أكدت مصادر اميركية مسؤولة لپ"الوسط" ان ادارة الرئيس كلينتون ستتخذ في نيسان ابريل المقبل، وبعد مشاورات مع الرئيس حسني مبارك وجهات اخرى، قرارات تتعلق بكيفية تعامل الولاياتالمتحدة مع السودان ونظام الرئيس عمر حسن البشير، وأوضحت ان احد الخيارات الجدية المطروحة حالياً هو مطالبة الأممالمتحدة بالتدخل بفعالية لانقاذ مئات الآلاف من الموت جوعاً في جنوب السودان. وذكرت هذه المصادر ان "ملف السودان"، بجوانبه المختلفة، هو "قيد الدرس" حالياً على مستوى المسؤولين والخبراء في وزارة الخارجية الاميركية ومجلس الامن القومي في البيت الابيض، وان هناك "خيارات واحتمالات" عدة مطروحة امام الادارة الاميركية بشأن التعامل مع النظام السوداني الحالي، بعضها قابل للتنفيذ وبعضها غير قابل. وأشارت المصادر الى ان ادارة كلينتون ترغب، قبل تحديد سياستها الجديدة تجاه النظام السوداني الحالي، التشاور مع الرئيس حسني مبارك الذي سيزور واشنطن مطلع الشهر المقبل. كما ان الادارة الاميركية تجري حالياً مشاورات سرية مع دول عربية وافريقية معنية بشكل أو آخر بالوضع السوداني للاطلاع على آرائها وتحليلاتها للوضع. اضافة الى ذلك ستأخذ الادارة الاميركية في الاعتبار تقارير سفيرها في الخرطوم دونالد بيترسون الذي قام بجولة واسعة في جنوب السودان. واعترفت هذه المصادر الاميركية بأن الوضع السوداني يثير "قلق وانزعاج" المسؤولين في ادارة كلينتون من جوانب عدة ابرزها الآتية: 1 - الارهاب. والسؤال المطروح في هذا المجال هو: ما مدى تورط النظام السوداني في دعم الارهاب والارهابيين؟ ولا بد في هذا المجال من التوقف عند شهادتين مهمتين. الأولى ادلى بها يوم 10 آذار مارس الجاري هيرمان كوهين، مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون الافريقية، امام اللجنة الفرعية لشؤون افريقيا المنبثقة عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي. اذ قال كوهين ان واشنطن تراقب الوضع في السودان "وأبلغنا السودانيين انهم بموجب القانون الاميركي باتوا في قاب قوسين أو ادنى من اعتبارهم دولة ترعى الارهاب". واتهم الخرطوم بأنها تؤوي "ارهابيين معروفين" و"جماعات ارهابية تشمل حزب الله، وحماس، ومنظمة الجهاد الاسلامي الفلسطينية. كما انها تقيم صلات مع ليبيا والعراق الذي ساندته ضمناً ابان حرب الخليج". وذكر ان اكثر مما يبعث القلق هو التعاون السوداني - الايراني، وقال: "ان الحرس الثوري الايراني يعمل في السودان، وأضحت الخرطوم مكاناً للاتصال بين الجماعات الارهابية التي ترعاها ايران والمتطرفين من دول المغرب العربي". وتابع كوهين "ابلغنا الحكومة السودانية مباشرة انه اذا تأكد ان اشخاصاً خرجوا من السودان من تلك الجماعات المقيمة فيه وارتكبوا اعمالاً ارهابية فان السودان يصبح تلقائياً دولة ترعى الارهاب، لكننا لم نعثر على اي اعمال من ذلك القبيل". وقال عن النشاط الايراني في السودان انه امر مؤكد غير انه نبه الى ان واشنطن لم تجد "اي صلة مباشرة لذلك بأعمال ارهابية". وأضاف ان متطرفين مصريين شوهدوا في هذا البلد مراراً لكنه اضاف: "لن استخدم كلمة تدريب لأنني لا اعتقد بأننا تمكنا من تحديد وجود مواقع للتدريب تحديداً قاطعاً، لكنني اعتقد بأن هناك صلات ومساعي للتنسيق". ويوم 12 آذار مارس الجاري اكد توماس مكنمارا منسق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية، في شهادة له امام لجنة الامن الدولي في مجلس النواب الاميركي، ان السودان "مرشح" للادراج على لائحة الدول التي ترعى الارهاب وانه يخضع حالياً للمراقبة الاميركية. وأضاف ان للسودان روابط وثيقة مع ايران وسمح لبعض الجماعات مثل حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بالعمل في اراضيه. وقال: "طلبنا منهم ان يغيروا سلوكهم". "هياكل عظمية تسير" 2 - الوضع في جنوب السودان. والسؤال المطروح في هذا المجال هو: ما الذي يجب، او يمكن، ان تفعله ادارة كلينتون لوقف الحرب ووضع حد لمعاناة مئات الآلاف من السكان في جنوب السودان؟ في هذا المجال لا بد، اولاً، من التوقف عند قول هيرمان كوهين في شهادته حول هذا الموضوع، بأن واشنطن تعتقد بأن مئات الآلاف من السودانيين سيواجهون خطر الموت جوعاً اذا لم يتلقوا معونات عاجلة. وشبّه الوضع في بعض مناطق الجنوب السوداني بالوضع في الصومال قبل تدخل القوات الاميركية. غير انه حمل طرفي الحرب الاهلية، الحكومة و"الجيش الشعبي لتحرير السودان"، مسؤولية هذا الوضع. وذكر ان الحرب الاهلية الدائرة في السودان منذ عشر سنوات تمثل لب الكارثة الانسانية التي يعانيها السودانيون، "اذ ان القتال بين قوات الحكومة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وبين فصائل الجيش الشعبي ارغم السكان على النزوح من ديارهم، وأدى الى التشويش على النشاط الزراعي، وأعاق وصول منظمات الاغاثة الى ضحايا الحرب والجفاف". ولم يحدد وسائل التدخل التي قد تلجأ اليها بلاده لازالة معاناة ضحايا الحرب الاهلية، ومع ان عضو الكونغرس فرانك وولف طالب الادارة باقامة "مناطق آمنة" في الجنوب الا ان كوهين رأى ان تنفيذ تلك الفكرة "شأن معقد". وأشار الى ان ذلك يتطلب الحصول على تفويض من الأممالمتحدة. وأضاف: "ان القلق الحقيقي يتمثل في ان تحديد مناطق آمنة سيكون معرضاً للاستغلال من جانب اطراف الحرب في الجنوب وبالنظر الى الصعوبة الكبيرة في حمل الحكومة والجيش الشعبي على التعاون مع مساعي الاغاثة الحالية، فان اقامة تلك المناطق في اراض متنازع عليها قد تواجه بمقاومة شديدة يتعين جبهها بضغوط دولية صارمة ومنسقة". وأعرب كوهين عن تشاؤمه بامكان قبول العقيد قرنق بحل وسط مع الخرطوم، لكنه رأى ان الحكومة السودانية أضحت مستعدة لتحقيق انفراج في هذا الشأن "بعدما قل وقودها ونفدت ذخائرها وتضاعفت خسائرها". وأشار الى ان الانقسام في صفوف "الجيش الشعبي" أدى الى انحسار الخيارات امام فصائله "وأعتقد بأنهم ربما اضطروا الى القبول بشيء من دون الانفصال التام الذي يطالبون به ومن دون مشاركة كاملة في السلطة في الخرطوم الامر الذي يهيىء الفرصة للتفاوض من اجل التوصل الى تسوية لا يريدها اي من الاطراف لكن الظروف ترغمهم عليها".وذكر ان الولاياتالمتحدة تعتبر "جناح توريت" الذي يتزعمه قرنق "اكثر حركات حرب العصابات الجنوبية أهمية ونأسف أسفاً شديداً للانقسام في صفوف الجيش الشعبي... ونعتقد بان ليس هناك حل للحرب الاهلية من دون مشاركة فاعلة لقرنق". في مقابل كلام كوهين لمح السفير الاميركي في الخرطوم دونالد بيترسون الى امكان مطالبة بلاده للأمم المتحدة بالتدخل بفعالية في جنوب السودان لاغاثة مئات الآلاف من المواطنين. فقد قال بيترسون، بعد جولة طويلة قام بها في جنوب السودان، ان المجتمع الدولي يجب ان يتحمل مسؤولياته الانسانية لاغاثة 700 ألف مواطن سوداني جنوبي "يتهددهم الموت جوعاً". وتحدث السفير الاميركي خلال مؤتمره الصحافي عن مشاهداته في جنوب السودان "حيث رأينا هياكل عظمية تسير وأطفالاً عاجزين عن الحركة او اللعب، ومئات الآلاف من الاشخاص يتهددهم الموت". وقال السفير: "ان مستوى المعاناة التي يعيشها هؤلاء، ونوعها يشبهان الوضع في الصومال، ان لم يكن لجهة عدد الناس ففي درجة البؤس. هؤلاء يموتون وهم يحتاجون الى كل مساعدة يمكن تأمينها". تصريحات بيترسون بسطت امام المجتمع الدولي الاسباب الانسانية التي تدعوه الى التدخل علانية لانقاذ مئات الآلاف في جنوب السودان، كما اوضحت المبرر القانوني والسياسي لهذا التدخل المحتمل. فاذا كانت المجاعة حولت ابناء جنوب السودان الى هياكل عظمية متنقلة، فان تشبيه وضع جنوب السودان بالوضع الذي ساد في الصومال عشية عملية "اعادة الامل" يصبح المبرر القانوني الرسمي الذي يمكن ان تعتمده الاممالمتحدة لاستصدار قرار في مجلس الامن "يشرعن" تدخل قوات تابعة لها في جنوب السودان. لكن اللافت للنظر في كلام السفير الأميركي هذا ان الدعوة الى التدخل مشروطة بفشل محادثات السلام بين الحكومة السودانية والمتمردين. في هذا السياق كشف عبدالوهاب الافندي، المستشار الصحافي في السفارة السودانية في لندن، لپ"الوسط" ان وفداً سودانياً رفيع المستوى برئاسة محمد الامين خليفة، رئيس المجلس الوطني السوداني زار نيجيريا في السابع من الشهر الجاري حيث سلم الرئيس النيجيري ابراهيم بابانغيدا رسالة من الرئيس السوداني الفريق عمر البشير تتعلق بالدورة الثانية من محادثات السلام السودانية في أبوجا. والواقع ان الرئيس النيجيري بابانغيدا يبدي حماساً واضحاً لعقد الدورة الثانية من محادثات السلام السودانية في أبوجا. وتوقع الافندي ان تستأنف المفاوضات السودانية بعد انتهاء شهر رمضان. فالرئيس النيجيري يميل الى اختتام مهامه الرئاسية بانجاز سياسي اقليمي يضمن له مكانته في تاريخ افريقيا الحديث. ريتشارد مولا، ممثل العقيد قرنق في لندن، قال لپ"الوسط" ان "اقامة مناطق آمنة في جنوب السودان لاغاثة الآمنين قضية طرحها العقيد قرنق في آب اغسطس الماضي. غير ان هذه الدعوة لم تجد آذاناً صاغية حينذاك. ونحن نتمنى تجنيب اهلنا ويلات الحرب الاهلية في جنوب السودان". "عزل" السودان 3 - انتهاكات حقوق الانسان. في هذا المجال أعرب هيرمان كوهين عن قلق الولاياتالمتحدة ازاء انتهاكات حقوق الانسان في السودان، وأشار الى الانتقادات الشديدة التي وجهتها لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف الى النظام السوداني بهذا الشأن. وكانت "الوسط" انفردت في عددها الرقم 58 الصادر يوم 8 آذار مارس بنشر مضمون التقرير السري المتعلق بانتهاكات حقوق الانسان في السودان والذي تلي في جلسة مغلقة عقدتها لجنة حقوق الانسان في جنيف يوم 24 شباط فبراير الماضي. ومما جاء في هذا التقرير: "ليس هناك شيء أرخص من الحياة البشرية في مناطق جغرافية واسعة من السودان". وجاء فيه ايضاً: "ان الوضع بالنسبة الى حق الحياة والحرية والامان للانسان في السودان يبعث على الذكر". ماذا ستفعل ادارة كلينتون ازاء ذلك؟ مصدر اميركي رفيع المستوى اكد لپ"الوسط" ان ادارة كلينتون ستواصل سياسة "ممارسة مختلف انواع الضغوط" على النظام السوداني، سواء كانت هذه الضغوط مالية او اقتصادية او سياسية او في مجالات اخرى، الى ان يحدث تغيير حقيقي على صعيد حقوق الانسان في هذا البلد. وكان كوهين كشف في شهادته ان الولاياتالمتحدة طلبت من حلفائها عدم ارسال شحنات اسلحة الى السودان في اطار مساع قال انها تبذلها لعزل النظام. وأضاف انها حضت الدول المانحة للمساعدات على وقف كل معوناتها ما عدا المساعدات الانسانية. ما ردّ فعل النظام السوداني على هذه التصريحات والمواقف الاميركية؟ رد الفعل عبر عنه الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي قال ان الولاياتالمتحدة تسعى الى عزل السودان دولياً، وأضاف: "ان الولاياتالمتحدة لن تكون راضية مهما كانت الاجراءات التي يتبعها هذا البلد لشرح موقفه وان التبريرات التي تعطيها لموقفها من الخرطوم غير منطقية".