اختار الاميركيون التغيير فأسقطوا الرئيس جورج بوش وانتخبوا المرشح الديموقراطي بيل كلينتون رئيساً لهم للسنوات الأربع المقبلة، وذلك في أول انتخابات رئاسية تجري منذ ان اصبحت الولاياتالمتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم اثر انهيار الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته. بيل كلينتون 46 سنة هو أصغر رئيس اميركي منذ جون كينيدي الذي انتخب عام 1960 وهو في الثالثة والأربعين، وأول رئيس من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأول رئيس ديموقراطي منذ 12 سنة وخامس رئيس ديموقراطي منذ الحرب العالمية الثانية. أما نائبه البرت غور فأصغر منه سناً اذ يبلغ من العمر 44 عاماً. واعتبر كلينتون، في أول كلمة القاها بعد فوزه، ان الاميركيين "صوتوا لانطلاقة جديدة" وان الذين انتخبوه يشكلون "تحالفاً رائعاً للتغيير"، وشدد على ان انتصاره الواسع دعوة الى مواجهة "تحديات ما بعد الحرب الباردة" و"تصحيح مسار الاقتصاد الاميركي". ولم ينتخب الاميركيون في الثالث من هذا الشهر رئيسهم ونائبه فحسب، بل أيضاً 12 حاكماً لولاياتهم من مجموع 50، وجميع أعضاء مجلس النواب 435 نائباً و35 عضواً في مجلس الشيوخ من مجموع 100 عضو اضافة الى قضاة ومسؤولين عن أمنهم وآلاف آخرين من العاملين في الحقل العام. وأظهرت النتائج ان الديموقراطيين لا يزالون يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ، مما يعني انه للمرة الاولى منذ سنوات طويلة ينتمي رئيس الولاياتالمتحدة وأغلبية أعضاء الكونغرس الى حزب واحد هو الحزب الديموقراطي. فمن هو الرئيس المنتخب بيل كلينتون الذي سيتسلم مهامه رسمياً في العشرين من كانون الثاني يناير 1993؟ وأي تغيير ستقوم به ادارته في الولاياتالمتحدة وفي علاقاتها مع دول العالم؟ وما هي حقيقة آراء وتوجهات وخطط كلينتون ازاء الشرق الأوسط وقضايا العالم العربي؟ وما طبيعة تعاطفه مع اسرائيل؟ ومن هم المرشحون لتولي المسؤوليات الكبرى والرئيسية في الادارة الجديدة؟ وأية اميركا تنتظر الرئيس الجديد؟ "الوسط" تجيب عن هذه التساؤلات وسواها في هذا الملف الخاص المتضمن مجموعة مواضيع تساعد على فهم حقيقة وأبعاد هذا الحدث السياسي الكبير. أميركا التي اختارت رئيسها الجديد المرشح الديموقراطي بيل كلينتون، تواجه حالة استثنائية في تاريخها: فالولاياتالمتحدة هي اليوم، وللمرة الأولى منذ انشائها، القوة العظمى الوحيدة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته، لكن الاميركيين - وهنا ذروة التناقض - يعيشون في كآبة ويعانون من أسوأ أزمة اقتصادية - اجتماعية عرفتها البلاد منذ ما يزيد عن 60 عاماً. لم يسبق ان كانت الولاياتالمتحدة بمثل هذه القوة في الخارج وبمثل هذا الضعف في الداخل. انها "لحظة" لقاء الاضداد حيث الانتصار له طعم الهزيمة. بل يبدو وكأن الانتصارات الخارجية الكبرى التي تحققت في عهد الرئيس بوش - وعلى رأسها انتهاء الاتحاد السوفياتي وكتلته وما رافق ذلك من انتهاء الحرب الباردة وإقامة التحالف العربي - الدولي الكبير الذي أنهى الاحتلال العراقي للكويت - تحولت الى "نقطة ضعف" في سجل الادارة الاميركية: فبعد غياب "العدو" او "الخصم" الكبير - أي الاتحاد السوفياتي وكتلته - لم تعد الهموم والهواجس الخارجية اساسية بالنسبة الى الاميركيين، بل اصبحت هواجس الشعب الاميركي محض داخلية. وهذا ما دفع الرئيس السابق نيكسون الى القول: "لا اذكر معركة انتخابات رئاسة احتلت فيها قضايا السياسة الخارجية هذا المستوى المتدني من الاهتمام الشعبي، كهذه المعركة التي خاضها بوش وكلينتون وبيرو". لم يعد الاميركيون يخافون من الخارج، اصبحوا يخافون من الداخل. والشعار الرئيسي الذي عكس مطالب الاميركيين خلال معركة الانتخابات هذه يتلخص في العبارة الآتية: "حان الوقت لكي يهتم الرئيس الاميركي بنا بعدما اهتم بالعالم". وكما يقول محلل سياسي اميركي: "ربح الاميركيون المعركة الكبرى في الخارج ضد الاتحاد السوفياتي وكتلته، وعلينا الآن ان نربح المعركة في الداخل حيث نواجه أسوأ أزمة اقتصادية - اجتماعية منذ تلك التي عرفتها الولاياتالمتحدة عام 1929". "العدو الداخلي الرئيسي" هو الوضع الاقتصادي المتردي والذي ازداد سوءاً في عهد بوش. وقد أظهر استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" ان 47 في المئة من الاميركيين يعتبرون ان معالجة التدهور الاقتصادي يجب ان تكون لها الاولوية في برنامج الرئيس الأميركي الجديد. وترتبط بالازمة الاقتصادية ازمات عدة، اجتماعية، تربوية، عرقية الخ... فالاقتصاد الاميركي يعاني من عجز متزايد في موازنة الدولة بلغ هذا العام 330 مليار بليون دولار، وبذلك ضرب العجز رقماً قياسياً اذ اصبح يبلغ، في مجموعه، 4 آلاف مليار بليون دولار. ويعاني الاقتصاد الاميركي ايضاً من ركود واضح، ومن نسبة عالية من العاطلين عن العمل 20 مليون عاطل عن العمل. وفقدت الولاياتالمتحدة تفوقها التكنولوجي - في مواجهة اليابان وأوروبا - ولم تعد القوة الاقتصادية والمالية والانتاجية الأولى، اذ ان اليابان وعدداً من الدول الأوروبية تنتج مواد استهلاكية افضل من المواد الاميركية. مدخول الاميركي المتوسط هو اليوم أقل من مدخول الياباني المتوسط، كما ان المستوى المعيشي للفرد الاوروبي افضل من المستوى المعيشي للفرد الاميركي. اضافة الى ذلك، فان 14 في المئة من الاميركيين البالغ عددهم 250 مليون نسمة هم حالياً تحت المستوى الرسمي للفقر، و35 مليون اميركي لا يتمتعون بضمانات صحية واجتماعية حقيقية كتلك التي يتمتع بها الاوروبيون. ويلخص أحد الخبراء حالة المجتمع الاميركي اليوم على الشكل الآتي: "الوضع السيء الذي يعاني منه الاميركيون اليوم ناتج، في وقت واحد، عن أزمة اقتصادية - اجتماعية حقيقية وحادة، وعن ازمة هوية: فلم يعد للاميركيين عدو كبير حقيقي واضح خارجياً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وكتلته، ولم يعد لدى الاميركيين معركة كبرى يخوضونها في الخارج كمعركة الدفاع عن العالم الحر. فأعداء الامس انفسهم، أي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وكتلته، تريد اليوم ان تصبح جزءاً مما يسميه الاميركيون العالم الديموقراطي الحر. هذا الوضع، اضافة الى هبوط المستوى المعيشي للمواطن الاميركي، والى الاضطرابات العنصرية والعرقية المتزايدة، تدفع البعض في الولاياتالمتحدة الى طرح السؤال الكبير الآتي: هل لا يزال النظام الديموقراطي الاميركي صالحاً ام يجب تطويره وإصلاحه وإدخال تعديلات جذرية عليه؟ في مواجهة هذه "الحالة الاستثنائية" في تاريخ الولاياتالمتحدة، هناك المتشائمون وهناك المتفائلون. المتشائمون عبر عنهم ادوارد لوتفاك، احد مستشاري الرئيس السابق ريغان، الذي نشر مقالاً طرح فيه السؤال الآتي: "متى ستصبح الولاياتالمتحدة دولة من دول العالم الثالث؟". ويعتقد لوتفاك ان ذلك سيتحقق في العام الفين، بينما يقول آخرون، من المتشائمين، ان ذلك سيتحقق بعد ربع قرن. وينطلق المتشائمون في تحليلاتهم من قناعة مفادها ان الوضع الداخلي سيء الى درجة ان اي رئيس اميركي لن يتمكن من ايجاد حلول حقيقية للمشاكل التي تعاني منها الولاياتالمتحدة، بشكل يعيد الى الاميركيين "ايام العز والازدهار" التي عرفوها في السابق. وهناك، ايضاً، المتفائلون الذين يقولون ان الولاياتالمتحدة واجهت، في تاريخها، أزمات حادة وقاسية، اقتصادية واجتماعية، لكنها تمكنت من تجاوزها. ويضيفون: "صحيح ان المستوى المعيشي للفرد الاميركي انخفض، لكن الاقتصاد الاميركي لا يزال، على صعيد الانتاج والقدرة على التوسع، في المراتب الاولى في العالم". مهمات الرئيس الجديد ماذا يريد الاميركيون من رئيسهم الجديد؟ مجلة "الايكونوميست" البريطانية النافذة لخّصت، في عددها الاخير، مطالب الاميركيين في النقاط الآتية: 1 - يريد الاميركيون وظائف جديدة، بحيث تنخفض نسبة العاطلين عن العمل او من هم تحت المستوى الرسمي للفقر. 2 - يريد الاميركيون تحسناً واضحاً وملموساً في الوضع الاقتصادي يؤدي الى ارتفاع دخلهم. 3 - يريد الاميركيون رئيساً لبلادهم مسيطراً على زمام الامور يتصرف كقائد ويولي القضايا الداخلية اهتماماً حقيقياً. 4 - يريد الاميركيون استعادة الثقة بأنفسهم ليتمكنوا من ممارسة "زعامة وقيادة العالم". والملفت للانتباه، على هذا الصعيد، ان بوش وكلينتون كانا متفقين، خلال معركة الانتخابات، على ان "الولاياتالمتحدة يجب ان تكون قوة عظمى اقتصادية لكي تستطيع ان تمارس دور الزعامة والقيادة في الساحة الدولية". وبالتالي، فالمطلوب من الرئيس الجديد ان "ينقذ الوضع الداخلي الاميركي لكي يكون قادراً على قيادة العالم". وهذا يعني، عملياً، انعاش الوضع الاقتصادي، وإيجاد وظائف جديدة، ومكافحة البطالة، وخفض عجز الموازنة، وخفض نفقات الدفاع، وإنعاش الاستثمارات في قطاعات خاصة مختلفة، وإصلاح النظام الصحي والتربوي، واتباع سياسة ضرائبية جديدة. العرب... والمعركة الجديدة لكن هل يعني ذلك كله ان الرئيس الجديد سيكون رئيساً انعزالياً، وان الولاياتالمتحدة ستنكفئ على نفسها لمعالجة مشاكلها وأمراضها الداخلية، وستقلص من التزاماتها واهتماماتها الخارجية، سواء في الشرق الأوسط او في أوروبا او في ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي وكتلته او في مناطق أخرى من العالم؟ الجواب هو: لا. فلا الرئيس الجديد يريد ان يكون انعزالياً، ولا أغلبية الاميركيين تريد ذلك. فقد اظهرت نتائج استطلاعات عدة للرأي العام اجريت خلال معركة الانتخابات ان اغلبية واضحة من الاميركيين يريدون ان تلعب الولاياتالمتحدة "الدور الرئيسي" في الساحة الدولية وان تتصرف على اساس انها "زعيمة" العالم. لكن طبيعة الزعامة المطلوبة اصبحت مختلفة. فقد نشرت مجلة "فورين افيرز" الاميركية الواسعة النفوذ نتائج استطلاع اظهرت ان 62 في المئة من الاميركيين يعتبرون ان "الهدف الأول والأهم" للولايات المتحدة على الصعيد الخارجي يجب ان يكون "الدفاع عن المصالح الاقتصادية الاميركية" وذلك قبل الدفاع عن الديموقراطية والعمل على ادخالها الى هذا البلد أو ذاك أو تطويرها في هذا البلد أو ذاك. فالمطلوب من الرئيس الجديد، اذن، ان يخوض "معركة" من نوع جديد، حيث الصراع والتنافس بين الولاياتالمتحدة والدول الاخرى اصبح اقتصادياً - بالمعنى الواسع للاقتصاد - ولم يعد عسكرياً أو محض سياسياً. وضمن هذا الاطار، يصبح "حلفاء" و"اصدقاء" الولاياتالمتحدة الرئيسيون، أي اليابان والدول الاوروبية، هم، أيضاً، "خصوم" الولاياتالمتحدة الرئيسيون في هذه المعركة الجديدة. العامل الاقتصادي الضاغط هو الذي دفع كلينتون الى القول انه يريد انشاء "مجلس امن اقتصادي"، على غرار مجلس الامن القومي، مرتبط بالبيت الأبيض، وتكون مهمته الاشراف على تطبيق السياسة الخارجية الاميركية، بحيث تأخذ في الاعتبار، أولاً وقبل كل شيء، المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة. الأولوية المعطاة للعامل الاقتصادي يمكن ان تكون لمصلحة العلاقات العربية - الاميركية اذا عرف العرب الافادة من هذا العامل، من جهة بسبب الاهمية الاقتصادية والاستراتيجية لمنطقة الخليج ومن جهة ثانية بسبب اتساع المصالح والروابط الاقتصادية والمالية والتجارية العربية - الاميركية. ومن شأن ذلك ان يضع حدوداً "للتعاطف" الاميركي - الاسرائيلي، من دون ان يلغيه كلياً. لكن تحقيق هذه الاهداف يتطلب وضع خطة عربية تشارك في اعدادها الدول المؤثرة، سياسياً واقتصادياً ومالياً، وتكون واقعية ومرنة ومدروسة وعقلانية، ويكون محورها: كيف يمكن التعامل عربياً مع الرئيس الجديد والاخذ في الاعتبار "الأولويات الجديدة" - أي العامل الاقتصادي خصوصاً - في السياسة والتوجهات الاميركية؟ ماذا عن القضايا الكبرى في الشرق الأوسط، اي بشكل محدد مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، الوضع في الخليج، مستقبل العراق ونظام صدام حسين، لبنان، ليبيا، الانتشار النووي في المنطقة؟ يبدو واضحاً من المعلومات التي تسربت من واشنطن، سواء من اوساط الرئيس الجديد او من الخبراء والمحللين البارزين في شؤون المنطقة، ان سياسة الولاياتالمتحدة الشرق أوسطية لن تشهد تغييرات جذرية أو انقلابية حول كل من هذه القضايا. 1 - بالنسبة الى مفاوضات السلام، دخل المفاوضون العرب والاسرائيليون، للمرة الاولى في تاريخ النزاع، في مناقشة تفاصيل كيفية تحقيق السلام، ولم تعد المفاوضات تقتصر على المبادئ العامة. فالسوريون والاسرائيليون بدأوا يعملون على صياغة "اعلان مبادئ مشترك" بين البلدين يحدد، للمرة الاولى، أسس السلام بينهما. والمفاوضات السورية - الاسرائيلية تناولت مسائل الانسحاب من الجولان، والترتيبات الامنية وطبيعة السلام ومستقبل العلاقات بين البلدين، وهذا لم يحدث من قبل. والفلسطينيون والاسرائيليون اتفقوا على مناقشة جميع المسائل التفصيلية المتعلقة بالحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة وطبيعته ومسؤولياته وصلاحياته، كما اتفقوا على تأجيل البحث الفعلي في الامور المتعلقة بمستقبل الاراضي المحتلة وبالسيادة على الضفة وغزة الى ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية المحددة مبدئياً بخمس سنوات. اما الاردنيون والاسرائيليون فقد اتفقوا، وللمرة الاولى منذ 1948، على نص جدول اعمال موحد للمفاوضات بينهما. والواقع ان هذا النص ليس مجرد جدول اعمال، بل هو أشبه بپ"مسودة" أو بپ"مشروع" لمعاهدة سلام بين البلدين، اذ يحدد اطار العلاقات المستقبلية بينهما. اما على صعيد المفاوضات اللبنانية - الاسرائيلية فالجميع متفقون على ان تقدماً حقيقياً سيحدث فيها بعد التوصل الى اتفاق سوري - اسرائيلي، وليس قبل ذلك. ولا يستطيع الرئيس الجديد تجاهل هذا التقدم في المفاوضات العربية - الاسرائيلية، بل سينطلق منه ليحوله الى اتفاقات سلام - او ما شابه - بين اطراف النزاع. 2 - على صعيد الوضع في الخليج، فان الرئيس الجديد سيكون حريصاً، مثل الرؤساء السابقين أو ربما اكثر بسبب الهواجس الاقتصادية الداخلية، على العمل من اجل المساعدة على ضمان الامن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية، وتجنيبها أية هزات. 3 - بالنسبة الى العراق، لا مجال لعقد أية صفقة بين الرئيس الاميركي وصدام حسين، بل ان الجهود ستتواصل من اجل دعم المعارضة العراقية وتشجيع أية خطوات او اجراءات لتغيير النظام العراقي والحيلولة دون بروز "خطر او تهديد عراقي" خلال السنوات المقبلة. 4 - لا تغيير حقيقياً أو جذرياً، أيضاً، على صعيد السياسة الخارجية الاميركية تجاه لبنان. فالولاياتالمتحدة لن "تعلن الحرب" على الوجود السوري في لبنان، ولن "تفرض" انسحاب القوات السورية من هذا البلد، بل ستتعامل مع "الأمر الواقع" اي مع الحكم اللبناني الحالي ومع الدور السوري الكبير في الساحة اللبنانية. ولن تضغط على اسرائيل، بالطبع، لتنسحب "تلقائياً" من جنوبلبنان تنفيذاً لقرار مجلس الامن الرقم 425، بل ستظل تتعامل مع هذه المسألة على أساس ان اللبنانيين والاسرائيليين يجب ان "يتفاوضوا" على الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب وان "يتفاهموا" على ترتيبات امنية وغير أمنية لتحقيق ذلك. وستظل القناعة الحقيقية السائدة في الادارة الاميركية تجاه لبنان هي الآتية: لبنان ليس مهماً بالنسبة الى الولاياتالمتحدة، ومشكلته ستحل، بشكل او آخر، في ضوء ايجاد حل شامل لمختلف جوانب النزاع العربي - الاسرائيلي. 5 - بالنسبة الى ليبيا، لن يبدل الرئيس الجديد من السياسة الاميركية تجاه هذا البلد وتجاه العقيد معمر القذافي. وستواصل الادارة الاميركية - مع لندن وباريس - اصرارها وضغوطها لكي تسلم ليبيا المتهمين بتفجير الطائرة الاميركية فوق لوكربي عام 1988، ولكي تتعاون فعلاً في التحقيقات مع الفرنسيين حول حادث تفجير الطائرة الفرنسية فوق النيجر عام 1989. ومن المتوقع ان تتصاعد الضغوط الاميركية والبريطانية والفرنسية على القذافي اذا لم ينفذ هذه المطالب. 6 - قضية مكافحة الانتشار النووي، وانتشار اسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط ومناطق اخرى، ستحتل حيزاً بارزاً من اهتمامات الادارة الاميركية التي يتوقع المراقبون المطلعون ان تتخذ "مبادرات جديدة" لمكافحة هذا الانتشار ووضع حد له. لا حرب من أجل الديموقراطية ماذا عن القضايا الاخرى الخارجية وكيف سيتعامل معها الرئيس الجديد؟ أبرز هذه القضايا الآتية: 1 - كلينتون ينوي مواصلة عملية "نزع الاسلحة النووية والاستراتيجية" في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، كما ينوي مواصلة الدعم الاقتصادي المحدود لروسيا، خوفاً من وقوع انقلاب يطيح بالرئيس الروسي بوريس يلتسين. 2 - ينوي كلينتون الاحتفاظ بالحلف الأطلسي وتطويره لكنه سيسعى الى خفض عدد القوات الاميركية في أوروبا من 150 ألفاً الى 75 أو 100 ألف. 3 - يؤيد كلينتون انشاء "قوة انتشار سريع" تابعة للأمم المتحدة تساعد على حفظ السلام او الدفاع عنه في بعض الدول والمناطق، كما انه يشجع "العمل الجماعي" في السياسة الدولية ويؤيد "مشاركة" دول وأطراف ومنظمات أخرى في مواجهة وحل نزاعات العالم، وعدم حصر "المسؤولية" في هذا المجال بالولاياتالمتحدة، على ان تبقى لبلاده، طبعاً، الكلمة الأولى. 4 - يؤيد كلينتون انضمام اليابان والمانيا، كعضوين دائمين، الى مجلس الأمن الدولي الى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، لدعم هذا المجلس سياسياً ومالياً. 5 - كلينتون "واقعي" على صعيد "الدفاع" عن الديموقراطية في العالم. فهو لن يخوض أي نوع من الحروب من أجل تطبيق الديموقراطية، في هذا البلد أو ذاك، بل تقول مصادره ان "المصالح الحيوية الاميركية" ستكون لها الاولوية على "نشر الديموقراطية". أي ان الادارة الاميركية لن تضغط على دول، ذات أهمية خاصة للولايات المتحدة، لتطبيق الديموقراطية، اذا لم تكن تريد ذلك. هذه هي اميركا التي اختارت التغيير وصوتت لصالح بيل كلينتون، أول رئيس ديموقراطي منذ 12 سنة، وأول رئيس للولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة. والمفارقة ان كلينتون فاز لأن عهد منافسه الرئيس بوش تميز بأكبر انتصار سياسي - ديبلوماسي - عقائدي يتحقق للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وهو انهيار الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته. لقد فضّل الاميركيون رئيساً يعدهم بالاهتمام، شخصياً، بمشاكل وهموم الداخل، على رئيس ارتبط اسمه بانجازات وانتصارات خارجية كبرى. "أستاذ" كلينتون حاربه الاسرائيليون لوقوفه ضدهم في حياة الرئيس الاميركي المنتخب بيل كلينتون رجل سياسي مهم وقف بقوة ضد النفوذ الاسرائيلي في الولاياتالمتحدة، فناصبه الاسرائيليون وأصدقاؤهم العداء بدورهم. هذا الرجل، الذي يعرفه الكثيرون من العرب، هو السناتور السابق وليام فولبرايت الذي شغل لسنوات منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي. والواقع ان فولبرايت هو "الأب الروحي" لكلينتون، وهو بمثابة "الاستاذ والقدوة" للرئيس الاميركي الجديد. فقد أعجب كلينتون بفولبرايت وبشخصيته وعمل في مكتبه في الكونغرس في الستينات. لكن كلينتون تأثر، في الواقع، بمواقف فولبرايت ازاء حرب فيتنام بشكل خاص، ولم يتأثر بمواقفه إزاء اسرائيل. فقد كان فولبرايت من اشد خصوم "جماعات الضغط اليهودية" المؤيدة لاسرائيل في الولاياتالمتحدة، وهو أعد عام 1963 تقريراً عن نفوذ "اللوبي الاسرائيلي" في الكونغرس، أي "جماعات الضغط" المؤيدة لاسرائيل، وطالب بفتح تحقيق حول هذه القضية. وفي العام 1973 ظهر فولبرايت على احدى شاشات التلفزيون الاميركي وهاجم الكونغرس لأنه واقع تحت نفوذ الاسرائيليين. وحارب الاسرائيليون فولبرايت - الذي كان مرشحاً عن ولاية اركنسو وهي ولاية كلينتون نفسها - فدعموا عام 1974 حاكم هذه الولاية المؤيد لاسرائيل دال بامبيز وأسقطوا فولبرايت. لم يتأثر كلينتون بمواقف فولبرايت المعادية للنفوذ الاسرائيلي بل يبدو تعاطفه مع اسرائيل واضحا، لكنه تأثر، في المقابل، بمواقفه ازاء حرب فيتنام. ففولبرايت كان من أبرز خصوم التورط الأميركي في حرب فيتنام وهو صاحب كتاب شهير يحمل عنوان "عجرفة القوة" الذي ينتقد فيه بعنف التدخل العسكري الاميركي في فيتنام. مواقف فولبرايت هذه لعبت دوراً رئيسياً في دفع كلينتون الى الوقوف ضد التورط الاميركي في فيتنام والى التهرب من الخدمة العسكرية والقيام بنشاطات معادية لحرب فيتنام، سواء في الولاياتالمتحدة او اثناء متابعته الدراسة في جامعة اكسفورد في بريطانيا في نهاية الستينات. بيل كلينتون له اسم آخر. ففي 19 آب اغسطس 1946 ولد وليام جيفرسون بلاينت في بلدة هوب الفقيرة في ولاية اركنسو بعد 4 أشهر من مقتل والده في حادث سيارة. وعندما اصبح وليام بيل في السابعة من العمر تزوجت والدته من روجر كلينتون، وهكذا اصبح وليام بلاينت وليام او بيل كلينتون. ما يذكره كلينتون عن هذه الحقبة ان زوج والدته روجر كلينتون كان مدمناً على الكحول ورجلا ًشرساً، وهو، الشاب الصغير، هدده مرة اذا عامل والدته بقسوة. في الفترة بين 1968 و1970 فاز كلينتون بمنحة للدراسة في جامعة أوكسفورد ثم تخرج من كلية الحقوق في يال وحصل على شهادة في السلك الخارجي من جامعة جورجتاون. في عام 1974 خسر في الانتخابات لملء أحد مقاعد الكونغرس، وبين 1974 و1976 تابع دراساته في الحقوق في اركنسو وتزوج هيلاري عام 1975 وأنجب منها ابنة تحمل اسم "تشيكسي". وقال احد اصدقائه ان زوجته "أهم مستشار سياسي له". وفي العام 1976 انتخب مدعياً عاماً لاركنسو، وعام 1979 اصبح حاكماً لهذه الولاية وأصغر حاكم في الولاياتالمتحدة اذ كان يبلغ من العمر 33 عاماً. منذ ذلك الحين صعد نجم كلينتون في الحزب الديموقراطي فاختاره الحزب هذا العام مرشحاً له في مواجهة الرئيس بوش. لكن احد المقربين منه يقول: "الواقع ان بيل كلينتون سعى طوال حياته، ومنذ ان كان شاباً فتياً، ليكون رئيساً للولايات المتحدة". وها هو يحقق حلمه الكبير ويصبح الرئيس 42 في تاريخ الولاياتالمتحدة.