عاد الوضع السياسي في الجزائر الى الانسداد الشديد، بعد بوادر انفراج ظهرت في 13 ايلول سبتمبر الماضي عقب "تغيير اقامة" الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج من السجن العسكري في البليدة الى فيلا "جنان المفتي" في قلب العاصمة الجزائرية. وحمل هذا التراجع موجة من العنف لم يسبق لها مثيل، تميزت بظهور السيارات المفخخة وانفجارها، ما رفع المعدل الاسبوعي للضحايا من 200 الى 500 قتيل حسب أكثر التقديرات تفاؤلاً. وآخر الضحايا الصحافي الطيب بوترفيس، والمدير العام لمؤسسة السكر محمد ماضي، وطبيب الاسنان محمد رضا عسلاوي زوج السيدة ليلى عسلاوي الناطقة السابقة باسم الحكومة، ورئيس تحرير مجلة "ريفولوسيون افريكان" فرح زيان، والفرنسي فيليب هينيه والايطالي ماورو ديلانجو. هذا التصعيد الخطير في العنف - الذي ردت عليه بعض الصحف بإعلان الاضراب لمدة ثلاثة أيام - يعيده المراقبون الى خصوم الحوار من داخل جهاز الحكم و"محيطه الخارجي" ومن "الجماعات الاسلامية المتطرفة". فالطرف الأول يتهم الرئيس اليمين زروال بأنه ذهب بعيداً في "تنازلاته للإرهابيين". وعلى هذا الأساس ما انفك يضغط على جميع الجبهات - البربرية والاجتماعية والأمنية أساساً - لمنع الحوار الوطني من تجاوز نقطة اللارجوع. والطرف الثاني لا يرى في "قرار 13 ايلول" أي تنازل يذكر ما دامت السلطة نفسها تصرح بأنها "نقلت" الشيخين مدني وبلحاج "الى مكان آخر" أي "اعترفت لهما بحقوقهما كسجناء سياسيين، بعد ان كانت تعاملهما كمجرمين عاديين"، كما لاحظت لپ"الوسط" شخصية سياسية جزائرية مرموقة. بين هؤلاء وأولئك يقف الرئيس زروال في "حيرة" بعد ان أقنعته جهات معينة بأنه قدّم ما عليه، وان الكرة الآن في ملعب الأحزاب بما في ذلك "جبهة الانقاذ" المحظورة! وفي انتظار جواب الأحزاب الذي من المتوقع ان يطول، يتواصل النزيف والدمار عبر مسلسل عنف تجاوز كل حدود الفهم والمعقول. وسط هذه الدوامة الرهيبة خرج الرئيس السابق علي كافي عن صمته معلناً عن مشروع حزب جديد باسم "جبهة التحرير المتجددة"، فيما اعتبرت أوساط محايدة ان البلاد لا تحتاج الى احزاب جديدة بقدر ما تحتاج الى وقف مسلسل العنف.