تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    رسميًا.. رانييري مدربًا لسعود عبد الحميد في روما    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ الضيوفي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان : اندحار حكومة أم انتحار جمهورية ؟ . دمشق منعت الانهيار لكن أسباب الأزمة قائمة
نشر في الحياة يوم 12 - 12 - 1994

ماذا أصاب "الجمهورية الثانية" ولماذا تدحرجت كل أحجارها عند أول ريح، عند استقالة شفوية أعلنها الرئيس رفيق الحريري ثم صرف النظر عنها على قاعدة العودة الى التعاون أي اعادة تجريب المجرب.
كانت الأسابيع الأخيرة في لبنان من ذلك النوع الذي يوحي بنهاية جمهورية أو طبقة سياسية. نائب ترفع الحصانة عنه للتحقيق معه بتهمة الاتجار بالمخدرات فيسارع الى اتهام مسؤولين وأبناء مسؤولين بالتورط في هذا الملف. بعض الوزراء يتهم رئيس الوزراء ويشكّك في نزاهته ورئيس الوزراء يرد باتهام بعض المجلس فضلاً عن رئيسه بالعرقلة ويحمل على "الداخلين في النظام والخارجين على القانون".
وفي خطوة غير مسبوقة يدخل رئيس الجمهورية الحلبة ويتهم شركاءه السابقين في الجمهورية الثانية بالتهرب من دفع الضرائب أو التهرب من اتخاذ القرار ويسوق اتهامات أشد ضد خصوم محليين ثم يسلم القضاء ما لديه من أدلة.
وفي غمرة عاصفة الاتهامات المتبادلة بحث اللبنانيون عن دولة المؤسسات فلم يعثروا على أي اثر لها ووجدوا أمامهم دولة الرئاسات والنكايات وتصفية الحسابات. في الجمهورية السابقة كانت الأزمات الكبرى تنشب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وفي الجمهورية الحالية يدور الصراع بين رئيس المجلس ورئيس الوزراء وكأنه سباق على اقتسام ارث من تراجعت حصته أو محاولة لتحسين المواقع استعداداً لانتخابات رئاسة الجمهورية ولمعركة رسم ملامح الجمهورية الثالثة.
قبل عامين جاء الحريري وبدا كأنه التغطية الذهبية لجمهورية تحتاج الى غطاء ومجلس نيابي يحتاج الى تغطية. وبعد عامين من اختبارات القوة تراجع رصيد الجمهورية والمؤسسات والرئاسات والرؤساء. في ظل الملفات المفتوحة والفضائح ورائحة الفساد تساءل اللبنانيون عما اذا كان هذا المسلسل بحجمه وتوقيته وذيوله وليد مصادفة؟ وتساءل اللبنانيون أيضاً عن الضمانة والبديل خصوصاً بعدما بدا ان الأزمة تجاوزت اندحار حكومة في اتجاه انتحار جمهورية.
قبل أسابيع فجر القضاء قنبلة سياسية عندما طلب عن طريق التسلسل الاداري من السلطة السياسية اتخاذ الاجراءات المناسبة لتمكينه من التحقيق مع نائب البقاع يحيى شمص في قضايا مخدرات. وبعد ذلك بفترة قصيرة فجر شمص قنبلة سياسية اخرى في مجلس النواب وقبل التصويت على قرار رفع الحصانة النيابية عنه واتهم نوابا ووزراء وأبناء مراجع وأبناء وزراء بالضلوع في قضايا غير قانونية مثل المخدرات وغيرها.
ثم انبرى نائب بيروت نجاح واكيم فعقد مؤتمراً صحافياً اتهم فيه رئيس الحكومة بالافساد المنظم واتهم نواباً عديدين بقبض رشاوى منه من أجل تمرير مشاريع عدة تهمه أبرزها الشركة العقارية المعروفة ب "سوليدير". وفي الأسبوع قبل الأخير قدم رئيس الحكومة رفيق الحريري استقالة غير خطية وغير رسمية الى رئيس الجمهورية الياس الهراوي وذلك بعد تعرضه في آخر جلسة عقدها مجلس الوزراء الى حملة عنيفة من عدد من الوزراء انطوى معظمها على تجريح لشخصه ولكرامته.
وأبدى الحريري في الأيام التي تلت اعلانه الاستقالة تمسكاً بها وعزماً على خوض معركة حاسمة مع اخصامه السياسيين سواء الذين منهم اعضاء في الحكومة أو الذين يدعمونهم في خارجها. ثم أدلى الرئيس الهراوي بحديث صحافي الى رئيس تحرير جريدة "الديار" الزميل شارل أيوب أكد فيه رفضه استقالة الحريري وتضامنه معه في وجه اخصامه.
كما أطلق الهراوي من خلال الحديث سلسلة اتهامات طالت شخصيات سياسية عدة من بينها الرؤساء السابقون حسين الحسيني وسليم الحص وعمر كرامي ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي والنائب ايلي سكاف. ولم يسلم رئيس مجلس النواب نبيه بري من سهامه وذلك عندما اتهمه "بالتطنيش" على الوضع المتفجر وبعدم تقديمه المساعدة اللازمة لمنعه من الانفجار.
على ماذا يدل ذلك؟
يدل على ان الجمهورية الثانية التي قامت بعد اتفاق الطائف، والتي يسميها البعض الجمهورية الثالثة، باتت على قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. ذلك ان مؤسساتها متصارعة في ما بينها، وأعضاء كل مؤسسة يخوضون صراعاً مستمراً في ما بينهم. وقد عطل ذلك مسيرة الحكم والدولة وانعكس سلباً على مصالح الناس. فضلاً عن ان الطبقة السياسية الحاكمة فيها سواء من موقع الموالاة أو من موقع المعارضة عقيمة وعاجزة عن قيادة انتقال لبنان من الحرب الى السلم ومرتبكة وربما "مشبوهة" الأمر الذي جعل الشكوك الشعبية في اخلاصها وفي قدرتها ونزاهتها تتزايد وعلى نحو كبير.
وقد اثار هذا التطور القلق لأن الاعتقاد الذي ساد عند اوساط لبنانية كثيرة في الماضي القريب، كما عند جهات غير لبنانية معنية بلبنان، كان ان الجمهورية الثانية انتقالية. وانها ستخلي مكانها في صورة طبيعية وفي اجواء طبيعية الى جمهورية ثالثة عندما تتضح الأوضاع في لبنان وعندما يتم التوصل الى تسوية لازمة الشرق الأوسط. وانها ستكون بأشخاصها اكثر حزماً وأكثر استقامة وبمؤسساتها اكثر احتراماً لحقوق الناس وللنظام الديموقراطي ولعنوانه الأبرز الحرية. وأثار القلق أيضاً لأن العملية السلمية في المنطقة تبدو متعثرة الأمر الذي يضعف الآمال في الوصول الى جمهورية ثالثة.
كيف يمكن معالجة انهيار الجمهورية الثانية؟
تعتقد جهات لبنانية معروفة بنهجها المعارض أو الرافض ان النقص الكبير في التمثيل الشعبي عند مجلس النواب هو أحد أسباب انهيار الوضع القائم وان القانون الذي جرت بموجبه الانتخابات النيابية والظروف المحلية والخارجية التي انعكست عليها في شكل أو في آخر هي التي أوصلت مجلساً من هذا النوع بات موضع أكثر من شبهة. وتعتقد أيضاً ان الحل للواقع المر هو حل مجلس النواب واجراء انتخابات جديدة بعد وضع قانون انتخابات عصري وبعد تقسيم للدوائر الانتخابية يمكن الممثلين الحقيقيين للشعب من الوصول الى الندوة النيابية.
لكن هذا الحل دونه عقبات عدة. أولها عدم تمتع السلطة التنفيذية بحق حله الا اذا توافرت شروط تعجيزية ليست متوافرة الآن. ثم ان الدستور اناط حق حل المجلس بارادة اكثرية اعضائه. وطبيعي ان يرفض هؤلاء حل مجلسهم في ظروف كالسائدة حالياً باعتبار ان الاقدام على هذه الخطوة يشكل ادانة لهم، واعترافاً بكل الاتهامات التي رموا بها قديماً وحديثاً. وثانيها عدم استعداد سورية، المعنية بلبنان وصاحبة الدور فيه باعتراف اقليمي ودولي، للسماح بحل المجلس لاقتناعها بأن المجلس الجديد الذي قد ينتخب قد لا يؤمن مصالحها كما تراها بسبب الظروف الراهنة في البلد وربما بسبب التعثر الذي طرأ على العملية السلمية اخيراً.
فهذا المجلس أو المجلس الجديد في حال حل الأول هو الذي سينتخب الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، وسورية حريصة على ان يكون هذا الرئيس حليفاً لها أو موالياً لها. وهي ليست على استعداد لأي مجازفة في هذا الموضوع فضلاً عن انها اعتبرت المجلس الحالي اكبر انجازاتها وانجازات لبنان. ولذلك فهي غير مستعدة للتفريط به.
وتعتقد جهات لبنانية أخرى ان الحل يكون بتقصير ولاية رئيس الجمهورية الحالي الياس الهراوي بعد مواقفه التضامنية الأخيرة مع الرئيس رفيق الحريري. ذلك انه بهذه المواقف وبما انطوت عليه من تهجمات على شخصيات ومسؤولين سابقين ونواب جعلت الوضع الحالي مرشحاً للتحول من أزمة حكومية الى أزمة حكم: فضلاً عن انها ستجعل من العسير عليه أي الهراوي ممارسة صلاحياته ودور الحكم المناط به بعدما تبنى مواقف احد اطراف الصراع الداخلي وصار فريقاً في هذا الصراع. كما انها ستجعل الرئاسة الأولى هدفاً للمعارضين على تنوعهم. ومن شأن ذلك الاخلال بالتوازن المختل اصلاً.
لكن هذا الحل غير قابل للتنفيذ لأن الرئيس الهراوي أكد أكثر من مرة انه لن يترك سدة الرئاسة قبل انتهاء ولايته وان بدقيقة وذلك يعني استعداده للمواجهة مع ما ترتبه من أخطار. وثانياً لأن سورية قد لا تحبذه لأن الهراوي صديق لها وحليف موثوق فيه عرض نفسه ولا سيما داخل "مجتمعه" المسيحي وداخل المجتمع اللبناني لانتقادات حادة بسبب مواقف وقرارات شجاعة اتخذها ويصب معظمها في مصلحتها كما في مصلحة لبنان.
الا ان هناك جهات لبنانية ثالثة تعتقد ان الحل الوحيد الكفيل بالتصدي للوضع الراهن هو بتسلم العسكر السلطة وذلك انطلاقاً من اقتناع داخلي وخارجي بأن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة من بين المؤسسات الرسمية التي نجحت في اعادة بناء نفسها على رغم الاجواء الداخلية المشحونة التي نجحت في استعادة وحدتها. في حين ان الخلافات عصفت بسائر المؤسسات وحولتها مراكز طائفية ومذهبية فصارت خطراً على الناس بعدما كانت الضمان لهم وصمام الأمان وبعدما كان يفترض ان تكون كذلك. ويشجع هذه الجهات على اعتقادها هذا اقتناع بأن المؤسسة العسكرية تحظى، الى الرضى الداخلي، برضى سوري ورضى اميركي. ومعروف ان دمشق وواشنطن هما في هذه المرحلة من تاريخ لبنان والمنطقة صاحبا الدور الأساسي لا بل القرار الأساسي في كل ما يتعلق به خصوصاً اذا كان يرتب آثاراً مهمة على اكثر من وضع داخلي وخارجي.
الا ان هذا الحل على جديته ليس قابلاً للتنفيذ على الأقل لمعالجة التدهور الحاصل وفي السنة المتبقية من ولاية الرئيس الياس الهراوي. اذ هل يقبل الجيش تسلم السلطة؟ وكيف يستطيع تسلمها في ظل استمرار الرئيس الهراوي الذي لا يوافق احد على تقصير ولايته؟ وهل يغامر بحرق بعض اوراقه من خلال مشاركة محدودة في ظل اوضاع تتحكم بها اطراف وجهات لا يكن عدد كبير منهم وداً للجيش؟
التمديد لاستبعاد العسكر
وفي هذا المجال لا بد من الاشارة الى ان تردي الوضع بطريقة جعلت الجمهورية الثانية على ابواب الانهيار له علاقة مباشرة بانتخابات رئاسة الجمهورية المرتقبة بعد أقل من سنة، الى علاقته بأمور كثيرة اخرى بعضها عام وبعضها خاص. فقد راجت قبل أشهر معلومات تفيد ان لقائد الجيش العماد اميل لحود حظاً كبيراً في اعتلاء السدة الرئاسية الأولى عندما يحين موعد انتخاباتها. وذلك نظراً الى تمتعه بصدقية ورصيد كبيرين داخلياً وخارجياً ولا سيما في سورية والولايات المتحدة الأميركية.
كما راجت معلومات اخرى تشير الى انه بدأ تحركاً في هذا الاتجاه من خلال فئات سياسية معنية ولم تلاق هذه المعلومات استحساناً عند فئات سياسية اخرى من بينها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكذلك عند جماعات سياسية تخشى على الديموقراطية من وجود عسكري في السلطة. علماً ان وصول هذا العسكري اذا حصل سيكون من دون بزته وسيتم وفقاً للدستور والأعراف والقوانين المعمول بها. ولذلك فانها بادرت الى التعبئة ضد هذا الأمر مع علمها بأن ذلك قد ينعكس سلباً على المؤسسة العسكرية. كما بادرت الى التحرك العملي. وكان أول عمل لها رفع لواء التمديد سنتين اضافيتين للرئيس الحالي الياس الهراوي وبذل جهود حثيثة لاقناع المعنيين به في الداخل والخارج. ونجحت في جعل حظوظ التمديد قوية وبنسبة حظوظ المرشح العسكري. لكن نجاحها لم يطل اذ اطاحته خطوة الهراوي التضامنية مع الحريري التي ازالت التمديد من لائحة الاحتمالات الرئاسية.
لكن المعلومات المذكورة اعلاه لاقت استحساناً عند فئات سياسية اخرى أولاً لاقتناعها بمضمونها وثانياً لاعتقادها بأن تبنيها من شأنه كسب الجيش في صفها في المعركة التي تخوض ضد الحكومة وتحديداً ضد رئيسها الحريري ومعسكره. وقد انعكس ذلك سلباً بعض الشيء على المؤسسة العسكرية، أو كاد ان ينعكس، لأن دورها كما هو محدد في الأنظمة وكما يراه قائدها العماد اميل لحود هو لجميع اللبنانيين، الأمر الذي دفع قيادتها الى الابتعاد قدر الامكان عن الاعلام والسياسيين. علما ان الايحاء بوجودها في صف المعارضة من داخل النظام، الى مضاره، يوفر لها تغطية وحماية ضد اخصامها وخصوصاً في سورية حيث لهذه المعارضة صلات قوية جداً.
وفي المعركة الرئاسية هذه استخدم الطرفان أي الفريق الحكومي اذا جازت تسميته كذلك والفريق المعارض له سورية وذلك باقدام كل منهما على الايحاء بأنها في صفه وتدعم تحركه. فالرئيس الحريري "استدرج" نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام في زحلة في شهر تموز يوليو الماضي لدعوة الرئيس الهراوي الى قبول تمديد ولايته وكان ذلك امام كثيرين من بينهم العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان العامة في الجيش السوري والعميد غازي كنعان رئيس جهاز أمن القوات السورية العاملة في لبنان. ثم راح خدام خلال الأشهر الماضية يحاول اقناع الطبقة السياسية اللبنانية أو الذين يستقبل من اعضائها بفوائد التمديد. واخصام الحريري عملوا ولا يزالون يعملون لاقناع الجهات القوية الذين هم على اتصال معها في سورية بعدم تبني التمديد وتالياً بتوفير الظروف التي تجعل صاحب القرار فيها أي الرئيس الأسد لا يتبناه عندما يحين أوان الحسم في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية.
وكل من الفريقين كان يؤكد ان سورية معه وتدعم وجهة نظره ومواقفه.
والحقيقة عن هذا الأمر كما يقول حليف اساسي لدمشق، بعيد عن الموالاة بما هي تزلف ومكاسب وبعيد عن المعارضة بما هي تشنج ومصالح، هي ان الموقف السوري من كل ما له علاقة بالانتخابات الرئاسية على النحو الآتي:
1 - للرئيس الياس الهراوي تقدير كبير في سورية. لذلك يستحسن عدم التجريح فيه. وقد تم ابلاغ ذلك رسمياً الى حلفاء لها مقطوعة جسور المودة بينهم وبين قصر بعبدا. قيل هذا الكلام قبل التردي الأخير للأوضاع وقبل مبادرة الهراوي الى التصدي لاخصامه بأسلوبهم.
2 - ضرورة مساعدة الرئيس رفيق الحريري لايجاد مخرج من المشكلة القائمة بينه وبين مجلس النواب بسبب دمجه مشروع قانون الموازنة بخطة النهوض الاقتصادي وبسبب رفض المجلس ذلك قيل هذا الكلام قبل التردي الأخير للأوضاع وقبل وصول العلاقة بينه وبين رئيس المجلس الى درجة عالية من السوء.
3 - لم تتطرق القيادة السورية الى الانتخابات الرئاسية ولا الى موضوع التمديد لا في اجتماعاتها الرسمية وغير الرسمية ولا في لقاءاتها مع اللبنانيين أو مع غير اللبنانيين. باعتبار ان اثارة هذا الموضوع لا تزال سابقة للأوان. لكن هناك استلطافاً فردياً عند البعض لأحد المرشحين السياسيين. ويجب عدم تحميل الاستلطاف اكثر مما يحمل. وهناك تقدير لشخصية غير سياسية يرتبط وصولها الى الرئاسة الأولى بظروف معينة. فاذا توافرت يتسلم السلطة من دون ممانعة احد.
4 - تعتبر سورية انها ليست "عابر طريق" في لبنان. وتعتبر ان على اللبنانيين وعلى غيرهم ان يدركوا هذه الحقيقة.
في غرفة الانعاش
هل يعني انتهاء الازمة الحكومية، التي كاد تفجرها ان ينهي الجمهورية الثانية قبل الأوان، ان الروح قد تعود الى هذه الجمهورية؟ انتهت الازمة رسمياً بعد تدخل مباشر من سورية، وهي ما كانت لتنتهي لولا ذلك، لكنها لا تزال قائمة عملياً. ذلك ان رئيس الحكومة رفيق الحريري لم ينجح باستقالته في ازاحة الوزراء الذين يعطلون في رأيه مسيرة اعادة بناء لبنان على كل الصعد. ولم ينجح في اعادة توازن شكا من فقدانه طويلاً بين مجلس الوزراء ومجلس النواب. كما ان المعارضين لم ينجحوا في ازاحة من يسعون الى تصويره على انه رمز الفساد والافساد، ويعني ذلك ان بذور الازمة الوزارية الاخيرة لا تزال قائمة، وستبقى جاهزة لتفجير ازمة اخرى خصوصاً في ظل استمرار الاهتراء والعفن في الطبقة السياسية على تنوع انتماءاتها. ويعني ايضاً ان الجمهورية الثانية التي دخلت "الكوما" في الأسابيع الماضية صارت اليوم في غرفة الانعاش. لكن لا أحد ولا شيء يضمن عدم تردي حالتها وتالياً جنوحها نحو الموت ولا سيما عندما يتوقف "المصل" السوري عنها. ويعني ثالثاً ان الحكومة التي بقيت فقط بسبب تدخل سورية ستبقى معرضة الى المخاطر والهزات.
وما قام به المسؤولون السوريون الكبار هو في رأي لبنانيين كثيرين عملية تجميد انتشار المرض في جسد الجمهورية الثانية ريثما تنضج الظروف الاقليمية والدولية لولادة الجمهورية الثالثة، ولم يكن ابداً عملية احياء لأن ذلك ليس في مقدورهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.