قبل عام، في الثالث من شباط فبراير 1992، صدر العدد الاول من "الوسط". كانت "الوسط"، لدى انطلاقها، مشروعَ طموحٍ: طموح لان تكون شاهداً واعياً ومنفتحاً على ما يجري في منطقتنا والعالم. طموح لان تقدم كل اسبوع مادة حية ومثيرة ومفيدة وممتعة في آن واحد، تجعل قضايا المنطقة والعالم اقرب الى القراء، وتساعد على مواكبة التطورات المختلفة في عالمنا. طموح لان تكون مجلة الخط المعتدل البعيد عن التطرف والمغالاة والمزايدات العقيمة، وفي الوقت نفسه المجلة التي تناصر بقوة الحقوق العربية والاسلامية وتدافع عنها. فماذا حققنا خلال العام الاول من عمرنا؟ بعد 12 شهراً على انطلاقها، أصبحت "الوسط" في المرتبة الاولى بين المطبوعات السياسية العربية، سواء من حيث الحضور والتوزيع والانتشار، او من حيث السمعة والرصيد، او من حيث المستوى المهني والمصداقية، او من حيث الجرأة، او من حيث الابتكار والتجديد. أخذت "الوسط"، خلال هذه الفترة القصيرة، مكانها في عقول وقلوب الآلاف من القراء العرب المنتشرين في مختلف بلدان منطقتنا وفي اوروبا والولاياتالمتحدة وبعض المواقع الاخرى، وصارت، مضموناً وشكلاً، نموذجاً لصحافة عربية عصرية جدىدة نشطة ومتحركة ومتطورة باستمرار، تتطلع دائماً الى الاصعب والأفضل. * * * اذا أردنا تحليل عوامل نجاح "الوسط" يمكننا التوقف عند الامور الرئيسية الآتية: 1 - أولاً، تميزت "الوسط" بأنها مجلة "الخبطات" و"السبقات" الصحافية، والتحقيقات الحية والمقابلات المثيرة للاهتمام، والتحليلات السياسية المستندة الى المعلومات، يكتبها عدد من الكتاب والصحافيين والخبراء العرب والاجانب من ذوي الاختصاص والتجربة الواسعة. فعلى سبيل المثال، نشرنا خلال العام الاول اكثر من 100 مقابلة وحوار مع سياسيين عرب وأجانب، بينهم 10 رؤساء دول، اضافة الى شخصيات بارزة كانت في قلب الاحداث. ونشرنا، ايضاً، ذكريات شخصيتين مثيرتين للجدل، لم تتمكن اية مطبوعة من التحدث اليهما، الاولى هي الجنرال فاديم كيربيشنكو كبير الجواسيس السوفيات في الشرق الاوسط، والثانية روبرت مكفرلين مستشار الرئيس السابق ريغان و"بطل" فضيحة ايران غيت، كما نشرنا كتاب "ابو نضال" لباتريك سيل - الذي أثار ولا يزال يثير اهتماماً كبيراً - وبدأنا ننشر منذ العدد الماضي مذكرات ايلي سالم. على صعيد التحقيقات، ارسلت "الوسط" موفدين خاصين الى مختلف المناطق والدول ذات الاهمية بالنسبة الى القراء العرب: من جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية الى افغانستان الى داخل العراق الى الجولان والضفة الغربية وغزة المحتلين، الى البوسنة والصومال الى جنوبلبنان الى اليمن والسودان وباكستان والصحراء الغربية وليبيا الخ… ولدى "الوسط" القدرة على ارسال موفد خاص او فريق صحافي الى اية منطقة تصبح مثار اهتمام لقرائنا. 2 - ثانياً، تميزت "الوسط" بالاهتمام باستطلاعات الرأي العام التي تجريها مؤسسات مختصة على اسس علمية دقيقة. وهكذا أجرينا استطلاعين في لبنان أثارا جدلاً كبيراً، كما كنا المطبوعة العربية الاولى التي اجرت استطلاعاً شاملاً في الولاياتالمتحدة حول نظرة الاميركيين الى قضايا العرب الكبرى. 3 - ثالثاً، تتميز "الوسط" بأنها اتفقت مع اكثر من 15 كاتباً ومفكراً وسياسياً بارزاً، عربياً واجنبياً، لكتابة مقالات خاصة لها، حول مختلف التطورات في العالم. تضاف الى هؤلاء مجموعة من الادباء والنقاد الذين يساهمون في إغناء القسم الثقافي. كما ان "الوسط" عقدت، خلال العام الاول من عمرها، ندوات عدة عالجت فيها ابرز القضايا المطروحة في الساحة العربية. 4 - رابعاً، تتميز "الوسط" بأنها تملك شبكة واسعة من المراسلين والخبراء والصحافيين الموزعين في عدد كبير من البلدان، ومصادر اخبار ومعلومات خاصة. 5 - خامساً، تتميز "الوسط" بالتنوع، صحيح ان الشؤون السياسية هي المادة الرئيسية في هذه المجلة، واننا نعتني بالقضايا الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، الا اننا اولينا اهتماماً كبيراً لكل ما يتعلق بالثقافة والمرأة والسينما والرياضة والسيارات واخبار المجتمع والطب والعلوم والاكتشافات في مجالات مختلفة. وللسخرية ورسوم الكاريكاتور موقعها في "الوسط". فقد بدأ الشهر الماضي رساما الكاريكاتور المعروفان مصطفى حسين وحجازي المساهمة اسبوعياً في مجلتنا، اضافة الى الرسام المعروف شريف، والفنان هاني. 6 - سادساً، احترمنا القارئ العربي وعقله ومشاعره، فلم نتعامل معه على اساس الانطباع الخاطئ والظالم، بأن هذا القارئ يحتقر الامور السياسية وانه سئم منها وانه لا يهتم الا بأخبار المجتمع والفن والحكايات الخفيفة والفضائح - وان كان لهذه المواضيع موقعها الصحيح وغير المبالغ فىه في "الوسط" - بل تعاملنا مع القارئ العربي على اساس ان لديه فهماً كبيراً للمعرفة وجوعاً حقيقياً للاطلاع على ما يجري في منطقتنا والعالم وعلى خفايا الاحداث والتطورات. وعلى هذا الاساس قدمنا له التحقيقات والمقابلات والتحليلات المستندة الى معلومات صحيحة - لا الى تمنيات او اشاعات - ومقالات الرأي، لتساعده على تكوين صورة متكاملة عن هذا العالم الذي نعيش فيه. واحترمنا في كل ما نشرناه، الخط المعتدل الرافض التطرف والمغالاة والمزايدة. * * * هذه الامور ليست حصيلة عام أو "جردة حساب"، بل انها تشكل اساساً ننطلق منه في عامنا الثاني لنتابع تطوير واثراء مسيرتنا، بكل ما تتميز به، متطلعين دائماً - كما كنا منذ اليوم الأول - الى الاصعب والافضل، ساعين الى تعميق علاقاتنا مع القراء.