أربع كلمات في عبارتين تلخص سياسة الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس كلينتون تجاه منطقة الشرق الاوسط وقضاياها المختلفة وتجاه مناطق اخرى في العالم. العبارتان هما: "الالتزام الانتقائي" و"الانسحاب الانتقائي". هذه الكلمات الاربع مفتاح فهم السياسة الخارجية الاميركية - تعكس في مضمونها التغييرات الجذرية التي تشهدها الساحة الاميركية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وكتلته وتحول الولاياتالمتحدة الى القوة العظمى الوحيدة في العالم. واذا كان هذا التحول التاريخي الكبير بدأ في عهد الرئيس جورج بوش، الا ان ادارة الرئيس الحالي كلينتون تتميز بأنها اول ادارة اميركية تتصرف، فعلاً، على اساس هاتين العبارتين: "الالتزام الانتقائي" و"الانسحاب الانتقائي". لكن ماذا تعني هذه الكلمات الأربع؟ 1 - تعني، اولاً، ان الولاياتالمتحدة ليست مضطرة لأن "تهتم" بكل قضايا العالم الساخنة ومشاكله، خوفاً من ان يهتم بها "الخصم السوفياتي" وحلفاؤه وان يستغلها لتوسيع رقعة نفوذه على حساب الولاياتالمتحدة، في حال اهمل المسؤولون الاميركيون هذه القضية او تلك المشكلة. فلم يعد هناك خصم سوفياتي، بل لم يعد هناك خصم او منافس سياسي او عسكري حقيقي للولايات المتحدة في العالم، وان كان هناك منافسون اقتصاديون لها اوروبا واليابان بشكل خاص. 2 - انطلاقاً من ذلك، فان الولاياتالمتحدة "تنتقي" وتختار المناطق والدول والقضايا والمشاكل التي تريد ان "تلتزم" بالاهتمام بها وترى ان مصالحها الحيوية او الحقيقية تقضي بذلك، و"تسحب" اهتمامها وتهمل المناطق والدول والقضايا والمشاكل التي لا تستحق - في نظرها وتقييمها - "العناية" الاميركية، لسبب أو آخر، وتترك هذه المهمة لأطراف وجهات اخرى. فهناك مناطق ودول وقضايا "تستحق" الالتزام الاميركي - من وجهة نظر واشنطن - وهناك مناطق ودول وقضايا "لا تستحق" الالتزام الاميركي. هذا هو معنى عبارتي "الالتزام الانتقائي" و"الانسحاب الانتقائي". 3 - يرافق ذلك ان تحديد المصالح الاميركية، الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاستراتيجية والسياسية، يختلف في "العهد الجديد" عما كان عليه الامر في "العهد السابق"، عهد التنافس والخصام - الساخن او البارد او الفاتر - مع الاتحاد السوفياتي وكتلته وحلفائه. ففي "العهد السابق"، الذي امتد فعلياً من نهاية الاربعينات الى مطلع التسعينات، كان الاعتبار الاساسي الذي يحدد المصالح الاميركية ويشكل محورها هو منع الاتحاد السوفياتي وحلفائه من توسيع نطاق نفوذهم في مختلف مناطق العالم، من الشرق الاوسط الى افريقيا الى اميركا اللاتينية الى آسيا الى اوروبا نفسها، وكانت الخطط والاستراتيجيات الاميركية المختلفة تُوضع على هذا الأساس. لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال الخصم الكبير، تبدل مفهوم "المصالح الاميركية" فلم تعد تقوم على اساس مطاردة الخصم ومنعه من ان يقوى ويشتد، بل أصبحت المصالح الاميركية محصورة، في الدرجة الاولى وبشكل رئيسي، بما يؤثر مباشرة على الاوضاع الاقتصادية الداخلية في الولاياتالمتحدة - وهي اوضاع صعبة ومتردية - او على الاهداف الاميركية وأمن الاميركيين. وفقدت شعارات كثيرة - كشعار "الدفاع عن العالم الحر وقيمه ومبادئه" - قيمتها ولم تعد هي التي تدفع الولاياتالمتحدة الى التحرك في هذه المنطقة او تلك. وهكذا فقدت مناطق ودول وقضايا كثيرة أهميتها بالنسبة الى مخططي السياسة الاميركية، وان كان هؤلاء لا يريدون الاعتراف بذلك صراحة وعلناً. لكن الممارسة العملية للمسؤولين الاميركيين تكشف هذا الامر بوضوح. 4 - لعل احد الأمثلة البارزة على هذا التحول الكبير هو ان "الخصم السابق" - روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الاخرى - الذي كانت مصلحة الامن القومي الاميركي تقضي بمحاربته، أصبح يشكل اليوم "حليفاً" او "صديقاً" من مصلحة الأمن القومي الاميركي تقديم المساعدة والدعم له، على اساس ان سقوط الرئيس الروسي يلتسين ومعه تجربة "الانفتاح الديموقراطي" وعودة "المتشددين" او "الشيوعيين" وحلفائهم الى الحكم يشكلان تهديداً مباشراً للأمن الاميركي بسبب وجود مئات بل آلاف الصواريخ والرؤوس والقنابل النووية في تلك البلاد. دور اميركا وسمعتها 5 - عبارتا "الالتزام الانتقائي" و"الانسحاب الانتقائي" تعنيان، أيضاً، ان الولاياتالمتحدة لم تعد مضطرة، كما لم تعد تريد، ان تتصرف على اساس انها "شرطي العالم" - مع كل ما يتطلب ذلك من أعباء والتزامات مختلفة - يسعى الى تنظيم امور وشؤون هذه المنطقة او ذاك البلد، وفقاً للتصورات الاميركية. ففي "العهد السابق" كان الاميركيون يعتبرون انهم اذا لم يلعبوا دور الشرطي هنا او هناك او هنالك فان الاتحاد السوفياتي - او حلفاءه - سيلعب هذا الدور. اما اليوم فلم يعد هناك شرطي سوفياتي، وليست هناك دولة اخرى في العالم قادرة او راغبة في ممارسة هذا الدور على النطاق العالمي. 6 - تبدلت نظرة الولاياتالمتحدة الى ما يسمونه "الدور الاميركي" و"السمعة الاميركية" و"المصداقية الاميركية" في العالم. ففي "العهد السابق" كان المسؤولون الاميركيون يعتبرون انه اذا لم تتدخل الولاياتالمتحدة - بشكل او آخر - في مختلف المناطق والجبهات الساخنة في العالم واذا لم تساعد الانظمة الصديقة او الدول التي تؤمن بالمبادئ والقيم نفسها، فان ذلك سيؤثر سلباً على "الدور الاميركي" و"السمعة الاميركية" و"المصداقية الاميركية" و"مسؤولية اميركا العالمية". في "العهد الجديد"، هذا العهد القائم على "الكلمات الاربع"، تنطلق صياغة السياسة الاميركية الخارجية من المعادلة البسيطة الآتية: "الجميع يريدون التقارب مع الولاياتالمتحدة او التودد اليها او مصالحتها او مصادقتها، بمن في ذلك اشد خصومها العلنيين وأشرسهم، لأن الولاياتالمتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم ولا بديل لها". وعلى اساس هذه المعادلة البسيطة فان "دور اميركا" و"سمعتها" و"مصداقيتها" لم تعد قائمة على اساس ما تفعله او ما لا تفعله في هذه المنطقة او تلك او في هذا البلد او ذاك، بل على اساس ان الجميع يريدون اقامة "علاقة ما" مع الولاياتالمتحدة، مهما فعلت وكيفما تصرفت، هنا وهناك وهنالك. وهذا كله يجعل الادارة الاميركية تختار من تريد الاهتمام بهم - "الالتزام الانتقائي" - وتقرر حجم ومدى وطبيعة هذا الاهتمام، وتهمل من لا تريد الاهتمام بهم - "الانسحاب الانتقائي". وبذلك تفقد عبارة "مسؤولية اميركا العالمية" معناها السابق، اذ ان الولاياتالمتحدة لا تعتبر، في العهد الجديد، انها مسؤولة عن "كل شيء" في العالم. "الانسحاب الانتقائي" من البوسنة كيف تنطبق سياسة "الكلمات الاربع" هذه على منطقة الشرق الاوسط والقضايا التي تهمنا؟ لنتوقف عند أبرز الأمثلة ولنبدأ بالبوسنة والهرسك وهي، اساساً، قضية اوروبية الا انها اصبحت في الاشهر الماضية قضية تهم العالمين العربي والاسلامي. فعلى رغم فظاعة الحرب - كما تنقلها يومياً شبكات التلفزة وتقارير وسائل الاعلام - ووضوح ان هناك عدواناً صربياً على اهالي البوسنة، خصوصاً المسلمين منهم، وان هدف هذا العدوان - ذي الطابع العرقي والعنصري - هو القضاء على جمهورية البوسنة المستقلة وانشاء "صربيا الكبرى"، وعلى رغم اعتراف الرئيس كلينتون بأن "من مصلحة المجتمع الدولي تطويق هذا النزاع ووضع حد للحرب والعدوان"... على رغم ذلك كله فان قرار الولاياتالمتحدة الاساسي هو عدم التورط مباشرة في الحرب وعدم ارسال قوات عسكرية اميركية لوقف هذه الحرب ووضع حد للعدوان الصربي. الواقع ان السياسة الاميركية تجاه البوسنة والهرسك تنبع من الاعتبارات الآتية: الولاياتالمتحدة ليست لديها مصالح اقتصادية او حيوية في البوسنة، كما ان امنها ومصالحها في اوروبا او الشرق الاوسط ليست مهددة مباشرة نتيجة هذه الحرب. البوسنة قضية أوروبية في الدرجة الاولى لا أميركية، لذلك يعارض الاميركيون بأغلبيتهم - وفقاً لما اظهرته استطلاعات الرأي العام - ارسال قوات اميركية الى هناك لمحاربة المعتدين. التدخل العسكري الاميركي المباشر لوقف الحرب سيكون ثمنه باهظاً اذ يتطلب الامر ارسال 100 ألف جندي على الأقل لوقف العدوان الصربي بالقوة. وتقديرات العسكريين الاميركيين ان "آلاف القتلى الاميركيين" سيسقطون في المعارك مع الصرب اذا حدثت المواجهة المباشرة. واعتبرت ادارة كلينتون ان قضية البوسنة "لا تستحق" هذه المجازفة الاميركية او هذا التورط الاميركي. ولتغطية هذا "الانسحاب الانتقائي" حدد المسؤولون الاميركيون مجموعة مبادئ لدور الولاياتالمتحدة في البوسنة وهذه المبادئ هي: 1 - لن ترسل الولاياتالمتحدة قوات برية الى البوسنة للقتال ووقف الحرب بالقوة. 2 - لن تقوم الولاياتالمتحدة بأي عمل او تحرك في هذا البلد إلا بالتشاور والتنسيق والتفاهم مع الحلفاء الاوروبيين، خصوصاً فرنسا وبريطانيا والمانيا. 3 - تؤيد الولاياتالمتحدة رفع الحظر عن شحنات الاسلحة الى مسلمي البوسنة ليتمكنوا من الدفاع عن انفسهم ضد العرب وتحسين مواقعهم التفاوضية في أية محادثات تهدف الى ايجاد حل سلمي للمشكلة. كما تؤيد الولاياتالمتحدة فكرة شن غارات جوية على مواقع وأهداف صربية عسكرية لدفع الصرب الى التفاوض على حل سلمي. والولاياتالمتحدة مستعدة لارسال قوات لها الى هناك في اطار قوة سلام دولية يتم التفاهم على انشائها في اطار المفاوضات. لكن الولاياتالمتحدة لن تقوم بأية خطوة الا بالتفاهم مع الحلفاء الأوروبيين. كما ان اي دور عسكري ستلعبه في البوسنة سيكون محدوداً. حدود الالتزام في عملية السلام من البوسنة ننتقل الى عملية السلام لحل النزاع العربي - الاسرائيلي. نجاح مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية يحقق مكاسب للولايات المتحدة: من جهة لأن النجاح سيشكل انجازاً ديبلوماسياً كبيراً، ومن جهة ثانية - وهذا هو الاهم - لأن المصالح الاميركية ستتسع في الشرق الاوسط في ظل سلام عربي - اسرائيلي. لكن، في مقابل هذه المكاسب، تدرك الولاياتالمتحدة ان كل الاطراف في المنطقة تحتاج اليها، بشكل او آخر، وانه ليست هناك دولة اخرى يمكن ان تكون "بديلاً" لها يلجأ اليها هذا الطرف او ذاك اذا ما خاب أمله بالسياسة الاميركية. كما تدرك الولاياتالمتحدة ان مصالحها الاساسية ستظل متوافرة في الشرق الاوسط ولو لم يتم التوصل الى سلام عربي - اسرائيلي، وان لا خطر من نشوب حرب عربية - اسرائيلية في السنوات المقبلة على الأقل. كما تعتبر الولاياتالمتحدة ان الاطراف العربية واسرائيل هي المستفيدة الأولى من نجاح المفاوضات السلمية: فالدول العربية، في ظل السلام، ستركز جهودها وطاقاتها على التنمية والبناء في الداخل وتقلص من نفقاتها الحربية، وتحسن علاقاتها مع الولاياتالمتحدة والغرب، واسرائيل ستصبح، شيئاً فشيئاً، جزءاً من المنطقة مما يخفف من اعتمادها على المساعدات الاميركية. انطلاقاً من ذلك تعاملت ادارة كلينتون - وتتعامل - مع مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية على اساس ان العرب والاسرائيليين هم الذين يجب ان يدفعوا ثمن السلام ويقوموا بالمجازفات اللازمة ويقدموا التنازلات ويظهروا المرونة الضرورية للتوصل الى اتفاقات. والادارة الاميركية مستعدة للمساعدة وللعب دور "الشريك الكامل" فقط اذا كانت الاطراف نفسها مستعدة لتقديم تنازلات متبادلة والتصرف بمرونة، لكن الادارة الاميركية ليست مستعدة لأن تفرض حلاً او ان تخوض "معركة" مع اي طرف لانجاح المفاوضات. وهذا ما عبر عنه وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي بقوله: "سنساعد الاطراف اذا كانت تريد ان نساعدها، لكننا لا نستطيع القيام بالمهمة بدلاً عنها". التنازلات والمرونة على الصعيد العملي والتطبيقي تعاملت ادارة كلينتون مع هذه المفاوضات على الاساس الآتي: المطلوب من الاطراف العربية - اي بشكل محدد من سورية ولبنان والاردن والفلسطينيين - تقديم تنازلات، والمطلوب من اسرائيل اظهار مرونة والفارق كبير بين التنازلات والمرونة. فعلى صعيد المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، فشل الطرفان في التوصل الى اتفاق على اعلان مبادئ مشترك، خلال الجولة التاسعة من المفاوضات في واشنطن التي انتهت يوم 13 أيار مايو الجاري، لأن الفلسطينيين يريدون حكماً ذاتياً حقيقياً في الضفة الغربية وغزة خلال الفترة الانتقالية ويريدون مجلساً فلسطينياً للحكم الذاتي له سلطات تشريعية فعلية ويريدون اجراء انتخابات في الضفة وغزة باشراف دولي ويريدون التزاماً اسرائيلياً بالانسحاب من هذه الاراضي. وفي المقابل بدا واضحاً ان الاسرائيليين يريدون اعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدوداً ويريدون الاحتفاظ بالاشراف الكامل على الامن وعلى الاسرائيليين في المستوطنات خلال الفترة الانتقالية ويرفضون الالتزام منذ الآن بالانسحاب من الضفة وغزة. وقدم الاميركيون ورقة عمل تشكل، في نظرهم، حلاً وسطاً، لكن بدا واضحاً من خلال الاطلاع عليها انها تتبنى معظم افكار الاسرائيليين، لهذا رفضها الفلسطينيون بنصها الحالي. على صعيد المفاوضات السورية - الاسرائيلية ظهر واضحاً ان اسرائيل لا تريد الاكتفاء بالعرض السوري الذي تحدث عنه بشكل مفصل الرئيس حافظ الاسد في المقابلة المهمة مع "الوسط" التي نشرت في العدد الرقم 67، وهو العرض القائم على اساس "استعداد سورية للسلام الكامل مع اسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من الجولان". بل طالب الاسرائيليون الجانب السوري بتوضيح مضمون هذا السلام الكامل صراحة، اي اعلان سورية استعدادها لاقامة علاقات ديبلوماسية مع الدولة اليهودية وتطبيع العلاقات في مختلف المجالات معها والتشاور والتنسيق في المجالات العسكرية والامنية التي تهم البلدين. لكن السوريين يرفضون ذلك ويعتبرون ان على حكومة اسحق رابين اعلان استعدادها للانسحاب الكامل من الجولان وبعد ذلك يمكن التحدث عن مضمون السلام. ولم يقدم الاميركيون ورقة عمل لحلّ هذا الخلاف لانهم ركزوا جهودهم على الجانب الفلسطيني - الاسرائيلي، لكن مصادر ديبلوماسية اميركية مطلعة ابلغت "الوسط" انها تؤيد الى حد ما الموقف الاسرائيلي الذي يدعو السوريين الى اتخاذ خطوات ومبادرات علنية لتأكيد الرغبة في السلام مع الدولة اليهودية. على صعيد المفاوضات اللبنانية - الاسرائيلية لا تزال العقدة الأساسية اصرار لبنان على ضرورة ان تعلن اسرائيل استعدادها لتنفيذ القرار 425 القاضي بانسحابها من الأراضي اللبنانية بلا شروط وتحديد جدول زمني للانسحاب، على ان تتبع ذلك مناقشة الترتيبات الامنية بين البلدين. لكن اسرائيل ترفض هذا التصور اللبناني وتريد ان يدفع لبنان "ثمن" انسحابها من اراضيه، سواء في شكل ترتيبات امنية او في شكل توقيع معاهدة سلام بين البلدين. وفي هذا المجال، ايضاً، تميل الادارة الاميركية الى تأييد وجهة النظر الاسرائيلية الى حد ما، أي انها تعتبر انه لا يمكن مطالبة اسرائيل بالانسحاب من لبنان من دون دفع "ثمنٍ ما". على صعيد المفاوضات الاردنية - الاسرائيلية، كل شيء متوقف على توقيع اتفاق فلسطيني - اسرائيلي حول الحكم الذاتي. ويشجع الاميركيون الاردنيين على "تطبيع" العلاقات في مجالات مختلفة مع اسرائيل. الأطراف العربية المعنية بالنزاع ليست مرتاحة لهذا الدور الاميركي. لكن الادارة الاميركية تدرك تماماً ان هذه الاطراف العربية ستهاجم الدور الاميركي وتنتقده ثم توافق في نهاية الامر على المشاركة في الجولة العاشرة من المفاوضات التي ستعقد في واشنطن مطلع الشهر المقبل. واذا لم تفعل ذلك، فان الادارة الاميركية ستنفض يدها - ولو موقتاً - من عملية السلام وتتبع سياسة "الانسحاب الانتقائي". الخليج أمر آخر الواقع ان السياسة الاميركية القائمة على اساس "الالتزام الانتقائي" و"الانسحاب الانتقائي" يمكن ان تدفع بعض القوى الاقليمية - كايران مثلاً - او بعض الجهات - كالجماعات الاسلامية المتطرفة - الى الاعتقاد انها اصبحت قادرة على لعب دور أكبر في الشرق الاوسط، او يجب ان تكون مستعدة للعب هذا الدور، او ان الفرصة سانحة للعمل على تغيير الاوضاع في بعض الدول العربية، كمصر والجزائر، على اساس ان "المظلة الاميركية" لا تغطي كل شيء. لكن هذا التصور خاطئ. فما ينطبق على البوسنة وعملية السلام لا ينطبق على منطقة الخليج العربي. فليس وارداً ان "تسحب" الولاياتالمتحدة اهتمامها بمنطقة الخليج، لأنها تعتبر ان هذه المنطقة هي الأكثر أهمية، بالنسبة اليها، من مناطق عدة في العالم، لأسباب تتعلق بمصالحها الحيوية الاقتصادية والاستراتيجية. ولن تسمح الولاياتالمتحدة للعراق وايران بالقيام بأية اعمال من شأنها ضرب استقرار هذه المنطقة او تغيير موازين القوى فيها او التأثير على امنها. وليس من الضروري ان تكرر الولاياتالمتحدة عملية تحرير الكويت، بل لديها وسائل عدة، مباشرة وغير مباشرة، للتعامل مع العراق وايران بشكل يؤدي الى لجم او وقف اية ممارسات او اعمال من شأنها تهديد هذه المنطقة. وبالنسبة الى الجماعات المتطرفة، فاذا كان المسؤولون الاميركيون يعتبرون ان الجزائر "مشكلة اوروبية" ليس من الضروري ان تهتم بها الولاياتالمتحدة مباشرة وعلى مستوى عالٍ، الا ان مصر دولة اساسية في الشرق الاوسط وتدخل في صلب الاهتمامات الاميركية في هذه المنطقة. وليس من الضروري، بالطبع، ان تخوض ادارة كلينتون "معركة مباشرة" ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تحارب النظام والدولة في مصر - وهي لن تفعل ذلك - بل هناك وسائل عدة، مباشرة وغير مباشرة، سياسية وغير سياسية، لتطبيق مبدأ "الالتزام الانتقائي" في مصر. وستظل منطقة الشرق الاوسط، ومناطق اخرى في العالم، تتعايش، ولفترة طويلة، مع هذه السياسة الاميركية القائمة على أربع كلمات.