سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مقابلة خاصة مع المسؤول الأميركي الأول عن الملف السوداني . هيرمان كوهين ل "الوسط": إنشاء مناطق حظر جوي في السودان أمر ممكن ووارد "السودانيون تربطهم علاقات سياسية وثيقة بايران ... ويشجعون على التخريب"
أكد هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الافريقية، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، ان انشاء مناطق حظر جوي في السودان، بقرار من مجلس الأمن الدولي، وبهدف تأمين وصول امدادات الاغاثة الى مئات الآلاف من السودانيين، أمر وارد ومحتمل. وكشف كوهين ان العلاقات السياسية بين السودان وإيران "وثيقة جداً" وان التشاور بين البلدين يشمل مسألة انتشار "الافكار الاسلامية المتشددة". وقد التقت "الوسط" هيرمان كوهين في مكتبه في وزارة الخارجية الأميركية بعد أيام من الشهادة المهمة التي أدلى بها أمام اللجنة الفرعية لشؤون افريقيا المنبثقة عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي. وقد أكد كوهين خلال هذه الشهادة ان مئات الآلاف من السودانيين سيواجهون خطر الموت جوعاً إذا لم يتلقوا مساعدات عاجلة. وشبَّه كوهين الوضع في السودان بالوضع في الصومال "في أسوأ مراحله". وقال كوهين، إن السودان مسرح "للحرب الأهلية والانتهاكات المنهجية لحقوق الانسان والمعاناة البشرية الشديدة وهي باعث على القلق بسبب الارهاب وما تثيره من اضطراب اقليمي". وقال ان هناك خطراً من احتمال وفاة مليون سوداني بسبب المجاعة خلال العام المقبل. واعترف كوهين بأنه لم يتمكن من إيجاد "علاقات عمل" مع الحكومة السودانية، لكنه حمَّل طرفي الحرب الأهلية، الحكومة السودانية و"الجيش الشعبي لتحرير السودان" - أي المتمردين - مسؤولية تدهور الوضع. واعترف كوهين في شهادته هذه بوجود انقسام في صفوف "الجيش الشعبي لتحرير السودان"، وقال ان الادارة الأميركية تعتبر "جناح توريت" الذي يتزعمه العقيد جون قرنق "أكثر حركات حرب العصابات في جنوب السودان أهمية". ومن المقرر ان يترك كوهين - الذي يعتبر المسؤول الأميركي الأول عن ملف السودان - منصبه قريباً وسيحل محله جورج موسى وهو ديبلوماسي محترف يشغل حالياً منصب "نائب" السفير الأميركي لدى الأممالمتحدة. وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة التي أجرتها "الوسط" مع هيرمان كوهين: هل تعتقد ان تجربة الصومال يمكن أن تتكرر، بشكل أو بآخر، في السودان بحيث توفر قوات أميركية الحراسة لامدادات الاغاثة الى مئات الآلاف من السودانيين، سواء في الجنوب أو في مناطق أخرى؟ - لا، لا أعتقد، لأن في السودان حكومة فعلية معترف بها. ولكن ربما كان في وسع الأممالمتحدة أن تقوم بالمهمة، شريطة أن يكون هناك بالطبع اتفاق دولي على ذلك. أما أن تقوم دولة بمفردها، كالولاياتالمتحدة، بالمهمة، فهو في اعتقادي، غير وارد. لكنك قلت إن هناك خيارات أخرى. ماذا تقصد؟ - بالدرجة الأولى اشتراك دول عدة في اجراء ما. وإذا ما رغبت الأممالمتحدة ككل أن تفعل شيئاً لأسباب انسانية، فإن لها السلطة لذلك بالطبع. السودان والارهاب وإيران قلت إن من غير المحتمل أن تدرج الولاياتالمتحدة اسم السودان في قائمة الدول التي تساند الارهاب. - نعم، لأنني لا أعتقد أن هذا محتمل. القاعدة هي وجود دليل على أن الأشخاص الذين يقومون بعمل إرهابي ما في الخارج بدأوا من السودان. هل هذا صحيح؟ - نعم. وهو ما لم يحدث إطلاقاً حتى الآن. ما رأيك بتطور العلاقات بين السودان وإيران؟ - العلاقات السياسية وثيقة جداً بين السودان وإيران كما أن زيارات الوفود المتبادلة مستمرة، وهناك مشاورات حول قضايا عدة. ما هي هذه القضايا؟ - قضايا سياسية تتعلق بمختلف شؤون الشرق الأوسط والمغرب العربي والقارة الافريقية. هل تعني الانتشار الممكن للأفكار الأصولية الاسلامية المتشددة؟ - نعم، بالضبط. ذكرت أمام الكونغرس أن السودان ملاذ للحركات "الارهابية". فماذا كنت تقصد بذلك؟ حزب الله؟ - وأبو نضال. إذ أن له مكتباً في الخرطوم. وفي هذا ما يثير التساؤل. ولكن هل لحزب الله مكتب هناك؟ - لا أدري إذا كان له مكتب دائم. لكن الاخوان المسلمين لهم مكتب. كما أن المتطرفين السياسيين من مصر موجودون في السودان طوال الوقت. وهناك جالية سودانية كبيرة في مصر تمثل هدفاً لعمل الخرطوم. لا أعتقد أن السودان يدرب فعلاً المقاتلين، ولكنه يشجع بالتأكيد على التخريب. كذلك توجد منظمة الجهاد الفلسطينية في السودان. هل تعتبر الجهاد منظمة إرهابية؟ - أعتقد ذلك، انها على قائمة وزارة الخارجية الأميركية. أما حزب الله فهو يعتبر بالتأكيد منظمة إرهابية. وكذلك الحال بالنسبة الى حماس. هل ترد حماس في قائمة وزارة الخارجية من التنظيمات الارهابية؟ - أظن أنها على القائمة نفسها مثل الجهاد. حماس لها مكتب في الخرطوم. وقد اعترفت الحكومة السودانية بذلك ولكنها تقول إن حماس ليست منظمة إرهابية. عودة الى أزمة المليون سوداني وإمكان انقاذهم من الموت جوعاً. يبدو من شهادتك أنك تعتقد أن إقامة مناطق آمنة في السودان لوكالات الاغاثة فكرة جيدة ولكنها غير واقعية؟ - تماماً. فكرة جيدة، لكنها غير ممكنة التطبيق، لأنها ستثير مسألة من يسيطر على مقاطعات معينة: الحكومة أم أحد جناحي الثوار والمتمردين؟ إذ أن الهدف من القتال أصلاً هو السيطرة على السكان، بما في ذلك فصل السكان عن مصادر غذائهم. ولا يريد أي من الطرفين، التنازل عن سكان للطرف الآخر. مصاعب الحكومة والمتمردين ما هو رأيك في فرص إحلال السلام في السودان؟ - أعتقد أن هناك فرصة لذلك. فبالنسبة الى الطرف الجنوبي نجد أن المتمردين منقسمون على أنفسهم بل ويحارب المتمردون بعضهم بعضاً. وهم أضعف عسكرياً الآن مما كانوا عليه في السابق. ولهذا فإن الحل الذي يوقف القتال سيعطيهم ميزة. فوقف اطلاق النار سيمكنهم من الاحتفاظ بما تحت سيطرتهم من الأراضي وعدم خسارة المزيد منها. أما حكومة الرئيس عمر حسن البشير، فمع أنها في موقف أفضل عسكرياً، فانها بدأت تعاني من نقص الوقود والذخيرة، كما أنها عانت من اصابات كثيرة. فهي ترسل أولئك الصبية الى الجنوب من دون تدريب تقريباً. إن هذه الحرب لا تحظى بأية شعبية. فالشباب في الخرطوم لا يريدون الذهاب الى الجنوب للقتال هناك. وهناك أيضاً القيود الاقتصادية. فنسبة التضخم المالي هائلة، والبلاد تعاني من نقص في العملات الصعبة. وفي هذا ما يعني ان الحكومة لها مصلحة في وقف اطلاق النار بأية شروط معقولة شريطة عدم تقسيم البلاد. وأعتقد أن الجيش الشعبي لتحرير السودان ربما كان عليه أن يقبل ما هو أقل من التقسيم، وما هو أقل من المشاركة الكاملة في السلطة في الخرطوم. وفي الآونة الأخيرة أظهرت الحكومة تعاوناً نسبياً في مجال حقوق الانسان. فهناك على الأقل حوار مستمر في هذا المجال، وهناك إمكانية على الأقل لاتخاذ خطوات بناءة من جانب الحكومة مع أنها تقل كثيراً عما يتوقعه الرأي الدولي العام. وهكذا ربما حان الوقت الآن للتوصل الى تسوية عن طريق المفاوضات. فمع أن الطرفين لا يريدان ذلك في قرارة نفسيهما، فإن الظروف ربما تجبرهما على ذلك. في شهادتك أمام الكونغرس قلت إن اللوم يقع على الجيش الشعبي لتحرير السودان في الوضع الراهن، وهو السبب بشكل خاص في "المجاعات التي يُحدثها البشر". - نعم. فقد وضع الجيش الشعبي لتحرير السودان حواجز لمنع قوافل الاغاثة من الوصول الى وجهتها، كما أنهم أوقفوا السفن في النهر، بل واختطفوا حمولاتها. قلت في الشهادة أيضاً إن حكومة الخرطوم تمارس "الأسلمة القسرية". ولكنك تراجعت عن هذه التهمة بعد اسئلة عدة من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية. لماذا؟ - أنا لا أقول ان السلطات السودانية تسجن أو تعدم كل من يرفض اعتناق الاسلام. ولكن المسلمين وحدهم هم الذين يستطيعون الحصول على المساعدات الغذائية أو الطبية اللازمة في تلك الأجزاء من جنوب السودان الخاضعة لسيطرة الحكومة. كذلك لا يمكن لطفل أن يذهب الى المدرسة إلا إذا اعتنق الاسلام. وهناك إجبار على الدراسة باللغة العربية في المدارس الجنوبية. تحدثت أيضاً عن تجارة الرقيق؟ - لم نعثر على أي دليل أكيد. ربما كان بعض الآباء أو الأمهات، يبيعون أطفالهم. ولكن هذا يحدث في الهند أيضاً. هل ستضع إدارة كلينتون سياسة جديدة تجاه السودان؟ - هناك مراجعة الآن للسياسة الأميركية تجاه السودان ولكنني بصراحة لا أعرف الاتجاه الذي قد تأخذه هذه السياسة. مناطق حظر جوي ما هي الخيارات المتاحة؟ هل ان المطروح هو إنشاء مناطق في السودان محظورة على الطائرات الحكومية، كما هو الحال في العراق؟ وهل سيسهل هذا عمليات الاغاثة؟ - نعم فكرة انشاء مناطق محظورة على الطائرات في السودان مطروحة. والهدف سيكون منع قوات الحكومة من قصف القرى التي يحتلها المتمردون، أي من أجل حماية المدنيين الأبرياء. ومن المؤكد أن فرض مناطق حظر جوي أمر ممكن في السودان. ولكن يجب أن يتم ذلك بإشراف مجلس الأمن الدولي. ففي المجلس ثلاث دول افريقية، وإذا ما أيدت الفكرة فانها ستنجح. وما هي الدلائل حتى الآن؟ - لقد نددت كل الدول الافريقية السوداء بعمليات الحكومة السودانية في الجنوب لأنها تعتبرها، اضافة الى كونها مسألة دينية، مسألة عنصرية. ولذلك يمكن التأثير على هذه الدول لاتخاذ موقف معين تجاه السودان. نصح بعض الخبراء بتعيين ممثل خاص للأمم المتحدة في السودان، على غرار الصومال وهايتي وغيرهما. فما رأيك؟ - فكرة جيدة لأنها ستجعل المزيد من الناس يطلعون على المشكلة. يبدو أن مشكلة السودان أشبه بمشكلة الشرق الأوسط. فالمشكلة الأساسية هي عدم ثقة أي من الطرفين في الآخر. فهل ترى ضرورة لقوة سياسية خارجية للجمع بين الطرفين؟ - بكل تأكيد. وأملي هو، بالنسبة الى السودان، أن تنجح نيجيريا في التوفيق بين الطرفين وإحلال السلام.