السودان لا يؤيد صراحة عملية "اعادة الأمل"، لكنه تخلى عن "موقفه المتشنج" ازاء التدخل الاميركي في الصومال وذلك اثر محادثات اميركية - سودانية. هذا هو، باختصار، حقيقة موقف نظام الرئيس السوداني عمر البشير من التدخل العسكري الاميركي، المدعوم دولياً، في الصومال والهادف الى تأمين امدادات الاغاثة. مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون الافريقية هيرمان كوهين زار الخرطوم، في التاسع من الشهر الجاري والتقى رئيس المجلس الوطني الانتقالي محمد الأمين خليفة ووزير الخارجية علي سحلول. وقال مصدر مسؤول في سفارة السودان في لندن لپ"الوسط" ان الجانب السوداني ركز في محادثاته مع كوهين على النقاط الآتية: الخرطوم لم ترفض، في الأساس، عملية "اعادة الأمل" انما تحفظت على عدد القوات الاميركية الضخم لتنفيذ هذه العملية الانسانية. ان دول المنطقة، لا سيما لجنة القرن الافريقي التي تضم كينيا والسودان وجيبوتي وأثيوبيا، بالتعاون مع أطراف النزاع الصومالي والمنظمات الاقليمية والدولية، هي الأقدر على حل الازمة الصومالية. ضرورة التشاور مع دول المنطقة، لا سيما لجنة القرن الافريقي، لتنظيم الشق السياسي من عملية "اعادة الأمل". ان القوات المشاركة في "اعادة الأمل" يجب ان تعبر عن التمثيل الحقيقي للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، الى جانب مراعاة الحساسيات والخصوصيات في الصومال ودول المنطقة كافة. كذلك ضرورة تحديد مهمة "اعادة الأمل" الاغاثية والسياسية وتجنب التأثير على المستقبل السياسي للصومال. وأوضح المصدر السوداني المسؤول لپ"الوسط" ان وجهات النظر الاميركية والسودانية، خلال محادثات كوهين في الخرطوم لم "تكن متنافرة" وان مساعد وزير الخارجية الاميركي "أبدى تفهما" لوجهة نظر السودان، وعبّر عن استعداد واشنطن لتمكين منظمة الوحدة الافريقية من القيام بمهمات حفظ الامن في القارة الافريقية. كما جاء في اطار الاقتراح الذي تداولته آخر قمة افريقية في السنغال في حزيران يونيو الماضي، والداعي الى تشكيل قوات تدخل افريقية لفض النزاعات في القارة. والواقع ان المراقبين لاحظوا ان لهجة الخرطوم تبدلت، اثر زيارة كوهين. فالموقف السوداني الرسمي المتشنج والرافض في الأساس لعملية "اعادة الأمل" كانت لديه اعتباراته الذاتية الخاصة المتخوفة من عملية مماثلة قد تقوم بها الأممالمتحدة في جنوب السودان لانقاذ مئات الآلاف من مواطنيه من جراء الحرب الانفصالية الدائرة هناك منذ العام 1983، بعد ان فشلت كل المساعي في انهاء هذه الحرب. وكان العقيد جون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان، دعا الأممالمتحدة، في مطلع حزيران يونيو الماضي، الى اقامة مناطق آمنة في جنوب السودان لانقاذ المواطنين من الموت او الهجرة القسرية. اضافة الى هذه المخاوف لدى الخرطوم، تعامل النظام السوداني بعنف وشدة مع مشروع القرار الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة - اللجنة الثالثة، وتم التصويت عليه في الرابع من الشهر الحالي، حيث دان القرار سياسات الخرطوم بالنسبة الى حقوق الانسان. وفي هذا الاطار قال الدكتور عبدالله ادريس، وزير العدل السوداني، لپ"الوسط" ان "القرار جاء مخيباً للآمال وظهر فيه تسرع المنظمة الدولية التي لم تنتظر تقارير مبعوثيها الذين حضروا الى السودان في الأسابيع الماضية". وفي الوقت نفسه صرح الرئيس السوداني عمر البشير لرؤساء الصحف السودانية "ان الأممالمتحدة اصبحت ادارة ضمن ادارات وزارة الخارجية الاميركية". فهل بدلت الخرطوم نبرتها السياسية بعد تطمينات محددة حملها المبعوث الاميركي حول عدم رغبة واشنطن في التدخل في شؤون السودان الداخلية، لقاء تعاون الخرطوم مع الأممالمتحدة وعدم عرقلة جهودها لتنظيم الاغاثة في الصومال؟ اي ان زيارة هيرمان كوهين حملت تحذيراً مبطناً فهمت الخرطوم فحواه بدقة؟