بعد مضي أقل من اسبوع على التظاهرة الشعبية الضخمة التي سارت في شوارع الجزائر للتنديد بپ"أعمال الأرهاب"، بادرت السلطات الجزائرية الى الاعلان عن قطع علاقاتها الديبلوماسية مع ايران واعلنت عن استدعاء السفير الجزائري في الخرطوم. وقد صدر بيان رسمي عن المجلس الأعلى للدولة يبرر هذه الخطوة بالتدخل الايراني في الشؤون الداخلية الجزائرية وبپ"دعم الارهاب". وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من التحذيرات التي وجهتها الجزائرلايران وبعد خطوتين تمهيديتين الأولى في كانون الثاني يناير 1992، بعد اسابيع قليلة على الغاء نتائج الانتخابات التشريعية حيث طلبت الجزائر سحب السفيرين من البلدين رداً على ادانة طهران لالغاء النتائج الانتخابية التي كانت ستأتي ببرلمان يسيطر عليه انصار الجبهة الاسلامية للانقاذ. والخطوة الثانية تمثلت بتخفيض عدد افراد البعثة الديبلوماسية الايرانية في الجزائر العاصمة الى ديبلوماسي واحد في تشرين الاول من العام الماضي. أما بالنسبة الى الخرطوم فان الاجراء الديبلوماسي الجزائري هو الأول من نوعه، وهو وان كان اقل اهمية من الاجراء المتخذ ضد ايران، فأنه يوحي بأن الجزائر عازمة ايضاً على قطع علاقاتها الديبلوماسية مع السودان في الوقت الذي تراه ملائماً. ويذكر هنا ان السلطات الجزائرية ألغت في اوائل العام الجاري زيارة كان سيقوم بها الى الجزائر وزير الخارجية الافغاني. وقد اعترض الرئيس علي كافي على هذه الزيارة حسب مصادر جزائرية مطلعة الأمر الذي ادى الى الغائها باعتبار ان افغانستان، بنظر كبار المسؤولين الجزائريين، هي المصدر الأهم في تزويد الاسلاميين المسلحين الجزائريين بالكوادر الفاعلة في حرب عصابات المدن التي تشهدها البلاد. ومعروف هنا ان وسائل الاعلام الجزائرية لم تكف، منذ اندلاع الصراع بين الدولة والاسلاميين المتطرفين، عن اتهام ايران والسودان بدعم ما تسميه بپ"الارهاب". ويذهب خيال بعض الصحافيين الجزائريين الى حد اتهام ايران بدفع 5 مليارات دولار "للانقاذيين" الجزائريين وحلفائهم وهو رقم خرافي يصعب التثبت منه. وباستثناء الدعم السياسي المعلن الذي أعربت عنه كل من طهرانوالخرطوموكابول للتيار الاسلامي في الجزائر، فإن السلطات الجزائرية لم تقدم حتى الآن ادلة فعلية على دعم مادي تلقته الحركات الاسلامية المسلحة من هذه الدول الثلاث وباستثناء "الأفغان" الجزائريين الذين قاتلوا الى جانب الحركات الافغانية المسلحة ضد النظام الشيوعي في كابول وعادوا لاستخدام خبراتهم القتالية ضد الحكم الجزائري، وباستثناء ذلك لم تقدم السلطات الجزائرية اية أدلة على تورط ايراني - سوداني - افغاني في دعم الاسلاميين المسلحين في الجزائر. وكانت "الوسط" طرحت اسئلة على مراجع سياسية جزائرية عليا حول هذا الموضوع في مناسبات سابقة، واقتصرت الاجوبة على القول إن السفارة الايرانية في حي بئر الخادم تلعب دوراً مركزياً في دعم "الارهاب" الجزائري. وان التحقيقات مع المعتقلين من الجماعات الاسلامية المسلحة كشفت عن براهين دامغة في هذا المجال، وكانت المراجع الجزائرية تبرر عدم إذاعة اية براهين تدين الاطراف المذكورة بالقول "إن الامتناع عن كشف هذه البراهين يعود لأسباب أمنية". أما بالنسبة الى السودان فإن السلطات الجزائرية تعرف أن زعيم حركة النهضة الاسلامية، الشيخ عبدالله جاب الله هو عضو في "الأممية الاسلامية" التي تأسست في الخرطوم عام 1991، وما زالت "حركة النهضة" تعمل بصورة شرعية في الجزائر ولم يطلها قانون الحظر الذي صدر ضد "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، ويعتبر الشيخ جاب الله من الشخصيات السياسية الحزبية المدعوة للحوار الوطني مع المجلس الأعلى للدولة في الجزائر. أغلب الظن ان السلطات الجزائرية ترمي من خلال هذه الخطوة الى الاستجابة للدعوات التي اطلقها المتظاهرون في الجزائر 22 اذار/ مارس الماضي والتي تطالب بقطيعة مع الاسلاميين، بغض النظر عن تورطهم أو عدم تورطهم في اعمال العنف. ويتبنى هذه الدعوة التيار العلماني الجزائري، ومن بين رموزه السيد عبدالحق حمودة الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين، وهو من أبرز منظمي التظاهرة الاخيرة. وتندرج هذه الخطوة في اطار السياسة التي تتبعها السلطات الجزائرية في حربها ضد الاصوليين المسلحين، وهي سياسة ترمي الى عزلهم عن الخارج وباظهار حركتهم وكأنها تأتمر بأوامر خارجية، من هنا يمكن فهم رد الفعل الايراني على القرار الجزائري. فقد أكدت طهران ما سبق ان اكده المسلمون أنفسهم من ان اسباب الصراع داخلية وتكمن في الغاء نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في كانون الاول ديسمبر 1991 وحققت فيها التيارات الاسلامية انتصاراً كاسحاً. وترمي الجزائر من خلال هذه الخطوة الى كسب رضى الدول الغربية التي تقاطع طهرانوالخرطوم وتتهم القادة الايرانيين والسودانيين بدعم الارهاب الدولي، وبإحداث اضطرابات في عدد من الدول الاسلامية. وفي الخرطوم أسفت السلطات لاتخاذ الجزائر قرار سحب سفيرها، واعرب الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية مدير الادارة السياسية بالوكالة في الخارجية سفير السودان السابق لدى الجزائر الدكتور حسن عابدين لپ"الوسط" عن دهشته لقرار الجزائر، وقال "انه اجراء مفاجئ لأنه لم يسبقه حدث معين حسب ما هو متعارف عليه وحسب معلوماتنا، فإن القرار الصادر عن مجلس الدولة الجزائري كان في الاصل خاصاً بايران ثم الحق به السودان". وأعرب عن اعتقاده ان القرار يرجع في جزئياته الى الضغوط من جيران الجزائر، مثل تونس، بالاضافة الى مصر بجانب التيار اليساري الفرانكوفوني الذي هو وراء الحملة على السودان في اطار ترويج هذا التيار لفكرة وجود تنظيم اصولي في الجزائر تدعمه ايران والسودان. وأعرب عابدين عن اعتقاده بأن السودان سيرد على الاجراء الجزائري بالمثل اي بسحب سفيره الجديد في الجزائر الرشيد خضر والذي لم يقدم اوراق اعتماده بعد، ولم يستبعد عابدين ان تقوم الجزائر بقطع علاقاتها مع السودان، مشيراً الى ان قطع العلاقات بينها وبين ايران سبقه العام الماضي استدعاء سفيرها في طهران.