بعد عملية التفجير الفاشلة في تايمز سكوير في نيويورك مؤخراً، وصف بعض المراقبين منفذها فيصل شاه زاد بأنه يُمثل نوعاً جديداً مختلفاً للإرهاب في الولاياتالمتحدة يشبه النموذج البريطاني، حيث يهاجر الشاب المسلم لاستكمال تعليمه، ثم يستقر هناك، وبعد أن يتحول للتطرف، يسافر إلى معسكر في باكستان ثم يعود ليقوم بعملية إرهابية. وقد نشر موقع "ستراتفور" في شهر مايو الحالي بحثاً حول تاريخ المؤامرات الإرهابية في الولاياتالمتحدة جاء فيه أن "النموذج البريطاني" للإرهاب ليس مقصوراً على بريطانيا. يقول خبراء ستراتفور إن الحركة "الجهادية" عندما بدأت تتحرك إلى خارج أفغانستان بعد الانسحاب السوفيتي، ظهرت بسرعة في الولاياتالمتحدة، ففي يوليو 1990، انتقل الشيخ عمر عبد الرحمن إلى نيويورك وبدأ ينشط في مساجد بروكلين وجيرسي، ثم سيطر على "مركز الكفاح للاجئين"، والذي كان يشرف على تجنيد شباب ليقاتلوا في الخارج وعلى تدريبهم على إطلاق النار في حقول رمي في نيويورك، وبنسلفانيا، وكونيكتيكوت قبل إرسالهم للقتال في أفغانستان ومناطق أخرى. كما كان المركز يجمع التبرعات لمساعدة الحركات الجهادية، لكن الجهاد، في قناعة "الشيخ الأعمى" لم يكن محصوراً على أراضي المسلمين، لذلك أصدر فتوى أجاز فيها تنفيذ هجمات داخل الولاياتالمتحدة وشجع أتباعه على العمل في الداخل الأمريكي. وبالفعل، في نوفمبر 1990، قتل أحد أتباع الشيخ عمر عبد الرحمن، واسمه السيد نصير، اليهودي المتطرف مائير كاهانا في أحد فنادق مانهاتن. ونصير مهندس مصري جاء إلى الولاياتالمتحدة عام 1981، و تزوج امرأة أمريكية وأنجب منها، ثم حصل على الجنسية الأمريكية عام 1989. وفي عام 1993، قام عدد من أتباع الشيخ عمر عبد الرحمن بعملية تفجير مركز التجارة العالمي، وكان بينهم عدد يشبهون نموذج السيد نصير مثل إبراهيم الجبروني (مصري)، ونضال إياد (فلسطيني)، ومحمود أبو حليمة (مصري)، وأحمد أجاي (فلسطيني). وهناك أيضاً مجموعة من المتطرفين المرتبطين بالحركات الإرهابية الذين يشبهون نموذج فيصل شاه زاد، من بينهم: • الرقيب علي محمد: مصري هاجر إلى الولاياتالمتحدة عام 1984 وحصل على الجنسية الأمريكية بعد زواجه من امرأة أمريكية. تطوع في الجيش الأمريكي حيث كان يدرس الثقافة العربية في قاعدة فورت براج في نورث كارولينا. وخلال عمله مع الجيش الأمريكي، سافر إلى أفغانستان وشارك في قتال السوفيت وتدريب المجاهدين. كما ساعد علي محمد في مراقبة السفارات الأمريكية في دار السلام ونيروبي التي تعرضت لهجمات إرهابية في أغسطس 1998. • وديع الحاج: لبناني هاجر إلى الولاياتالمتحدة عام 1978 لدراسة تخطيط المدن. تزوج امرأة أمريكية وأصبح مواطناً أمريكياً عام 1989. سافر إلى أفغانستان لفترات طويلة للمشاركة في الجهاد هناك، ثم ذهب إلى السودان عام 1992 للعمل مع أسامة بن لادن. وفي عام 1994، انتقل إلى نيروبي حيث أسس جمعية خيرية تابعة للقاعدة. أدين عام 2001 بالمشاركة في مؤامرة عمليات تفجير السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا. • جميع الذين شاركوا في التخطيط للقيام بعملية لقتل جنود أمريكيين في قاعدة فورت ديكس كانوا مولودين في الخارج: أجرون عبد الله (تركي) و سردار تاتار (أردني) كانا يحملان الجنسية الأمريكية. محمد شنيور والإخوة الثلاثة دريتان وإلجفير وشاين دوكا من أصل ألباني دخلوا بشكل غير قانوني إلى الولاياتالمتحدة من الحدود المكسيكية. • سيد حارس أحمد: هاجر والداه من باكستان إلى الولاياتالمتحدة عام 1996 حيث دخل سيد معهد جورجيا للتكنولوجيا لدراسة الهندسة الميكانيكية، وسافر إلى كندا في مارس 2005 مع صديقه إحسان الإسلام صديقي (وهو من أصل بنغالي مولود في أمريكا) للقاء مجموعة من الجهاديين والتخطيط لعمليات إرهابية. أدين الاثنان بتهمة تقديم مساعدة مادية لإرهابيين عام 2009. حُكم على سيد أحمد بالسجن 13 سنة وعلى صديقي 17 سنة. من الواضح إذاً أن النموذج الذي قدمه شاه زاد وأمثاله في السنوات الأخيرة ليس جديداً على الولاياتالمتحدة، فهو موجود منذ تسعينيات القرن العشرين، أي قبل ظهور حالات مماثلة في بريطانيا بفترة طويلة. وقد كان من المتوقع زيادة عدد الناشطين الذين يطابقون هذا النموذج مع تحول الحركة الجهادية من ظاهرة تعتمد على تنظيم القاعدة إلى ظاهرة تعتمد على العالمية بالمعنى الأوسع. ومع تعرض القاعدة لضربات قوية، فَقَدَ التنظيم مكانته كقائد وحارس للحركة الجهادية في ميدان المعركة الحقيقي. ويعني هذا التغيير أن التهديد الإرهابي الرئيسي للغرب ينبع الآن من جماعات وقواعد جهادية وليس من قيادة تنظيم القاعدة. ومع أن هذا التحول يمكن أن يُعتبر مؤشراً على النجاح، إلا أنه يشكل أيضاً تحدياً للمسؤولين عن مكافحة الإرهاب. نشطاء القواعد الجهادية غير معروفين ولا يمكن التنبؤ بهم. هم لا يتبعون قيادة مركزية، يمكن أن يكونوا معزولين، وقد لا يكونون على ارتباط حقيقي بآلية القيادة والسيطرة لأي جماعة معروفة. هذا يجعل مهمة التعرُّف عليهم صعبة للغاية، وبالتالي يكون من شبه المستحيل اعتراض مخططاتهم وإجهاضها قبل تنفيذها. الهيئات الحكومية لا تجيد التعامل مع الظواهر الغامضة، ومن الشائع أن يكون بعض ناشطي القواعد الجهادية قد خضعوا لتدقيق أمني في فترة من الفترات ولكن ذلك لم يساعد على تحديد خطورتهم قبل تنفيذ هجماتهم. هذه المشكلة تكون أكثر تعقيداً عندما يعمل الشخص المنفذ وحيداً ولا يسعى للحصول على أي نوع من المساعدة الخارجية. لكن السرية التي يوفرها هذا الغموض لها ثمن كبير لأنها تؤدي غالباً إلى ضعف قدرات وإمكانات الهجوم المراد تنفيذه. إحدى أهم مشاكل الخلايا الصغيرة هو الحصول على المهارات الضرورية لتنفيذ هجوم إرهابي ناجح، مع أن كثيراً من مواقع الإنترنت والكتيبات العسكرية يمكن أن تقدم تعليمات حول بعض الأمور، إلا أنها لا تحل محل الخبرة الميدانية. هذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بتنفيذ هجوم إرهابي معقَّد يتطلب التخطيط والمراقبة وصنع العبوات الناسفة. كثير من ناشطي القواعد الإرهابية يفشلون أيضاً في تقييم مستواهم المتدني في المهارات الإرهابية ولا يفهمون الحدود التي يفرضها انعدام مثل هذه المهارات، ولهذا السبب، يحاولون أحياناً تنفيذ عمليات تفوق بكثير إمكاناتهم المحدودة مما يؤدي إلى فشلها. هذه العوامل تساعد على تفسير سبب فشل الخلايا الصغيرة في تنفيذ عمليات كبيرة حتى الآن. خلال الأشهر الأخيرة، وجه تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية رسالة حث فيها القواعد الجهادية على تنفيذ عمليات بسيطة. هذه الدعوة تكررت على لسان المتحدث باسم القيادة المركزية لتنظيم القاعدة آدم جادان في 7 مارس الماضي، والتي حذَّر فيها الجهاديين من السفر إلى معسكرات التدريب في أماكن مثل باكستان واليمن ونصحهم بعدم تنسيق هجماتهم مع آخرين مخافة أن يكونوا عملاء أو مخبرين للحكومة. بالطبع لم ينفذ زازي أو شاه زاد النصيحة، فكلاهما ذهب إلى معسكرات تدريبية في باكستان. لكن التدريب البسيط الذي تلقياه لم يؤهلهما لصنع عبوات ناسفة لدى عودتهم إلى الولاياتالمتحدة، ومن المشكوك فيه أن يكون الذين يدربون أنفسهم أفضل حالاً من زازي وشاه زاد، لكنهم مع ذلك لا يزالون قادرين على القتل وإلحاق الأذى بالآخرين، وسيستمرون بلا شك في تشكيل خطورة كبيرة على أمن الولاياتالمتحدة. هذه الحقيقة المروعة تبيِّن الضرورة الملحة للجهات الأمنية في الغرب للتركيز على التعرف على الإرهابيين المحتملين قبل تنفيذ عملياتهم. غالباً ما يرتكب ناشطو القواعد مثلاً أخطاء أثناء تنفيذ عمليات المراقبة بسبب افتقارهم للخبرة مما يساعد على اكتشافهم. هذه الزيادة في الوعي يجب أن تمتد لتشمل ليس وكالات الاستخبارات فحسب، بل الشرطة أيضاً وحتى المدنيين.