يخشى مسؤولون في مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي من "احراج" في عملية الانفجار الذي وقع في مبنى "المركز التجاري الدولي" في نيويورك، مشابه لما واجهوه في قضية تفجير طائرة الركاب الاميركية فوق لوكربي عام 1988. ففي ذلك الحين وجه المحققون الاميركيون اتهاماتهم الاولية الى سورية وايران ثم تراجعوا لاحقاً واتهموا ليبيا بأنها وراء هذه العملية بعد اكتشافهم دليلاً جديداً هو جزء صغير من حقيبة افترض المحققون انها احتوت القنبلة. وانطلق المحققون من هذا الاكتشاف لتوجيه الاتهام الى مواطنين ليبيين بأنهما وراء تفجير طائرة الركاب الاميركية. هذا ما اكدته لپ"الوسط" مصادر اميركية مطلعة تحدثت عن غموض وألغاز كثيرة في قضية انفجار نيويورك تحيط بالمتهمين. وقال المصدر ان التحقيقات في هذه القضية لم تتجاوز حتى الآن "عدة أميال بعيداً عن نيويورك"، مشيراً الى احتمال قوي بأن تكون العملية محلية نفذتها "مجموعة من الهواة"، هذا في حال ثبوت التهم ضد المحتجزين حالياً وجميعهم عرب لهم اتجاهات اسلامية ولا يربطهم ببعضهم سوى علاقات صداقة. ولا يزال المحققون الاميركيون يبحثون عن تنظيم يجمع هؤلاء. من جهة اخرى لا تستبعد مصادر اسلامية في الولاياتالمتحدة وجود تنظيم صغير يتبنى "افكاراً جهادية معادية للولايات المتحدة وأباح لنفسه استخدام العنف ضدها". وقالت المصادر ان بين ابناء الجالية الاسلامية "افراداً غير متعلمين ومتأثرين بأفكار متطرفة ويعانون من عدم القدرة على الاندماج في المجتمع". المعتقلون المتهمون في هذه القضية هم حتى الآن: محمد سلامة اردني الجنسية يبلغ من العمر 26 سنة، نضال عياد اميركي الجنسية من أصل فلسطيني يبلغ من العمر 25 سنة، محمود ابو حليمة اميركي الجنسية من اصل مصري يبلغ من العمر 33 سنة بلال القيسي فلسطيني الاصل يبلغ من العمر 27 سنة. اضافة الى ذلك اعتقلت السلطات الاميركية ابراهيم الجبروني مصري يبلغ من العمر 44 سنة وفي حوزته جوازات سفر مزورة بأسماء سيد نصير وأفراد عائلته. وسيد نصير شاب مصري اتهم باغتيال الحاخام الاسرائيلي المتطرف مئير كاهانا عام 1990، لكن المحكمة برأته، وعلى رغم ذلك فهو في السجن بتهمة حيازة اسلحة ومتفجرات. ويعتبر المحققون الاميركيون ان محمود ابو حليمة هو "العقل المخطط" لانفجار نيويورك. "اضافة الى هؤلاء اصدرت السلطات القضائية الاميركية مذكرة توقيف دولية بحق متهم سادس فار حالياً يدعى رمزي احمد يوسف 25 سنة وهو من اصل عراقي. والتهمة الموجهة اليه هي استخدام المتفجرات في عملية الانفجار. ولا يزال المحققون الاميركيون ومعهم رجال الاعلام الاميركي يبحثون عن "الحوافز" لكي يثبتوا نظريتهم في اتهام جهة معينة، خصوصاً ان جميع البيانات التي ادعت تبني العملية من مختلف الحركات السياسية لم تقدم دليلاً قوياً على مسؤوليتها. وكانت الصحف الاميركية بالاضافة الى مكتب التحقيقات الفيديرالي تلقت عشرات الادعاءات بتبني العملية من جهات عدة كجهة صربية تنتقد الموقف الاميركي المعادي للمسلمين وجهة تدعو لتحرير بورتوريكو الجزيرة في البحر الكاريبي وتتبع ادارياً للولايات المتحدة ويقطن آلاف من ابنائها نيويورك. وبالطبع تبنت العملية اكثر من حركة عربية واسلامية "انتقاماً من السياسة الاميركية المنحازة لاسرائيل". ماذا يجمع المتهمين؟ وكان اهم ما لفت الانتباه وسط هذه البيانات بيان تلقته صحيفة "النيويورك تايمز" عقب الحادثة تبنت فيه العملية منظمة جديدة سمت نفسها "جيش التحرير - الفرقة الخامسة" موقعه "الفريق الركن ابو بكر". وحذر البيان الولاياتالمتحدة من خطر استمرار العمليات الارهابية ضدها اذا استمرت في دعم اسرائيل والتدخل "في الشؤون الداخلية لأي بلد من بلدان الشرق الاوسط" ووقف مساندتها للانظمة العربية التي وصفتها بالعلمانية والديكتاتورية. وهددت المنظمة بأن لديها "150 عنصراً انتحارياً مستعدون للعمل"، وأكد احد المحققين الفيديراليين ان للرسالة علاقة بالمتهمين في الحادثة، وان احدهم كتب البيان "بلغة انكليزية ضعيفة" من دون ان يحدد اياً من المتهمين الستة. وقال ان الرسالة "دليل دامغ وليس مجرد تكهن وانه من نوع الادلة التي تقبل به المحاكم". وفي حال صحة ادعاء مكتب التحقيقات الفيديرالي فان هذا البيان سيحل مشكلة "الحافز" من وراء عملية خطيرة كتفجير قنبلة في مرآب المبنى الضخم الذي يرمز للرأسمالية الاميركية، كما يمكن ان يكون اول الادلة عن وجود تنظيم ما يجمع بين متهمين لا يجمع بينهم الا كونهم مسلمين في منطقة واحدة. وحسب ما تقول الصحافة الاميركية "صلوا في مكان واحد" هو مسجد السلام المتواضع في مدينة جيرزي القريبة من نيويورك. وكانت النظرية التي سادت في الاعلام الاميركي، عقب الحادثة، ان ما يجمع المتهمين هو انهم اما من اصول فلسطينية جاؤوا من بؤس المخيمات والغربة حاملين معهم الكراهية لاسرائيل والولاياتالمتحدة التي تدعمها، أو من اصول اسلامية يحملون "عداءً طبيعياً للحضارة الغربية"، او انهم جمعوا الامرين معاً. ويقدم البيان معلومات عن فكر الجماعة المتهمة، فهم ليسوا بجماعة فلسطينية تهدف اساساً الى الانتقام من الولاياتالمتحدة لموقفها المؤيد من اسرائيل اذ لا جديد في ذلك، والاهم هو الاشارة الواضحة الى استنكار الدعم الاميركي "للأنظمة العربية العلمانية والديكتاتورية" والتحذير من تدخل الولاياتالمتحدة "في الشؤون الداخلية لأي بلد من بلدان الشرق الاوسط" مما يثير مخاوف المسؤولين الاميركيين من احتمال انتقال الحروب الصغيرة الدائرة في دول كمصر والجزائر بين الحكم و"المتطرفين الاسلاميين". وبينما بدت وسائل الاعلام الاميركية مقتنعة بادانة "اصوليي نيويورك ونيوجيرزي"، بدا محامو المتهمين مؤمنين ببراءة موكليهم وان "هناك تفسيراً منطقياً لجميع تصرفات محمد سلامة التي اثارت الشكوك حوله"، حسب قول محاميه بريخت، والمنتظر ان يقدم بريخت ومحامو بقية المتهمين هذه "التفسيرات المنطقية والمقنعة"، بينما ينتظر من التحقيقات الفيديرالية ان تقدم ادلة للادانة اهم من "استئجار سلامة للحافلة التي اقلت القنبلة" وصداقته مع المتهم الثاني المتخصص في الكيمياء نضال عياد والذي وصف بأنه صانع القنبلة وانه شوهد مع المتهم الثالث محمود ابو حليمة الذي وصف بأنه "العقل المدبر" للمجموعة في الحافلة يوم الانفجار، وشراكة متهم رابع هو بلال القيسي في حساب بنكي مع سلامة ونضال عياد وهو ما يحتاج الى "تفسير منطقي". وأخيراً استخدام سلامة لعنوان في طلب رخصة القيادة هو العنوان نفسه للمتهم الخامس ابراهيم الجبروني الذي قاد حملة الدفاع عن سيد نصير. اما المتهم الذي لم توجه اليه تهمة فهو الشيخ عمر عبدالرحمن الذي اقتصرت علاقته بالجميع على القائه دروساً يحرض فيها على الجهاد في مساجد صلى فيها جميع المتهمين. قلق المسلمين وأثارت هذه الاتهامات قلق جالية عربية متواضعة الامكانات تقيم في منطقة نيويورك الكبرى ومعظمها من العاملين الذين لا ينوون الهجرة ويدخرون وفوراتهم ريثما يعودون الى وطنهم. ومع الهجمة الاعلامية ضد الاسلام والمسلمين اثر انفجار نيويورك زاد قلق المتدينين منهم ومرتادي المساجد، اذ ان الاعلام ربط بين المتهمين وثلاثة من مساجد نيويورك وجيرزي سيتي، وقدم انطباعاً بوجود تنظيم سري يجمع بين الناشطين الاسلاميين في المنطقة فانحسر عدد مرتادي المساجد على رغم ان القضية انفجرت خلال شهر رمضان، وعادة تكتظ المراكز الاسلامية والمساجد بالمسلمين الذين يفطرون جماعياً فيها. واعترف احد القائمين على مسجد الفاروق في بروكلين الذي كان الشيخ عمر عبدالرحمن يلقي فيه درساً كل يوم أحد بانخفاض عدد حضور الافطار الجماعي، وقال في كلمته امام المصلين خلال فترة راحة اثناء صلاة القيام التي يحضرها حوالي 70 مسلماً كل ليلة خلال شهر رمضان "ان هذا هو هدفهم، انهم يريدون تخويفنا حتى لا نظهر ديننا". واستعان المهاجرون الجدد بالمسلمين الاقدم في الولاياتالمتحدة، وبالاخص المسلمين السود الذين بادروا الى مناصرتهم، فقاموا بالتظاهر امام مسجد السلام في جيرزي سيتي مستنكرين ما وصفوه "التغطية المنحازة" والتهجم على الاسلام لمجرد اتهام عدد صغير من المسلمين، وحظيت التظاهرة التي جمعت اكثر من الفي مسلم، باهتمام اعلامي اميركي فُسر بأنه محاولة لتأكيد موضوعية الاعلام المتهم بالانحياز ضد المسلمين. ويعتبر اصدقاء ومعارف المتهمين اكثر قلقاً من احتمال توريطهم، في وقت يقتنع معظمهم بأن التهم ملفقة وان اصدقاءهم ابرياء. ويبدو ان البعض آثر الاختفاء عن الانظار ليثير بذلك شكوكاً حوله، مثل عربيين من اصل عراقي، الاول ورد اسمه كأحد الذين يتابعهم مكتب التحقيقات الفيديرالي، وهو مصعب ياسين الذي سبق ان اقام في المبنى نفسه المثير للجدل في كينر جنتون افنيو في جيرزي سيتي، وهو المبنى نفسه الذي ورد كعنوان للشخصية الغامضة "جوزيه هداس" في مذكرة ايقاف محمد سلامة، وقيل وقتذاك ان سلامة اعطى رقم هاتف هداس في عقد ايجار الحافلة التي نقلت المتفجرات. والعراقي الثاني، وعُرف اسمه الأول فقط "راشد"، لم يتسرب عنه شيء بعد من قبل مكتب التحقيقات الفيديرالي، غير ان معارف سلامة ذكروا ان الوكالة بحثت عنه بالاضافة الى مصعب. ومن المفارقات التي تشير الى "حسن نية" محمد سلامة انه اتصل هاتفياً باصدقاء له يقيمون في منزل مشترك كان كثيراً ما يزورهم فيه، وأكد لهم في اتصالاته التي جرت اكثر من مرة براءته وقناعته بأن العملية "مؤامرة يهودية". ومن المؤكد ان مكالمته ستضع اصدقاءه وهاتفهم تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيديرالي، غير ان ابو بكر محجوب احد المقيمين في المنزل يقول: "لا نستطيع ان نرفض استقبال اتصال هاتفي من الاخ محمد سلامة، فهو في مشكلة واقل القليل ان نواسيه، وهو ما اتصل بنا الا لأنه بحاجة للحديث الى من يعرفهم، وليس عندنا شيء نخفيه لكي نخشى المراقبة". ويبدو ان مسلمي نيويورك وجيرزي سيتي سيتعودون على الشعور بأنهم مراقبون اذ كشفت التحقيقات التي تجرى في قضية انفجار المركز التجاري الدولي ان مسجد السلامة في جيرزي سيتي ومسجد الفاروق ومسجد ابو بكر في بروكلين كانت تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيديرالي منذ اكثر من عام، وذلك في اطار التحقيق حول اغتيال مئير كاهانا وسعياً لتأكيد افتراض وجود تنظيم كانت أولى عملياته الناجحة اغتيال المتطرف اليهودي. ووجد محامو الدفاع وعدد من المسلمين هناك ان حقيقة مراقبة انصار سيد نصير والمساجد هي دليل قوي على براءتهم. ويقول رمضان حموده المهاجر المصري في بروكلين: "اذا كانت المساجد والاخوة النشيطون في الدعوة تحت المراقبة طوال العام الماضي فكيف استطاعوا التخطيط لهذا التفجير الخطير الذي يحتاج الى اكثر من فرد لتنفيذه". وكانت السلطات الفيديرالية اوقفت في ايلول سبتمبر الماضي حول 30 من الناشطين في مساجد جيرزي سيتي ونيويورك كان الجامع الوحيد بينهم هو مناصرتهم لسيد نصير، وقامت بالتحقيق معهم حول علاقتهم بنصير وحاولت استدراجهم للادلاء بمعلومات تشير الى وجود تنظيم كان وراء عملية اغتيال كاهانا، حسب قول احمد عبدالستار الذي كان من ضمن الموقوفين، وقال انه جرى اخذ صور لهم وبصمات ثم اطلق سراحهم بعد ساعات. ويتعجب عبدالستار من هذه الاجراءات التي تمت "على رغم ان ملف قضية كاهانا كان أغلق وتمّ تبرئة سيد نصير". غير ان القضية أعيد فتح ملفها من جديد بضغط من المنظمات اليهودية النشطة في نيويورك بعد الانفجار. والهدف هو البحث عن تنظيم يجمع سيد نصير ببقية المتهمين ومن ثم بالشيخ عمر عبدالرحمن.