يتوجه الى صناديق الاقتراع يوم 25 حزيران يونيو الجاري حوالي 11 مليون ناخب مغربي، لاختيار 222 نائباً، يمثلون ثلثي اعضاء مجلس النواب الجديد، في خامس تجربة انتخابية يشهدها المغرب منذ 1963. وتعد الانتخابات الحالية مفترق طرق في تاريخ المغرب المعاصر، باعتبارها الاولى من نوعها التي تجرى في ظل دستور 1992 المعدل، واول انتخابات يترتب عليها تشكيل حكومة منبثقة من البرلمان، وبالتالي اعادة صياغة الخارطة السياسية للسنوات الست المقبلة. ومع الضمانات التي تقول الحكومة انها وفرتها لاجراء الانتخابات في ظروف حرة ونزيهة، لا سيما تشكيل اللجنة العليا للاشراف على سير العملية الانتخابية، الا ان الاحزاب المعارضة ما زالت تُظهر قلقاً ملحوظاً على مصير الجولة المقبلة، حيث اخذت، بعد ايام قليلة من بدء الناخبين سحب بطاقاتهم الجديدة، باثارة الشبهة حول ظروف عملية السحب، وتوجيه الاعتراضات عليها، كما سعت الى تهيئة الاذهان لتقبل افتراض وجود نيات للتأثير على نتائج الانتخابات ممن تصفهم بأصحاب النفوذ والمال ورجال السلطة. وسواء كانت المظاهر السلبية التي شابت الانتخابات المحلية القروية والبلدية التي جرت في 16 تشرين الاول اكتوبر الماضي او غيرها من المظاهر التي تحفل بها الساحة السياسية المغربية، وراء قلق احزاب المعارضة، فإن هذه الاحزاب التي نجحت حتى الآن في تحقيق مكسبين مهمين هما مراجعة دستور 1972، وفك الارتباط بين الاستفتاء على مصير الصحراء الغربية والانتخابات التشريعية، - وان جرت بعد موعدها المقرر بأكثر من ثلاث سنوات - تتطلع الى ضبط الحياة السياسية التي ظلت تميل الى ترجيح كفة احزاب الاغلبية، على ايقاعها الخاص، من خلال العمل المشترك الذي ميز اداءها طوال الفترة الاخيرة، قبل ان ينخفض الى مستوى حزبين من مجموع الاحزاب المعارضة الخمسة التي كانت، حتى وقت قريب، منضوية في اطار "الكتلة الديموقراطية". ففي خضم الاستعدادات لخوض الجولة الانتخابية المقبلة والاخيرة، قرر حزبا "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" اللذان طبع التنافس بينهما السنوات الثلاثين الماضية، دخول الانتخابات بمرشح واحد لكل دائرة، في جميع انحاء المغرب، في خطوة فسرت بأنها تعبير عن رغبة الحزبين في التعالي على خلافاتهما، لكنها تكشفت عن محاولة للتأثير على قوة الشركاء الآخرين، ما دفع بحزب "التقدم والاشتراكية" و"منظمة العمل الديموقراطي الشعبي" الى التذمر منها وانتقادها بشدة. وبالمقابل، اعلنت ثلاثة من احزاب الغالبية السابقة، وهي "الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية" و"الوطني الديموقراطي" عن "وفاق وطني" مفتوح في ما بينها، وعلى اي حزب آخر يريد الانضمام اليه، وفق برنامج سيتواصل في مرحلة ما بعد الانتخابات، وداخل الحكومة، في حال تشكيلها من غالبية تضم هذه الاحزاب. واذا كان تفكك "الكتلة الديموقراطية" هو النتيجة الاكثر وضوحاً في العملية الانتخابية الجارية. فبالامكان القول، ان المنافسة لن تنحصر هذه المرة بين احزاب المعارضة والاغلبية، وانما بين المعارضة نفسها، خصوصاً ان الغاية من "الصفقة" بين "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" هي تحسين وضعهما في البرلمان الجديد، على رغم ان مصادر الحزبين تتفق على صعوبة تحقيق فكرة المرشح المشترك، نظراً الى ما عرفته الانتخابات التشريعية الفرنسية الاخيرة من وضع مشابه، عندما عجز حزبان يمينيان عن تغطية جميع الدوائر بمرشحين مشتركين، حيث ظلت 80 دائرة انتخابية تقرر ان يتنافسا فيها في الدورة الاولى، ومبعث الصعوبة، ان الانتخابات في المغرب تجري في دورة واحدة فقط. وعلى كل حال، فقد بات من الواضح ان المنافسة ستكون بين خمسة تيارات اساسية: تحالف الاستقلال والاشتراكي، احزاب الوفاق الوطني الثلاثة، التجمع الوطني للاحرار الذي يخوض الانتخابات منفرداً، وكذلك حزب الحركة الشعبية الوطنية، واخيراً منظمة العمل الديموقراطي والتقدم والاشتراكية، وبقدر ما يقترب موعد الانتخابات، تزداد المنافسة حدة، نتيجة الضمانات السياسية والقانونية المتوافرة للمرة الاولى، ومنها لجان مراقبة استخدام المال في الحملات الانتخابية، بعد ان رفعت الدولة مساهمتها في تمويل هذه الحملات الى ما يعادل 12 مليون دولار. وتجدر الاشارة الى ان الحكومة قررت زيادة عدد الدوائر الانتخابية ورفع عدد اعضاء مجلس النواب من 306 الى 333 نائباً ينتخب 222 منهم يمثلون ثلثي الاعضاء بالاقتراع العام المباشر يوم 25 حزيران يونيو الجاري، اما الثلث الباقي وهو 111 نائباً، فسيتم اختياره من بين الفائزين في الانتخابات المحلية والغرف المهنية والتجارية والزراعية… الخ. واذا اخذنا في الاعتبار نتائجها المعلنة، فان 90 مقعداً من مقاعد الثلث الاخير ستكون من نصيب احزاب الاغلبية، مقابل 20 مقعداً لأحزاب المعارضة، غير ان هذه النتائج على دلالاتها ليست امراً مفروغاً منه، فمن الطبيعي افتراض حصول المفاجآت.