تعرف العاصمة المصريّة منذ أشهر حركة ثقافيّة غزيرة، من تجلياتها اللافتة ال "بينالي الدولي الرابع للفنون التشكيليّة"، الذي افتتح في القاهرة قبل "معرض الكتاب"، وشهد مجموعة من الندوات واللقاءات، ومنحت خلاله جوائز عدّة. كل الاعمال التي يستضيفها البينالي، وهي آتية من العالم أجمع، ما زالت معروضة للجمهور حتى 18 آذار مارس المقبل. أوّل ما يلاحظه المراقب المتمهّل، أن ال "بينالي" استطاع هذا العام أن يكون ملتقىً لمختلف الإتجاهات والتيّارات الفنيّة، مما خلق نوعاً من المواجهة والصراع الإيجابي. فالاعمال المشاركة في المعارض جاءت من 38 دولة، لتمثل مختلف المناحي والمدارس التشكيليّة الراهنة عربيّاً وعالميّاً. وإذا كانت المشاركة الاوروبيّة لم تحمل، بشكل عام، جديداً لافتاً بالقياس إلى ما هو مطروح على الساحة الفنيّة في السنوات الاخيرة، فإن الحدث جاء من الجانب العربي على أكثر من صعيد... إذا وضعنا جانباً المحاولات التوفيقيّة التي تورّط بها بعض المبدعين المعروفين، ساعين إلى المزاوجة بين معطيات تراثيّة وأخرى مستقاة من مدارس الفنّ الحديث، فكانت الحصيلة أعمالاً أقرب إلى مطبوعات الترويج السياحي. واعتبر البعض أن أحكام الروزنامة لعبت ضدّ البينالي. فقد زعزع الزلزال سقف "قاعة النيل الكبرى" التي تستضيف عادة الاعمال المعروضة، مما انعكس على التظاهرة تشتّتاً، إذ توزعت المعارض على أماكن عدّة : "متحف الفنّ الحديث"، "مجمع الفنون" في الزمالك، قاعة العرض في "دار الاوبرا" وفضاءات بعض كليّات الفنون الجميلة... و "بينالي القاهرة" الذي يقام منذ 1984 مرّة كل عامين، والذي أصبح دوليّاً منذ 1988، كان قد تأجل عام 1990 بسبب أحداث الخليج، مما دفع المسؤولين إلى توفير شروط إقامته هذا العام مهما كان الثمن. ومن المحطات التي تستدعي التوقف عندها هذا العام، المعرض المخصّص للفن المصري الحديث "من الروّاد إلى اليوم"، الذي يقدّم للزائر بانوراما واسعة ومنوّعة لحركة الفنّ في مصر، من خلال أعمال وتجارب بارزة وأخرى أقلّ شهرة، نادراً ما جمعت ضمن حيّز واحد. فالمهارة والتقنيّة العالية التي ميّزت أغلب الاجنحة الغربيّة، يواجهها في الجانب العربي بُعد اختباري هو مزيج من الإبتكار الاسلوبي والبحث عن الذات بأعمق معاني الكلمة. نظرة سريعة إلى أعمال الفنّانين الذين فازوا بجوائز لجنة التحكيم، تكفي للتأكد من هذه الحقيقة. ميّزت جوائز البينالي هذا العام تجارب حقّقت حضورها عربيّاً وعالميّاً مما أضفى على التظاهرة طابع المصداقيّة والمرجعيّة. تشكلت هيئة التحكيم من صلاح طاهر رئيساً، ومن عضويّة محمد طه حسين، نعيم عطيّة وحسن عثمان مصر، أسعد عرابي لبنان، محمد المليحي المغرب، ماريا دي كولار اسبانيا، أولاريتش كريميل المانيا، خوان إيتشا المكسيك وخورخي جيلوسيريش الارجنتين. ولعلّ الحدث الاكبر في "بينالي القاهرة الدولي الرابع للفنون التشكيليّة" هو تكريس الفنّان المصري المقيم في فرنسا آدم حنين، الذي فاز ب "جائزة النيل الكبرى"، إلى جانب بروز فنّانين عرب آخرين بينهم الفنّان السوداني المقيم في الولاياتالمتحدة محمد عمر خليل حفر والفنّان العراقي المقيم في بريطانيا ضياء العزّاوي. يعرض آدم حنين في البينالي 12 منحوتة تساعد على الإحاطة بعالمه الفنّي وتقنيّاته، بأسلوبه ومشاغله الجماليّة. تنتمي أعماله إلى المدرسة التجريديّة المعاصرة، وتعمل على مواكبة الحداثة مع استيعاب التراث الفرعوني والمصري. وينعكس انتماء حنين العريق إلى الحضارة العربيّة، حتى في الخامات والاصباغ المستعملة، التي تعود أحيانا ً إلى ورق البردي وألوان الفراعنة. وتجدر الإشارة إلى كون الفنّان، المعروف عالميّاً، لم ينجرف خلال عقدين من الإقامة في الغرب، وراء التأثيرات السهلة، والموض التي تفشت في الحركة التشكيليّة العربيّة.