أثار اعتقال المواطنين العربيين محمد سلامة وابراهيم علي الجبروني في قضية الانفجار الكبير، الذي وقع يوم 26 شباط فبراير الماضي في مبنى "المركز التجاري الدولي" في نيويورك، تساؤلات عدة ونوعاً من البلبلة اكثر مما ساهم في حل لغز عملية التفجير، هذه التي أدت الى مقتل 5 اشخاص واصابة الف بجروح وأسفرت عن خسائر مادية تزيد عن مليار بليون دولار. وقد اعتقلت السلطات الاميركية محمد سلامة اردني يبلغ من العمر 26 عاماً بتهمة التورط في تفجير المبنى، كما اعتقلت ابراهيم الجبروني مصري يبلغ من العمر 44 عاماً في اطار التحقيق في عملية تفجير المبنى. وأبرز التساؤلات التي اثارها اعتقال هذين العربيين هي: 1 - ما حقيقة دور محمد سلامة في عملية تفجير مبنى "المركز التجاري الدولي"؟ ولماذا تصرف بسذاجة مما سهل لرجال الامن الاميركيين امر اعتقاله؟ 2 - ما علاقة ابراهيم الجبروني في العملية؟ 3 - هل ان للشيخ الضرير عمر عبدالرحمن دوراً ما في هذه العملية؟ 4 - ما الهدف الحقيقي من تفجير المبنى؟ 5 - من هي "المرأة الغامضة" جوزيه هداس التي اعطى محمد سلامة اسمها ورقم هاتفها وعنوان شقتها للمحققين الاميركيين؟ هل هي اسرائيلية ام من جنسية اخرى؟ هل لها علاقة بالمخابرات الاسرائيلية أم لا؟ 6 - ما دور ايران في عملية تفجير المبنى ولماذا اتهمت الادارة الاميركية رسمياً ايران، بعد اعتقال سلامة والجبروني، بأنها "اخطر دولة راعية للارهاب"؟ في هذا التحقيق الذي اجرته "الوسط" في نيويورك وواشنطن وعمان ولندن والقاهرة محاولة للاجابة عن هذه التساؤلات. ليس واضحاً تماماً، من خلال التهمة التي وجهتها اجهزة الامن الاميركية الى محمد سلامة، ما الدور الفعلي الذي لعبه سلامة في عملية تفجير المبنى. فقد اتهمت هذه الاجهزة سلامة بأنه "عمل عن سابق تصور ومعرفة وبنيّة الاذى والحاق الضرر والتدمير عن طريق زرع متفجرات والتسبب في حريق" في مبنى "المركز التجاري الدولي" ويتبين من المذكرة الاتهامية الموجهة الى سلامة انه هو الذي استأجر السيارة المحتوية على المواد المتفجرة، التي وضعت في مرآب المبنى وتسبب في الانفجار الكبير. ووفقاً للمذكرة الاتهامية فان سلامة استأجر هذه السيارة، وهي من نوع "ايكونولينا اي - 350"، يوم 23 شباط فبراير الماضي من مكتب شركة "رايدر" لتأجير السيارات في مدينة جيرسي في ولاية نيو جيرسي. ووفقاً للمذكرة نفسها فان سلامة أبلغ مكتب "رايدر" يوم 26 شباط فبراير بعد ساعتين أو 3 ساعات من الانفجار، ان السيارة سرقت منه "في الليلة السابقة" وطلب اعادة المبلغ الذي كان دفعه لاجرة السيارة. لكن الموظف في مكتب "رايدر" ابلغه انه يتعين عليه ابلاغ الشرطة بالسرقة والحصول منها على نسخة من محضر التحقيق حتى يصبح في مقدوره استرجاع ماله. في وقت لاحق من ذلك المساء دخل مركز شرطة مدينة جيرسي شخص عرف عن نفسه بانه سلامة وتحدث مع الضابط المناوب وأبلغه ان السيارة التي كان استأجرها سرقت منه الليلة السابقة، وأضاف انه حاول الابلاغ عن السرقة في تلك الليلة لكنه لم يتمكن من ذلك لعدم معرفته برقم تسجيل الحافلة. يوم 4 آذار مارس 1993 عاد سلامة الى مكتب شركة "رايدر" لتأجير السيارات وهذه المرة تمكن الموظف في المكتب من التعرف الى محمد سلامة باعتباره الشخص الذي كان استأجر السيارة التي استخدمت في تفجير المبنى. وقد قبض على سلامة بعد ذلك بوقت قصير. وأبلغت مصادر اميركية معنية بالتحقيق في هذه القضية "الوسط"، ان السلطات الاميركية المختصة "لا تعرف حتى الآن اذا كان سلامة اكتفى باستئجار السيارة او انه هو الذي قادها الى المبنى الذي انفجرت فيه". وأضافت المصادر: "الامر الاكيد هو ان سلامة له دور مهم في العملية وان مجموعة اشخاص محترفين هي التي نفذت العملية، وقد يكون سلامة من بينها. ونخشى ان يكون الآخرون غادروا الولاياتالمتحدة مباشرة بعد الحادث". لكن هنا تبرز اسئلة اخرى: اذا كان سلامة متورطاً في عملية تفجير المبنى فلماذا لم يغادر الولاياتالمتحدة؟ ولماذا تصرف بسذاجة وأصر على استعادة مبلغ 400 دولار الذي استأجر به السيارة مما أدى الى اعتقاله؟ حتى الآ ليست هناك اجوبة مقنعة على هذه التساؤلات. سلامة نفسه يؤكد انه بريء. ومحاميه يقول ان السلطات الاميركية وجدت "كبش محرقة" في سلامة وان ذلك قد يمنع الكشف عن "المجرمين الحقيقيين". ووالد محمد سلامة، وهو ملازم اول متقاعد في القوات المسلحة الاردنية، يقول ان ابنه "لا علاقة له بأية حركة دينية او تنظيم سياسي" وانه "لا يؤمن بالعنف" وقد سافر الى الولاياتالمتحدة في مطلع 1988 "لجمع ثروة". ومحمد سلامة من مواليد قرية بديا قرب نابلس في الضفة الغربيةالمحتلة وهو يحمل الجنسية الاردنية، ومنذ وصوله الى الولاياتالمتحدة لم يستقر في وظيفة ثابتة بل عمل في مخبز، وفي البناء، وفي مصنع، وفي "سوبر ماركت". وكان آخر طلب له، خلال اتصاله بأهله: "اريد عروساً فلسطينية لتعيش معي في الولاياتالمتحدة". وقد قررت السلطات الاميركية ارسال بعثة تحقيق الى الاردن لمتابعة ملف سلامة. السؤال الثاني: ما علاقة ابراهيم الجبروني بعملية نيويورك؟ لقد عثرت السلطات الاميركية على اسم الجبروني في اوراق محمد سلامة، وقام رجال الشرطة باقتحام شقته في بروكلين نيويورك فعثروا فيها على ادوات واسلاك وكتاب يعلّم كيفية صنع المتفجرات.. واعترض ابراهيم الجبروني رجال الشرطة وضرب احدهم فتم اعتقاله، ووجهت اليه تهمة "عرقلة سير العدالة". والجبروني من مواليد بورسعيد يبلغ من العمر 44 عاماً وهو يعمل مهندساً للديكور في الولاياتالمتحدة منذ هجرته اليها عام 1982. ويرتبط بصلة قربى بسيد نصير الشاب المصري الذي اتهم باغتيال الحاخام اليهودي المتطرف مئير كاهانا عام 1990. وعلى رغم تبرئة نصير من هذه التهمة الا انه سجين بتهمة حيازة اسلحة ومتفجرة. وسيد نصير هو ابن خالة ابراهيم الجبروني. ويرعى ابراهيم اسرة نصير منذ اعتقاله كما انه تزعم حملة لجمع التبرعات لتغطية نفقات الدفاع عن نصير. ويقول عنه والده: "ابراهيم مسالم لا يؤمن بالعنف ولا علاقة له بالجماعات الدينية المتطرفة". ولم تستطع السلطات الاميركية، حتى الآن، ايجاد رابط بين الجبروني وعملية تفجير المبنى، خصوصاً ان هذا الاخير يؤكد انه لا يعرف محمد سلامة. لكن ما أثار اهتمام السلطات الاميركية انها عثرت في شقة الجبروني على خمسة جوازات سفر نيكاراغوية مزورة بأسماء سيد نصير وأفراد عائلته. فهل كانت هناك خطة لتهريبه من السجن؟ السؤال الثالث يتعلق بدور الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن زعيم "الجماعة الاسلامية" في مصر في هذه العملية. السلطات الاميركية تقول، ان محمد سلامة وابراهيم الجبروني من اتباع عمر عبدالرحمن، وانهما يترددان على مسجد السلام في مدينة جيرسي حيث يخطب الشيخ الضرير. وتضيف هذه السلطات انها تجري تحقيقاً حول دور عمر عبدالرحمن المحتمل، المباشر وغير المباشر، وستكشف نتائج التحقيق لاحقاً اذا ما ثبت ان للشيخ الضرير علاقة ما بالانفجار. واللافت للانتباه في هذا المجال ان عمر عبدالرحمن دان انفجار مبنى "المركز التجاري الدولي" بعد اعتقال سلامة والجبروني. وأكدت مصادر اميركية مطلعة لپ"الوسط" ان السلطات المختصة "لا تملك حالياً اي دليل ملموس" عن دور محتمل لعمر عبدالرحمن في هذه العملية "لكن هناك شبهات كثيرة" خصوصاً في ضوء سجل الشيخ الحافل. وقد اصدرت "الجماعة الاسلامية" يوم 6 آذار مارس الجاري بياناً في القاهرة اكدت فيه "عدم صلة الدكتور عمر عبدالرحمن من قريب او بعيد" بانفجار نيويورك وحذرت من ايذاء الشيخ راجع ص 12. السؤال الرابع هو: ما الهدف الحقيقي من تفجير المبنى في نيويورك؟ مصدر اميركي مطلع قال لپ"الوسط": "لا نستطيع ان نعرف، بالطبع، الهدف الحقيقي من هذه العملية الا بعد اكتمال التحقيق وتسجيل اعترافات الذين فجروا المبنى. لكن هناك احتمالات عدة ندرسها حالياً، أبرزها: "محاولة التأثير على ادارة الرئيس كلينتون وتحويلها من الاهتمام بمفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية الى قضايا اخرى ذات طابع امني او ارهابي، تسليط الاضواء على قوة الاصوليين والمتطرفين الاسلاميين، الانتقام من مواقف سياسية اميركية معينة، ممارسة ضغوط على الادارة الاميركية للحصول على مطالب معينة من دون ان يتم ذلك بصورة علنية". وأضاف المصدر: "ما تخشاه السلطات الاميركية، فعلاً، هو ان تكون عملية نيويورك الحلقة الاولى من سلسلة عمليات ارهابية موجهة ضد اهداف اميركية داخل الولاياتالمتحدة او خارجها". نريد ان نعرف بالضبط: هل ان عملية نيويورك بداية حرب ارهابية جديدة ضد الولاياتالمتحدة ام انها عملية معزولة؟ ونحن نقوم حالياً بتحقيقات واسعة في دول شرق اوسطية عدة لمحاولة الاجابة عن هذا السؤال". السؤال الخامس هو: من هي جوزيه هداس؟ المرة الأولى التي ورد فيها هذا الاسم، كانت في المذكرة الاتهامية الاميركية الموجهة الى محمد سلامة. وقد جاء في هذه المذكرة ان محمد سلامة وضع على عقد استئجار السيارة رقم هاتف هو: 7501 - 435 - 201. وأظهرت التحقيقات ان هذا الرقم هو لجوزيه هداس وانه في شقة في مدينة جيرسي ولاية نيوجيرسي. وأضافت المذكرة الاتهامية: "لقد صدرت مذكرة تفتيش في ذلك النهار لشقة هداس وتمكن عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي من العثور في ذلك المكان بين امور اخرى على رسالة موجهة الى المتهم محمد سلامة وعلى معدات وأسلاك وكتب ارشاد تتعلق بصنع الهوائيات والامدادات الكهربائية والاجهزة الكهرومغناطيسية. وعمد ضابط في الشرطة خبير في شؤون التفجير الى التحقق من هذه المواد وتوصل الى الاستنتاج انها تشكل ادلة على وجود "صانع قنابل" في المكان. وأخيراً تمكن كلب مدرب على تقصي المتفجرات والبحث عنها من التعرف على وجود آثار لمواد متفجرة في خزانة داخل هذه الشقة". ومنذ ذلك الحين أحاط الغموض بجوزيه هداس. في البداية اعتقد الكثيرون انه رجل ثم تبين انها امرأة. ورفضت السلطات الاميركية القول، اذا كانت اعتقلت هداس أو لا. كما امتنعت عن القول اذا كانت هداس اسرائيلية او من جنسية اخرى، ورفضت تحديد عمرها، وتوضيح طبيعة علاقاتها بمحمد سلامة، كما رفضت القول اذا كانت لها علاقة بتفجير المبنى أو لا. ورفضت السلطات الاميركية، ايضاً، التأكيد او النفي بأن جوزيه هداس تعمل لصالح "الموساد" الاسرائيلية، اذ قال مصدر اميركي مسؤول، تعليقاً على هذه الاشاعات: "لن نقول انها تعمل لمصلحة الموساد حتى لو كانت تعمل فعلاً". وزاد هذا الغموض الذي أحاط بملف جوزيه هداس من التساؤلات حول عملية تفجير المبنى الكبير في نيويورك. السؤال السادس هو: ما دور ايران في هذه العملية؟ اللافت للانتباه، في هذا المجال، ان وزارة الخارجية الاميركية اصدرت، بعد اعتقال سلامة والجبروني، بياناً مكتوباً اتهمت فيه ايران بأنها "اخطر دولة راعية للارهاب" في العالم. كما اتهمت المخابرات الايرانية بالتورط في اغتيالات في أوروبا واماكن اخرى وتفجيرات في الشرق الاوسط وأوروبا وأميركا اللاتينية. وقال البيان الاميركي: "ايران هي الراعي الرئيسي في العالم للجماعات الاسلامية الفلسطينية المتطرفة، اذ تزودها بالاموال والاسلحة والتدريب". وأضاف: "ايران في الوقت الراهن هي أخطر دولة راعية للارهاب". وصحيح ان البيان لم يتهم ايران بأن لها علاقة بعملية نيويورك، لكن توقيت اصداره ليس مصادفة. ووفقاً لما ذكره مصدر اميركي مطلع لپ"الوسط" فان "هناك احتمالاً كبيراً بأن تكون السلطات الاميركية تملك معلومات معينة عن دور ايران في عملية نيويورك او عن نشاطات ايرانية ارهابية معينة موجهة ضد اهداف اميركية، لذلك أصدرت هذا البيان الذي هو بمثابة رسالة تحذير الى القيادة الايرانية". وقد نفت ايران رسمياً اية علاقة لها بعملية نيويورك، واتهم الايرانيون اسرائيل بأنها وراء هذه العملية كما قالت: "ان هدف وزارة الخارجية الاميركية من وراء ربط ايران بطريقة أو بأخرى بحادث نيويورك هو عزل الجمهورية الاسلامية اكثر فأكثر". وأكد مصدر اميركي رفيع المستوى لپ"الوسط"، ان الرئيس كلينتون اعطى تعليمات مشددة لجميع الاجهزة المختصة لكشف حقيقة الجهة او الجهات التي تقف وراء انفجار نيويورك "بأي ثمن" اذ ان "التساهل في عملية كهذه سيشجع اطرافاً عدة على القيام بعمليات مماثلة". واعترف المصدر بأن التحقيق في هذه القضية "سيكون طويلاً". وقال من بين الامور الرئيسية التي يحرص المسؤولون الاميركيون على معرفتها هي: هل هناك "تنظيم ارهابي دولي"، تموله وتدعمه دول او جهات في الشرق الاوسط، ويقف وراء عملية نيويورك؟ وماذا يريد "هذا التنظيم"؟