باختيار محمد جلال السعيد رئيساً لمجلس النواب المغربي، للسنوات الثلاث المقبلة، تكون الاغلبية السابقة نجحت في تدعيم قوتها، على حساب تقلص قوة المعارضة وتصدع صفوفها، ذلك ان فوزه تطلّب اصوات جميع نواب الاحزاب الاربعة المنضوية في جبهة "الوفاق" والبالغة 154 صوتاً، اضافة الى اصوات اخرى انتزعها من حزب "التجمع الوطني للاحرار" الذي خاض الانتخابات مستقلاً عنها، اذ حصل على 170 صوتاً في مقابل 13 صوتاً حصل عليها منافسه الوحيد اسماعيل العلوي مرشح حزب "التقدم والاشتراكية" المعارض. ويتضح ان حزبي المعارضة الرئيسيين "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"الاستقلال" اللذين لهما 99 مقعداً في المجلس الجديد، احجما عن التصويت لصالح مرشح حليفهما حزب "التقدم والاشتراكية" الذي يتزعمه علي يعتة، "عقاباً" على ما أبداه من مرونة للمشاركة في حكومة ائتلافية، وجاراهما في عدم التصويت حزب معارض صغير هو "منظمة العمل الديموقراطي الشعبي" الذي يمثله نائبان ذلك ان الاصوات التي حصل عليها المرشح هي مجموع عدد اعضاء الفريق النيابي للحزب. ومن المؤكد ان علي يعتة، وهو يدرك حقيقة الفرصة المتاحة امام مرشحه، اراد بهذه الخطوة اختبار نيات شركائه في "الكتلة الديموقراطية" وسماع ما يروج عن محاولة اقصائه بصوت مرتفع. ولم تأت النتيجة مغايرة لما كان متوقعاً. وتنطوي محاولة اخراج "التقدم والاشتراكية" من تحالف المعارضة على مزيد من التصلب في موقف الاخيرة من موضوع المشاركة في الحكومة المقبلة، فلا يوجد للمعارضة اي خيار سوى العودة الى مواقعها، سواء بسبب تراجع حظوظها في الجولة النهائية للانتخابات، او نتيجة صراع الاجنحة داخل "الاتحاد الاشتراكي" على موضوع المشاركة حيث لا يزال صقور الحزب يرفضون مجرد التفكير فيها. وتحت تأثير هذا الوضع وتفاعلاته، من المرجح ان تناط رئاسة الحكومة الجديدة بشخصية من خارج الساحة السياسية، من منطلق الحاجة الى اصلاحات جذرية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي، الا اذا نجحت المشاورات في تأليف حكومة وحدة وطنية. وتشير التوقعات الى عبداللطيف جواهري الرئيس الحالي للبنك المغربي للتجارة الخارجية ووزير المال السابق الذي يعرف عنه اقتراحه المبكر، منذ مطلع السبعينات، ببيع مؤسسات الدولة الى القطاع الخاص. والجدير بالذكر ان العاهل المغربي في خطابه في الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب، أبقى باب المشاورات مفتوحاً مع احزاب المعارضة والاغلبية لتشكيل الحكومة، بيد انه رهن مشاركة اي منها بوضع برنامج سياسي واقتصادي يتعين على رئيس الحكومة عرضه على المجلس لنيل الموافقة عليه، طبقاً لدستور 1992، الامر الذي يثير التساؤل عن مدى استجابة المعارضة واستعدادها للمشاركة في تشكيل الحكومة بعد اعلان كل من حزبي "الاتحاد الاشتراكي" و"الاستقلال" استمرارهما في موقع المعارضة. ويبدو من الآن ان المعارضة لن تجعل مهمة الحكومة المقبلة سهلة. وقد كشفت نياتها في ممارسة دور اشد فاعلية، وتشديد الرقابة على نشاطات الوزراء.