لم تسفر البوادر الايجابية التي قدمها الملك الحسين الثاني لاحزاب المعارضة بخصوص المشاركة في الحكومة الجديدة، عن تحقيق الانعطافة المتوقعة، بأن تتحول الانتخابات التشريعية الى "مروحة" لتكييف الحياة السياسية، في اطار صيغة التناوب على السلطة، وتداولها على غرار التجربتين البريطانية والاميركية. وعلى رغم ما ينطوي عليه تأكيد العاهل المغربي، في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة للمسيرة الخضراء، بابقاء باب الحوار مفتوحاً، من احتمال اجراء جولة اخرى من المشاورات مع الاحزاب السياسية، يصعب افتراض حدوث تغيير على موقف المعارضة، سواء بسبب مصاعبها وأزماتها الداخلية وتفاقم الخلاف بين اطرافها، او نتيجة الابقاء على شروطها من موضوع المشاركة الحكومية، وفي المقدمة منها، اختيار رئيس الوزراء من بينها. وهو ما اعتبره العاهل المغربي مساً بصلاحياته الدستورية التي تخوله وحده حق هذا الاختيار. وفي معرض اشارته الى شروط المعارضة الأخرى، خصوصاً اعادة الجولة الأخيرة من الانتخابات الخاصة بانتخاب ثلث اعضاء مجلس النواب بالاقتراع غير المباشر التي قللت حظوظها من الفوز بغالبية المقاعد، شدد الحسن الثاني على التمسك بالاعراف البرلمانية للبت في النزاعات المتعلقة بالطعون الانتخابية، كما ربط عملية التناوب المقترحة بمراعاة مصالح البلاد العليا والتزاماتها الدولية، وتحديد الافضليات على اساس العبر المأخوذة من أزمة الخليج، حيث أعرب عن خشيته من تعرض المغرب للعزلة، اذا ما اسند منصب وزارة الخارجية الى احزاب المعارضة التي اختارت الانسياق وراء النظام العراقي. وقال: "ابان ازمة الخليج استقبلت احزاب الكتلة المعارضة وقلت لهم: انكم بهذه الطريقة المتشددة في المواقف تغلقون في وجوهكم منصب وزارة الخارجية، لأنه بمجرد تعيين وزير للخارجية ينتسب اليكم سيصبح المغرب معزولاً". وفي هذا السياق رفض اضفاء اي لون سياسي على وزارتي العدل والداخلية. وكان لافتاً كشف الحسن الثاني تفاصيل مشاوراته مع "الكتلة الديموقراطية" التي باتت تضم ثلاثة من احزاب المعارضة هي "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"منظمة العمل الديموقراطي الشعبي" بعد اقصاء حزب "التقدم والاشتراكية"، وتحالف "الوفاق الوطني" المؤلف من احزاب "الاتحاد الدستوري" و"الوطني الديموقراطي" و"الحركة الشعبية" و"الحركة الوطنية الشعبية" الممثلة للغالبية البرلمانية في خطوة اعتبرها المراقبون، ايضاحاً كاملاً لنيات المعارضة التي تعيق الوصول الى ثنائية سياسية بامكانها تفعيل عملية التناوب بين الاحزاب، في وقت اعطيت لها ضمانات باستقرار حكومي مدته ثلاث سنوات، وربما للسنوات الست المقررة للبرلمان الحالي، وذلك بالتزام احزاب "الوفاق" حتى وهي في موقع الاغلبية، عدم سحب الثقة منها، اذا حدث تعارض في التوجهات، وأخلّت الحكومة بالتزاماتها التي يتضمنها البرنامج الحكومي المتفق عليه. ويرى المراقبون ان المعارضة برفضها تشكيل الحكومة المقبلة، او المشاركة في حكومة وحدة وطنية، اضاعت عليها استغلال فرصة ثمينة للانتقال بالتجربة الديموقراطية في المغرب الى عهد جديد، كما اضاعت على كوادرها فرصة الاسهامه في ادارة شؤون البلاد. وفي كل الاحوال عرّضت نفسها الى مزيد من الضعف يسهل تمييزه، بعد اختزال "الكتلة" الى حزبين تقريباً، وتأزم العلاقات بين الشركاء.