هذه ادارة اميركية عرفت مقامها فتدللت. وهي تتعامل مع ملف النزاع العربي - الاسرائيلي، بجوانبه المختلفة، على هذا الأساس. ولقاءات وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر، خلال جولته في الشرق الاوسط، مع زعماء وممثلي الدول المعنية مباشرة بالنزاع العربي - الاسرائيلي - اي مصر والاردن وسورية ولبنان واسرائيل اضافة الى الفلسطينيين - تمت في هذه الاجواء. هذه ادارة اميركية انتخب رئيسها، بيل كلينتون، ليس بسبب انتصاراته وانجازاته الخارجية بل نتيجة وعوده بتحسين الاوضاع الداخلية في الولاياتالمتحدة في مختلف المجالات. ولذلك قرر كلينتون اعطاء الاولوية لمعالجة مشاكل اميركا الداخلية - الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية والتربوية الخ... - والاهتمام بذلك شخصياً وترك المسائل والقضايا الخارجية لوزير الخارجية وارن كريستوفر والدفاع ليس اسبين ولمستشاره لشؤون الامن القومي انطوني ليك ومساعديه. ولن يهتم كلينتون، شخصياً وفعلياً، خصوصاً في الفترة الاولى من عهده، بأية قضية خارجية - عدا الكلام عنها - الا اذا كانت تحقق له مكاسب وانتصارات، واذا كانت تساعده على دعم وضعه الداخلي. هذه ادارة اميركية ورثت مع ذلك، انجازات وتركة عهد بوش الخارجية: فها هو كلينتون اليوم رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته. هذه ادارة اميركية تتطلع الى تطوير العلاقات معها، او اقامة افضل العلاقات معها، جميع دول منطقة الشرق الاوسط وما يحيط او يرتبط بها. وحتى "خصومها الألداء" - الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني والرئيس العراقي صدام حسين والرئيس الليبي معمر القذافي - يسعون الى ذلك. هذه ادارة اميركية تدرك تماماً انها هي وحدها القادرة على ايجاد حل للنزاع العربي - الاسرائيلي، وليست أية دولة او قوة سياسية اخرى في العالم. وتعرف، انطلاقاً من ذلك، مدى حاجة اطراف النزاع اليها. هذه ادارة اميركية تدرك ان كل اطراف النزاع العربي - الاسرائيلي، ولو صدر عنها علنياً موقف معاكس، تحتاج الى استمرار مفاوضات السلام، ولو كانت هذه المفاوضات مجرد كلام. فاستمرار عملية السلام، ولو لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، يقوي كل طرف ولا يضعفه، ويساعد على المحافظة على علاقات جيدة بين هذه الاطراف والولاياتالمتحدة، ويدفع بالتالي "القوة العظمى الوحيدة في العالم" الى الابقاء على اهتمامها بهذا النزاع وأيضاً بالاطراف المعنية به. هذه ادارة اميركية تدرك تماماً ان تحقيق السلام بين العرب والفلسطينيين من جهة والاسرائيليين من جهة اخرى، وباشراف ورعاية الولاياتالمتحدة، سيؤدي الى توسيع وتثبيت النفوذ الاميركي في منطقة الشرق الاوسط وما يحيط او يرتبط بها. لكن هذه الادارة تتعامل مع ملف هذا النزاع على اساس ان الاطراف المعنية به في حاجة الى السلام اكثر من حاجة واشنطن اليه. فالولاياتالمتحدة تستطيع ضمان مصالحها وتأمين وجود علاقات جيدة او قوية مع دول المنطقة، حتى من دون ان يتم حل النزاع العربي - الاسرائيلي بسرعة او في هذه المرحلة. فادارة كلينتون تعتبر ان لا خطر من نشوب حرب جديدة في الشرق الاوسط او انفجار نزاعات كبرى تؤدي الى تغيير موازين القوى في هذه المنطقة، في المستقبل القريب، حتى لو لم يتم ايجاد حل سريع للنزاع العربي - الاسرائيلي. وهذه الادارة الاميركية تعتبر ان اطراف النزاع هي التي ستدفع ثمن استمرار النزاع، لا الولاياتالمتحدة، لذلك فان على هذه الاطراف ان تدفع "ثمن السلام" اذا أرادت، فعلاً، حل نزاعها سلمياً. و"ثمن السلام" يعني، عملياً، تقديم التنازلات. هذه العوامل والقناعات تجعل ادارة كلينتون تعرف مقامها، فتتدلل. "التهويل والترغيب" انطلاقاً من هذه الاعتبارات، سبقت ورافقت جولة كريستوفر في الشرق الاوسط مواقف وتصريحات علنية اميركية موجهة مباشرة الى اطراف النزاع العربي - الاسرائيلي، اي الى المسؤولين السوريين والفلسطينيين والاردنيين واللبنانيين والاسرائيليين - على اساس ان مشكلة مصر مع اسرائيل انتهت بتوقيع اتفاق سلام معها - وهي مزيج من "التهويل والترغيب". التهويل عبرت عنه المواقف والتصريحات الاميركية الرسمية الآتية: 1 - استماع وارن كريستوفر الى اطراف النزاع خلال جولته هذه "فاذا لم تكن الاطراف نفسها مستعدة لتقديم التنازلات او لطرح افكار جديدة او لتحمل مسؤولياتها فللادارة الاميركية اهتمامات اساسية اخرى" على حد قول مسؤول اميركي كبير في ادارة كلينتون. 2 - المسؤول الاميركي نفسه ذهب ابعد من ذلك حين قال لمجموعة من الصحافيين المهتمين بجولة كريستوفر ان وزير الخارجية الاميركي نفسه والمسؤولين في ادارة كلينتون "ليسوا مستعدين لصرف الكثير من الوقت والرصيد على مجموعة من الاطفال العنيدين الذين ينتحبون حول مواقفهم ولا يبدون أي استعداد لتقديم القليل من التنازلات لدفع عملية السلام الى الأمام. وأقصد بكلامي العرب والاسرائيليين معاً". 3 - مسؤول اميركي آخر رفيع المستوى، حذّر اطراف النزاع العربي - الاسرائيلي وجهات اخرى من فشل او توقف عملية السلام اذ قال "ان الجميع في منطقة الشرق الاوسط سيواجهون تبعات خطيرة اذا فشلت عملية السلام ونجح المتطرفون في وقف هذه العملية". وهذا الكلام يعني ان ادارة كلينتون تعتبر ان دول المنطقة، لا الولاياتالمتحدة، ستدفع ثمن فشل مفاوضات السلام، وذلك لقطع الطريق على أية محاولات قد يقوم بها هذا الطرف او ذاك لتهديد الادارة الاميركية بمقاطعة المفاوضات، بهدف حمل هذه الادارة على استرضائه. ويبدو من كلام المسؤولين الاميركيين المرافقين لكريستوفر ان ادارة كلينتون لا تريد "استرضاء احد"، على اساس ان اطراف النزاع هي المستفيدة الاولى من السلام، وعليها، بالتالي، واجب تحمل تبعاتها ومسؤولياتها وتقديم التنازلات اللازمة لتحقيق السلام. 4 - ضمن هذا الاطار، أيضاً، امتنع كريستوفر عن تحديد موعد علني لاستئناف مفاوضات السلام لكي لا تبدو الولاياتالمتحدة وكأنها هي التي تحتاج الى استئناف هذه المفاوضات اكثر من الاطراف نفسها. وهذا لا يمنع ان يكون وزير الخارجية الاميركي "يأمل ويراهن" على عقد الجولة التاسعة من هذه المفاوضات في واشنطن في النصف الثاني من نيسان ابريل المقبل. في مقابل هذا التهويل، هناك الترغيب الاميركي. والترغيب هو اعلان الادارة الاميركية، بلسان كريستوفر ومسؤولين آخرين، عن استعدادها للقيام بدور "الشريك الكامل" في عملية السلام. وقد تجنبت الادارات الاميركية السابقة التعهد علناً بالقيام بدور "الشريك الكامل" في مفاوضات السلام - وان كان حدث ذلك فعلياً مع هنري كيسنجر وفي عهد كارتر - مراعاة للاسرائيليين الذين يفسرون هذه العبارة بأنها تعني "ممارسة الضغط عليهم". والملاحظ، مثلاً، ان ادارة بوش كانت تستخدم عبارتي "الوسيط المحايد" و"القوة الدافعة" في وصف الدور الاميركي في المفاوضات. وأكد مصدر رفيع المستوى في ادارة كلينتون لپ"الوسط" ان كريستوفر والمسؤولين الآخرين لم يستخدموا علناً عبارة "الشريك الكامل" الا بعد ابلاغ الاطراف العربية واسرائيل باستعدادهم القيام بهذا الدور "اذا ما توفرت الشروط اللازمة له". والواقع ان ادارة كلينتون لن تمارس دور "الشريك الكامل" الا اذا "قدمت اطراف النزاع تنازلات وأبدت استعداداً جدياً والتزاماً فعلياً بتحقيق السلام". وهذا يعني، في مفهوم ادارة كلينتون، ان على العرب والفلسطينيين والاسرائيليين "اغراء" الولاياتالمتحدة بلعب دور "الشريك الكامل" عن طريق تقديم التنازلات ودفع ثمن السلام. دور الشريك الكامل لقد أظهرت جولات المفاوضات العربية - الاسرائيلية الثماني، منذ مؤتمر مدريد في تشرين الأول اكتوبر 1991 وحتى نهاية عهد بوش، ان اطراف النزاع العربي - الاسرائيلي لا تستطيع التوصل الى أي اتفاق من دون مساعدة خارجية كبيرة. صحيح ان هذه الجولات كانت مفيدة من ناحية ان كل طرف اصبح يعرف تماماً، وبأدق التفاصيل، مواقف الاطراف الاخرى، وما هو مقبول منه وما هو غير مقبول. لكن هذه الجولات اظهرت، ايضاً، ان دور الولاياتالمتحدة "كوسيط" محايد او "كقوة دافعة" ليس كافياً لتحقيق التقارب في المواقف المتباعدة وتأمين توقيع اتفاقات بين اطراف النزاع. والواقع ان تاريخ النزاع العربي - الاسرائيلي، منذ 1948 الى اليوم، يظهر بوضوح انه لم يتم التوصل الى اي اتفاق عربي - اسرائيلي، بدءاً باتفاقات الهدنة، من دون مساعدة خارجية فعلية. ومنذ حرب 1967 بشكل محدد، فان كل الاتفاقات او الخطوات الأساسية المتعلقة بهذا النزاع تمت نتيجة تدخل اميركي مباشر ودور اميركي كبير. وهذا ينطبق أولاً على قراري مجلس الامن 242 الصادر في تشرين الثاني - نوفمبر - 1967 و338 الصادر بعد حرب 1973. فهذان القراران، وهما اليوم اساس مفاوضات السلام، صدرا نتيجة دور اميركي كبير ومباشر. وهذا ينطبق، ثانياً، على اتفاقي فصل القوات بين مصر وسورية من جهة واسرائيل من جهة ثانية اثر حرب 1973، ثم بين مصر واسرائيل اتفاق فصل القوات الثاني في ايلول سبتمبر 1975. فلولا جولات كيسنجر المكوكية والدور الاميركي الكبير لما تم التوصل الى هذه الاتفاقات. وهذا ينطبق، ثالثاً، على معاهدة كامب ديفيد التي تم توقيعها رسمياً في آذار مارس 1979. فلولا الدور الكبير والمباشر الذي لعبه الرئيس كارتر والضمانات المختلفة التي قدمها، لما كان تم توقيع هذه المعاهدة. وهذا ينطبق، رابعاً، على الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي الموقع في 17 ايار مايو 1983. فلولا مشاركة الاميركيين مباشرة في كل مراحل المفاوضات لما كان تم توقيع هذا الاتفاق، الذي ولد ميتاً في اي حال ولم يتم تطبيق اي بند منه. ومنذ ذلك الحين لم يتم توقيع اي اتفاق عربي - اسرائيلي او فلسطيني - اسرائيلي. مقتضيات النزاع العربي - الاسرائيلي، اضافة الى ما يظهره تاريخه، تتطلب، اذن، من الولاياتالمتحدة ان تلعب دور "الشريك الكامل" في المفاوضات العربية - الاسرائيلية، وان تتورط مباشرة فيها، لكي يتم توقيع اتفاقات عربية - اسرائيلية. لكن ادارة كلينتون لا تنوي ممارسة دور "الشريك الكامل" الا اذا كانت اطراف النزاع مستعدة فعلاً لتقديم تنازلات تمكّن من تحقيق اتفاقات في ما بينها. ماذا يعني ذلك عملياً وما مضمون التنازلات المطلوبة من اطراف النزاع؟ للاجابة عن هذا السؤال لا بد من الاطلاع على اوضاع جبهات او مسارات المفاوضات العربية - الاسرائيلية. بشكل اكثر تحديداً فان المسارين الاساسيين، في نظر الادارة الاميركية، هما المسار الفلسطيني - الاسرائيلي والمسار السوري - الاسرائيلي. وهذا نابع من أنه لن يتم التوصل الى أي اتفاق او تفاهم لبناني - اسرائيلي الا بعد التوصل الى اتفاق او تفاهم سوري - اسرائيلي، كما لا يمكن التوصل الى اي اتفاق اردني - اسرائيلي وهذه رغبة الملك حسين الا - على الاقل - بعد التوصل الى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي. المسار الفلسطيني - الاسرائيلي سهل من حيث المبدأ وصعب ومعقد في التفاصيل. اما المسار السوري - الاسرائيلي فصعب من حيث المبدأ. فبالنسبة الى المسار الفلسطيني - الاسرائيلي هناك تفاهم بين الفلسطينيين والاسرائيليين على ان المفاوضات تهدف، في هذه المرحلة، الى التوصل الى اتفاق حول الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وان يستمر هذا الحكم الذاتي لفترة محددة وموقتة بين 3 و5 سنوات تجري بعدها المفاوضات حول الحل النهائي. وانطلاقاً من ذلك فان الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي، متفاهمان - ولو لم يكن ذلك علنياً - على ان كل الامور المتعلقة بالسيادة والارض والانسحابات ومصير المستوطنات ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين متروكة للمفاوضات التي ستتناول الحل النهائي والتي ينتظر ان تبدأ بعد 3 سنوات من توقيع اتفاق الحكم الذاتي. وعلى اساس هذا التفاهم المبدئي، كان الكثيرون من المعنيين بالمفاوضات يتوقعون ان يتم التوصل خلال بضعة اشهر الى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي حول الحكم الذاتي. لكن تبين خلال جلسات المفاوضات، سواء في عهد حكومة اسحق شامير او في عهد حكومة اسحق رابين، ان المشكلة هي في التفاصيل، او كما يقول ريتشارد مورفي مساعد وزير الخارجية الاميركي السابق لشؤون الشرق الاوسط "الشيطان هو في التفاصيل". فلم يتفق الفلسطينيون والاسرائيليون، بعد 8 جولات من المفاوضات، لا على طبيعة الحكم الذاتي ولا على دور وصلاحيات وسلطات الهيئة المكلفة بتطبيق الحكم الذاتي ولا على مجالات الحكم الذاتي ولا على الانتخابات. فالفلسطينيون يريدون ان يكون الحكم الذاتي نواة الدولة الفلسطينية المقبلة والاسرائيليون يريدون منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدوداً للغاية يتناول، خصوصاً، المسائل الادارية وكيفية تسيير الامور المعيشية والحياة اليومية للمواطنين في الضفة وغزة. بل ان الوفد الاسرائيلي اقترح في الجولة ما قبل الاخيرة من المفاوضات تقسيم الضفة الغربية وغزة، اي منطقة الحكم الذاتي، الى 3 مناطق: واحدة خاضعة كلياً للسيطرة الاسرائيلية وثانية خاضعة لادارة الحكم الذاتي الفلسطيني وثالثة خاضعة لادارة مشتركة فلسطينية - اسرائيلية. بالنسبة الى المسار السوري - الاسرائيلي، تبين بعد 8 جولات من المفاوضات، وعلى رغم المرونة التي ابداها الوفد السوري والافكار الجديدة التي تقدم بها الوفد الاسرائيلي، ممثلاً حكومة رابين، ان المشكلة الاساسية التي تمنع، حتى الآن، الجانبين من التوصل الى اتفاق، تتعلق بامور مبدئية لا تفصيلية: فسورية تريد، قبل كل شيء، موافقة اسرائيل رسمياً على اعادة الجولان المحتل الى السيادة السورية، وهي مستعدة، في مقابل ذلك، لتوقيع اتفاق سلام مع الدولة اليهودية والموافقة على "اجراءات سلمية" بين البلدين. واسرائيل، من جهتها، لا تريد - حتى الآن على الاقل - ان تعيد الجولان بكامله الى السيادة السورية، بل تقترح انسحاباً جزئياً ترافقه ترتيبات أمنية في مقابل معاهدة سلام بين البلدين. وحين اقترح الاميركيون على الطرفين توقيع "اعلان مبادئ مشترك" تبين، ايضاً، ان المشكلة الاساسية لا تزال هي هي وتتعلق بنقطة الانطلاق، اي: السيادة على الجولان في مقابل السلام. وصحيح ان الفلسطينيين والسوريين ناقشوا مع الاسرائيليين مجموعة كبيرة من الامور التفصيلية - وذلك للمرة الاولى بهذا الشكل منذ قيام اسرائيل - الا ان هذه الامور التفصيلية لن تكتسب قيمة فعلية وأهمية عملية الا اذا تم التوصل الى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي وآخر سوري - اسرائيلي. شراكة بلا ضغط يبدو واضحاً من كل ذلك ان التنازلات المطلوبة من مختلف الاطراف، لكي يتم التوصل الى اتفاقات سلام، كبيرة وجوهرية وأساسية. وتاريخ النزاع العربي - الاسرائيلي يظهر، بوضوح، انه لا يمكن التوصل الى اي اتفاق عربي - اسرائيلي من دون ضغوط ومساعدة خارجية فعلية، ومن دون تورط الولاياتالمتحدة بالذات في عملية التفاوض. والواقع ان عبارة "الشريك الكامل" التي اطلقها وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر خلال جولته الشرق اوسطية توحي، للوهلة الاولى، بأن ادارة كلينتون تنوي ممارسة ضغوط، خصوصاً على اسرائيل، لتحقيق التقارب في المواقف. لكن كريستوفر حرص على القول في دمشق، وبعد محادثاته مع الرئيس حافظ الاسد، ان الادارة الاميركية "لن تضغط على أي من الاطراف". وبذلك يقدم كريستوفر مفهوماً جديداً لدور الشريك الكامل، ينسجم تماماً مع نظرة ادارة كلينتون الى نفسها والى اهدافها والى موقع الولاياتالمتحدة في الشرق الاوسط والعالم. فما ستفعله الادارة الاميركية، وفقاً لهذا المفهوم، هو انها ستنقل اقتراحات، من هذا الطرف الى ذاك، وستتقدم بنفسها ببعض الاقتراحات، وتطور هذه الصيغة او تلك، لكنها لن تخوض معركة، خصوصاً مع اسرائيل، من اجل ارغام مختلف الاطراف على توقيع الاتفاقات. بل ان على الاطراف نفسها ان تقدم التنازلات الكافية واللازمة لكي يكون هناك مجال للتوصل الى اتفاقات على هذه الجبهة او تلك. هل تنجح استراتيجية ادارة كلينتون هذه، وهي استراتيجية تنطلق من ان هذه الادارة "تعرف مقامها تماماً" وهي لذلك تطلب من اطراف النزاع ان تدفع ثمن السلام؟ الاسابيع المقبلة ستجيب عن هذا السؤال، وان كانت المهمة الاميركية تبدو بالغة الصعوبة. ماذا عن المبعدين الفلسطينيين المقيمين في مخيم العودة في جنوب لبنان؟ يبدو واضحاً ان الاطراف العربية والفلسطينية المعنية مباشرة بالنزاع مع اسرائيل مهتمة، طبعاً، بقضية المبعدين، وتريد اعادتهم الى ارضهم، لكنها، في الوقت نفسه، مستعدة لاستئناف مفاوضات السلام حتى لو لم يعد جميع المبعدين فوراً، وحتى لو تمت اعادتهم الى ارضهم على مراحل.