كيف يعيش عباسي مدني وعلي بلحاج زعيما الجبهة الاسلامية للانقاذ في السجن منذ اعتقالهما في حزيران يونيو الماضي؟ وهل ان ظروف اقامتهما في السجن قاسية ام لا؟ وهل يستطيعان الاتصال بالخارج، سواء مع المسؤولين الآخرين في الجبهة الاسلامية للانقاذ أو مع اطراف جزائرية اخرى؟ الاجابة عن هذه الاسئلة وسواها ليس بالامر السهل. فالسلطات الرسمية الجزائرية تمتنع عن اعطاء اية ايضاحات حول هذا الموضوع. اما مصادر جبهة الانقاذ فتفضل احاطة المسألة بكثير من التكتم لأسباب مختلفة. وعلى رغم هذا التكتم الشديد استطعنا الحصول، من مصادر عدة في الجزائر على معلومات دقيقة تتعلق بالحياة اليومية لهذين السجينين الشهيرين. عباسي مدني رئيس جبهة الانقاذ وعلي بلحاج نائبه معتقلان منذ حزيران يونيو 1991 في سجن البليدة العسكري الواقع على مسافة 50 كيلومتراً جنوب العاصمة الجزائرية. وهما يعيشان في غرفة واحدة مما يعكس رغبة السلطات الجزائرية في معاملتهما معاملة خاصة، الا انه لم يسمح لاحد بزيارتهما منذ ان اعتقلا باستثناء افراد اسرتيهما ومحاميهما. ويقول نجل عباسي مدني اسامة ان الزيارات الاسرية محددة بوقت قصير لا يتجاوز في احسن الاحوال نصف الساعة وفي ايام معينة في الاسبوع، وتتم بحضور رجال الامن. ويمنع الزعيمان من تسليم زوارهم اية اوراق او العكس. والاتصال الوحيد المستمر بين المعتقلين والعالم الخارجي هو عن طريق التلفزيون الجزائري والذي كان الى ما قبل التغيير الاخير-او الانقلاب الاخير- يتمتع بموضوعية نسبية في نقله للأخبار ويسمح بتعددية الرأي في نشراته الاخبارية. ولدى مدني وبلحاج جهاز تلفزيون في غرفتهما. اما الصحف فلا تصل اليهما الا في حالات استثنائية، تبعاً لموقف ادارة السجن في ذلك اليوم، او بواسطة اسرتيهما او المحامين. قنوات الاتصال السرية "قنوات الاتصال" مع الخارج محدودة جداً وليست معدومة. فقد علمت "الوسط" من مصادر وثيقة الاطلاع في جبهة الانقاذ انه تم "التفاهم" بطريقة ما بين مدني وبلحاج من جهة والمسؤولين في جبهة الانقاذ من جهة اخرى، على موضوعين اساسيين هما: ضرورة مشاركة جبهة الانقاذ في الانتخابات النيابية التي جرت في كانون الاول ديسمبر الماضي، وضرورة تحاشي الصدام مع السلطة. فقد اتخذ القرار بشأن هذين الموضوعين "بعلم ومشاركة القيادة المعتقلة" على حد قول مصدر في الجبهة. لكن في مقابل ذلك، يبدو واضحاً ان مدني اعطى المجلس الاستشاري للجبهة وكذلك الشيخ عبدالقادر حشاني رئيس المكتب التنفيذي للجبهة "صلاحيات واسعة في العمل، خصوصاً في ما يتعلق بالتفاصيل اليومية الدقيقة" وذلك لاستحالة وجود اتصال مستمر ومنتظم بين "القيادة المعتقلة" و"قيادة الخارج"، على حد قول مسؤول في الجبهة. ومثال آخر على وجود قنوات اتصال "سرية" بين المعتقلين وقيادة الخارج، ان العبارة التي نقلها حشاني عن عباسي مدني وحيا فيها الشعب الجزائري، بعد فوز الجبهة في الانتخابات، هذه العبارة "وصل نصها في اليوم نفسه من داخل زنزانة مدني" وفقا لمصدر مطلع. ويبدو انه مثلما يستطيع عباسي مدني توجيه تحية الى الشعب الجزائري فانه يستطيع توجيه تعليماته الى القيادة في الخارج بالطريقة نفسها، من حين الى آخر، وفي الامور المهمة الكبرى. اما علي بلحاج فلقد ازعج السلطات الجزائرية عندما نشرت رسائل منه في الشارع الجزائري قيل انها مهربة من داخل السجن. وبسبب حرص الجبهة الاسلامية على عدم خلق اي توتر مع السلطة فقد سارعت الى نفي ذلك مؤكدة ان الرسائل كتبها علي بلحاج في اواسط الثمانينات، خلال اعتقاله الاول في قضية مصطفى بويعلى الذي اتهم بمحاولة قلب نظام الحكم والعنف السياسي. وفي احدى خطب الجمعة استنكر عبدالقادر مغني احد كبار المسؤولين في الجبهة قول البعض: "ان الشيوخ مرتاحون في السجن" وقال "ان الضغط النفسي وحرمان المسلم من حريته وابتعاده عن اهله لا تجعل احداً سعيداً في السجن". في الوقت نفسه لا يتردد آخرون في القول ان جبهة الانقاذ استفادت من اعتقال قيادتها اكثر مما خسرت، اذ ظهرت كضحية يجب التعاطف معها. وتحول عباسي مدني وعلي بلحاج الى رموز نضالية". وفي رأي آخرين، ايضاً، ان وجود زعيمي الجبهة في السجن وضع حداً لتعدد خطاب الجبهة، فمدني يكثر من التصريحات ويغضب كثيراً، وعلي بلحاج كثيراً ما كان يحرج بتصريحاته "السلفية"، جبهة الانقاذ، محملاً اياها مواقف لم تتبناها رسمياً.