين شاركوا في الحرب الأفغانية وردت أسماؤهم فيما بعد ضمن النواة الأولى التي أسست الجماعة الإسلامية المسلحة. وثمة من يشير إلى أن الجماعة المسلحة دخلت الجزائر بعد عملية الهجوم على الثكنة العسكرية بمنطقة (قمار) في نوفمبر (1991) حيث اتصل مسؤولو هذه الحركة (بعبد الناصر علمي) القريب من التيار السلفي الجهادي، والذي تمكن من استمالة (أحمد الود) تحت إمرته، فأعلن انسحابه من تيار قطب، وتبعه العديد من قدامى الحرب الأفغانية وعلى رأسهم (عكاشة عبداللطيف) الذي أصبح فيما بعد أمير الجماعة بالمنطقة الثالثة. وبعد عقد اجتماع بين جماعة (أحمد الود) وجماعة (منصوري ملياني) تم ميلاد تنظيم جديد يدعى «الجماعة الإسلامية المسلحة» وإثر توقيف الأمن منصوري بعد اجتماع الجلفة عين (أحمد الود) مكانه. وفي خطوة لدعم الحركة المسلحة المناهضة للحكم التقى (أحمد الود) بمسؤول التنظيم (محمد علال) ويدعي موح ليفي نسبة إلى حي المقرية الشعبي بالعاصمة الجزائرية و(عبدالحق العيادة) ووحدا صفوفهما للضرب في كافة أنحاء الجزائر، وأمضيا اتفاقاً أعلن عنه في العددين الأول والثاني من منشورات الجماعة المسماة «الشهادة». ويدعم هذا الكلام (عمر شيحي) حيث يذكر في روايته لتأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة .. وافقنا على تعيين عبدالحق العيادة أميراً للجماعة، بينما تم تكليف رجال الملياني (يقصد الأفغان الجزائريين مثل سيد أحمد الحراني) بمسؤولية هيكلة الجماعة والاشراف على التنظيم، بحكم أن لهم الباع الأكبر في هذا المجال لكونهم التنظيم الأقدم والأكثر تمرساً في العمل الميداني. ويتابع في شرح أصل تسمية الجماعة الإسلامية المسلحة ليوضح أن «سيد أحمد الحراني هو الذي اقترحه، وحين وافق العيادة أخرج الحراني من جيبه ختماً يحمل اسم الجماعة الإسلامية المسلحة كان قد جهزه سلفاً، وقال إنه أحضره معه من أفغانستان وبناء عليه أعلن العيادة تأسيس الجماعة، وبعد البيعة له أميراً قام بتعيين الحراني ضابطاً شرعياً ومفتياً. لكن المسؤول السابق للتنظيم المسلح (جمال زيتوني) قدم لدى توليه إمارة الجماعة الإسلامية المسلحة رواية مخالفة قلل فيها بشكل ملحوظ من تأثير العوامل الخارجية مثل دور قدماء الأفغان الجزائريين في نشأة الحركة بمثل ما تعمد أيضاً تجنب وصلها بحركة مصطفى بويعلي. ومما جاء في إفادته التي وردت في كتابه «هداية رب العالمين في تبيان أصول السلفيين وما يجب من العهد على المجاهدين» قوله إن النواة الأولى للجماعة هي «جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي كان يتولى مسؤوليتها (محمد الخير) من القصبة والتي تتكون من (توفيق طبيش) و(علي فرطاس) وآخرين، حيث بدأ نشاطهم (1995) ثم التحقت بهذه الجماعة في (1991) بحركة نور الدين سلامنة الذي قتل في (1992) من قبل قوات الأمن ليخلفه (محمد علال)، وبعد وفاته في أكتوبر (1992) عوضه (عبدالحق العيادة) الذي نجح في عقد اجتماع مع (منصوري ملياني) مما مكَّن من توحيد الجماعتين وتأسيس الجماعة المسلحة في شكلها الأخير. ورغم اختلاف الروايتين إلا أن خبراء الشؤون الأمنية بالجزائر يرجحون رواية (قادة بن شيخة) لأنها تشترك في الكثير من التفاصيل مع تصريحات الجزائريين العائدين من أفغانستان. والمؤكد حسب ما يذكر (أحمد مراح) العنصر السابق في جماعة مصطفى بويعلي المسلحة أن الأفغان لعبوا دوراً أساسياً ومحورياً في الأعمال الوحشية التي عرفتها الجزائر. لكنه يحمل السلطة في تسهيل مهمتهم في نقل أفكار التفكير وتعبئة أنصار الإنقاذ ضد الحكومة التي شنت من جانبها، حملة اعتقالات في أوساط المتعاطفين مع جبهة الإنقاذ في كل المدن ونقلتهم إلى ستة معتقلات أمنية بالصحراء في إطار تدابير «حالة الطوارئ» فكانت هذه المراكز فرصة تاريخية للأفغان الجزائريين لنشر أفكارهم وسط مؤيدي الإنقاذ.ويتابع موضحاً .. لقد جرى تجميعهم في ظروف غير إنسانية حفزها الحقد الشديد والمشروع ضد - السلطة الطاغية - ولم يكن لديهم من أعمال إلا الخضوع لتأثير الأفكار التي غرسها هؤلاء «الأفغان الجزائريون» من خلال تنظيم أنفسهم والتدريب أكثر تحت إشرافهم المباشر «يقصد الأفغان الجزائريين» والذين جرى توزيعهم بين عدة معتقلات على الهواء. أعضاء الجماعة تشير بعض المصادر إلى أن الجماعة تتشكل من بعض الإسلاميين الذين حاربوا في أفغانستان والبوسنة، ومن الشباب المنحدرين من الطبقات الاجتماعية الدنيا وانشقوا عن جبهة الإنقاذ. ويقدر عدد أفرادها بما بين (200 ألفاً و250) ألفاً وتتركز الجماعة في جبال أطلس شرقي وغربي الجزائر على الحدود المغربية والتونسية وحدود الصحراء، وتقسم الجماعة الجزائر إلى ثلاث مناطق عسكرية، الشرق والوسط والغرب، ويعملون في ثلاث مجموعات مستقلة لكل مجموعة نائب «أمير» وتجمعهم قيادة واحدة. والجماعة منقسمة على نفسها إلى مجموعتين: ٭ عالميون: ويتحدثون بلغة ثورة إسلامية عالمية. ٭ محليون: ويسعون إلى السلطة في الجزائر فقط، وتتلقى الجماعة دعمها المالي واللوجستي من جزائريين مقيمين في الخارج وخاصة في أوروبا الغربية. كما أن الجماعة تستند في نهجها الأيديولوجي إلى الفتوى الصادرة من قبل الشيخ (عبدالحق العيايدة) أحد مؤسسي الجماعة السلفية يؤمن بتكفير جميع قادة الجزائر الحاليين دون استثناء وكل من يعمل معهم ولم يخالفهم، ومن ثم ترجمت الفتوى إلى سلسلة من الاغتيالات على جميع المستويات. ورغم تطابق أهداف الجماعة وتشابه وسائلها إلى حد كبير من جيش الإنقاذ الإسلامي - الجناح العسكري لجبهة الإنقاذ - فإن العلاقات بين الجماعة والجيش سيئة حتى إن جيش الإنقاذ الإسلامي أدان بعض الأعمال الدموية للجماعة. ومن ناحية أخرى فإن أي تقارب في وجهات النظر بين الجماعة وجبهة الإنقاذ أمر مستبعد لأن قادة الجبهة الذين يؤيدون الحوار مع الحكومة أصبحوا هدفاً حياً للجماعة المسلحة. العلاقة مع المؤسسة العسكرية يشير بعض المراقبين إلى أن المؤسسة العسكرية في الجزائر دعمت إلى حد ما العنف الذي تنتهجه الجماعة المسلحةلإضفاء شرعية على الوسائل القمعية التي تستخدمها المؤسسة نفسها. ويتحدث البعض الآخر عن تورط مباشر لعناصر محددة من الأمن الجزائري في تصعيد العنف، وهناك بعض التساؤلات عن وجود تحالف ملموس بين الجماعات الإسلامية المسلحة وبعض دوائر الفساد مثل المافيا المالية السياسية التي تشمل عناصر سابقة من جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم إبان حرب الاستقلال، والحزب القانوني الوحيد في الفترة من (1962 - 1989م) لتصفية المفكرين الذين تجرأوا وأدانوا الفساد الذي يقوض تنمية المجتمع الجزائري. من عمليات الجماعة منذ أن أعلنت الجماعة عن معظم حوادث الاغتيالات ضد الصحفيين والمفكرين والنشطاء السياسيين المعارضين لها والأجانب المقيمين في الجزائر عام (1993م)، قتلت الكثير من المدنيين معظمهم من الأوروبيين، ويتنوع نشاط الجماعة بين الاغتيالات والتفجيرات والسيارات المفخخة، وتباشر الجماعة هذه الهجمات على المدنيين لتخويف الجماعات المنافسة، بما في ذلك جبهة الإنقاذ، وإحراج الحكومة بإظهار عجزها في السيطرة على الدولة. وقد نفذت الجماعة المسلحة بعض العمليات خارج الجزائر حيث اختطفت إحدى طائرات الخطوط الفرنسية المتجهة إلى الجزائر في ديسمبر (1994)، وينسب إليها أيضاً مسؤوليتها عن تفجير في نظام مترو انفاق باريس في الثالث من ديسمبر (1997م). وتتحمل أيضاً مقتل (400) مدني جزائري في البليدة التي تبعد (50) كيلومتراً جنوب غرب العاصمة وتعتبر هذه المذابح من أخطر التهديدات الإرهابية المحلية على مستوى العالم، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى وجود عناصر من قوات الأمن الجزائرية قامت بمذابح مماثلة حسب تقارير بعض المسؤولين الأمريكيين وكذلك ضباط سابقين في الجيش الجزائري، وكثير من جمعيات حقوق الإنسان. الجماعة السلفية أما «الجماعة السلفية» فيقودها قيادي سابق بارز في «الجماعة المسلحة» هو (عبدالرزاق البارة) الذي كان ضمن الكتيبة الخضراء التي قادها (جمال زيتوني) في النصف الأول من التسعينات، وتولى البارة إمارة المنطقة خلفاً لنبيل صحراوي الذي نقل إلى منصب آخر في الجماعة. ولا يعرف مدى صدقية المعلومات عن الخلافات بين الرجلين، لكن الواضح أن (البارة) لم يخالف كثيراً سياسة سلفه صحراوي، ابن منطقة الأوراس «البارة ليس ابن المنطقة»، ويُعتقد أن سياسته تقوم على عدم تأليب السكان ضد «الجماعة السلفية»، من منطلق أن هؤلاء لن يشوا بعناصر التنظيم ما دام أنهم لا يتعرضون لهم، ويتردد أن (البارة) يستعد في المستقبل لاستضافة مقر قيادة «الجماعة السلفية» في الأوراس في حال استمرار الضغط على قيادة خطاب في مناطق الوسط. أما في العاصمة، فالمعلومات المتوافرة تفيد أن «الجماعة السلفية» تحاول مد نفوذها على حساب «الجماعة المسلحة» والهدف الأساسي من دخول العاصمة يبدو إعلامياً في الدرجة الأولى، كون أي عملية فيها تأخذ صدى في وسائل الإعلام أكبر بكثير من الصدى الذي يمكن أن تناله عملية ضخمة في المناطق الأخرى. لكن دخول العاصمة لن يكون في الغالب مهمة سهلة، إذ استطاعت أجهزة الأمن تفكيك معظم خلايا الجماعات المسلحة فيها في السنوات الماضية - توقفت العمليات الضخمة منذ مقتل أمير «الجماعة المسلحة» الذي كان ينشط في القصبة حسين فليشة. وتتعامل السلطات الجزائرية مع أفراد «الجماعة السلفية» يقدر عددهم في الإجمال بنحو (2000) على أساس أن معظمهم «مغرر به»، وان نزولهم من الجبل سيعني الحفاظ على حياتهم وحياة غيرهم من المواطنين وتعتقد السلطات أن بعض قادة هذه الجماعة يرهبون أفرادها ويقدمون لهم صورة غير صحيحة عن الأوضاع في البلاد «ويقولون لهم إن ما يقومون به جهاد»، وتسعى السلطات في هذا المجال إلى ترويج فتاوى أصدرها علماء معرفون في العالم العربي تؤكد أن ما يحصل في الجزائر «ليس جهاداً» والهدف من ذلك واضح هو اقناع عناصر هذه الجماعة المختبئة في الجبال بإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم في مقابل تعهد بمعاملتهم معاملة حسنة. واضافة إلى جماعتي (حطاب) و(أبو تراب) تنشط جماعة ثالثة لا يستهان بها في الغرب الجزائري هي جماعة حماة الدعوة السلفية بقيادة (سليم الأفغاني)، والأخير كان نائباً القائد بن شيحة، الأمير السابق ل«الجماعة الإسلامية المسلحة» في الغرب والذي قتل في صراع على الزعامة خلال عهد (جمال زيتوني) في 1996م. وكان (بن شيحة) الذي عاش لفترة في اريتريا بعد مشاركته في الجهاد الأفغاني، ويعتقد أنه مؤهل من الناحية الشرعية، أكثر من (زيتوني) بقيادة «الجماعة» وكان يفخر بأن ما يقوم به يعتمد على السّنّة النبوية - أسس (كتيبة الأهوال) من (314) عنصراً فقط على أساس أن ذلك سنة.ويعتبر بعض المختصين بالشأن الأمني الجزائري أن جماعة «حماة الدعوة السلفية» واحدة من أخطر الجماعات المسلحة على المدى البعيد، إذ إنها تضم عدداً من المقاتلين الذين سبق لهم أن شاركوا في حرب أفغانستان، ويملكون بالتالي خيرة قتالية لا يستهان بها، كما أنهم يحاولون المحافظة على صفوفهم من خلال تفادي المواجهة المباشرة مع قوات الأمن (إلا إذا اضطروا إلى ذلك أو إذا وجدوا سبباً مهماً يفرض عليهم شن هجوم، مثل الحصول على أسلحة أو مؤن». ويستغل أعضاء هذه الجماعة فترة الهدوء الأمني لإقناع سكان المناطق التي ينشطون فيها بمبادئهم، ويسمح لهم ذلك باستقطاب عناصر جديدة إلى صفوفهم تكون متشبعة بأفكارهم. ويُلاحظ أنه حتى في حال انشق أحد ما عنهم، فإنهم لا يحكمون عليه بالكفر، بعكس غيرهم من الجماعات، بل يسعون إلى إيجاد أعذار كافية له بحيث يمكن استقطابه مجدداً إلى صفوفهم في المستقبل. وهل يعني هذا أن الجماعات المسلحة ستبقى متفرقة تتنافس على النفوذ في ما بينها؟معلومات السلطات الجزائرية تشير إلى العكس، إذ أن ثمة جهوداً تجري منذ شهور بهدف توحيد الجماعات المسلحة كلها ضمن جماعة (واحدة) على غرار الوحدة التي حصلت في مايو (1999) تحت راية «الجماعة الإسلامية المسلحة» بقيادة (قواسمي)، وصمت تلك الوحدة آنذاك قياديين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ والحركة الإسلامية.