لطالما وصف عصرنا الحديث بأنه عصر السرعة، فها قد تحول العالم إلى مجرد قرية صغيرة، وصار كل شيء سريعاً بشكل لا يصدق، حبٌ من أول نظرة... مؤشرٌ يتقلب بين الأخضر والأحمر خلال لحظات قصيرة، حتى الإعدام غدا كهربائياً! ولا أعلم أهي إحدى صدمات التطور التقني؟ أم الحفاظ على وقت الحضور والسجّان؟ لذا فإن وصف الكاريكاتور بأنه نتاج عصر السرعة في الصحافة، يكاد يكون الوصف الأقرب للواقع، فالكاريكاتور يقدم جرعة عالية التركيز من وجبة ثقافية مثقلة بالواقع السياسي والاجتماعي... من دون أن يعي البعض أن فنان الكاريكاتور الحقيقي يقدم تضحية فنية كبيرة لجمهوره، فهو يقضي ساعات طويلة في البحث عن فكرة لامعة لكي يجسدها واقعاً فنياً، ثم يلمحها القارئ خلال ثوان قليلة، ثم يتركها بعد ذلك! وكم أغنى كاريكاتور واحد مميز عن حزمة مقالات مطولة. لكن الواقع المشاهد في صحافتنا المحلية يفصح عن غير ذلك، فالمستوى دون الآمال والطموح، فرسامو الكاريكاتور يعملون على أساس من الهواية، وليس ضمن نشاط احترافي واضح، إلا قلة منهم. ذلك لأن معظمهم احترف الرسم بعد مشوار متقلب من الهواية والنشر المتقطع، ولم يصقلها بدارسة علمية منهجية، أو اطلاعٍ على تجارب المدارس العالمية المختلفة. لذا غدا مستوى الكاريكاتور السعودي لا يعبر عن التطور الملاحظ في مستوى الصحافة السعودية، أو حتى لا يجسد واقع ارتفاع السقف الرقابي كذلك. من جهة أخرى، يلاحظ التوجه الجديد للصحافة العالمية التي لا تكاد تقتبس من صحافة العوالم الأخرى ? ونحن منهم بالطبع - إلا الكاريكاتور فقط! فقلما يمر شهر واحد من دون أن تجد كاريكاتواً معبراً منقولاً من صحيفة عربية منشوراً في إحدى الصحف العالمية، مثل"اللوموند"أو المجلات الشهيرة ك"التايم"و "نيوزويك". ذلك لأن الصورة أضحت لغة عالمية، لا تحتاج إلى ترجمة فورية، خصوصاً إذا كانت خالية من الحوار اللغوي، وتلك قمة الإبداع الكاريكاتوري، كما أن تلك الكاريكاتورات المنتقاة تقدم لمحة سريعة عن طريقة تفكيرنا وتفسيرنا للواقع العالمي، والظروف المحيطة، والعلاقات الدولية. قبل فترة قصيرة بث برنامج"آفاق ثقافية"في قناة"الإخبارية"السعودية حلقتين متتاليتين، مثقلتين بهموم أهل الكاريكاتور في بلادنا، وللأسف عبّر الضيوف عن هموم متنوعة ومستقبل متشائم، فالمجتمع الصحافي لا يزال لا يقدرهم حق قدرهم، خصوصاً القيادات الصحافية، ولا هم قادرون على تطوير أدواتهم الفنية، حتى تحول البعض منهم إلى مجرد رسام للطرائف والنكات الاجتماعية، مع إضافة بعض اللمسات الفنية، والبعض أغرق في الرمزية حتى أضحى يقدم رسومات لا يكاد يفهمها إلا من رسمها! كما أنه لا يوجد حتى الآن رسام كاريكاتور سعودي واحد استطاع أن يؤسس مدرسة كاريكاتورية، على عكس الكثير من الغربيين وحتى العرب، الذين استطاعوا التأثير على توجهات الرأي العام، بل إن بعضهم قدم حياته في سبيل فنه، مثل فنان الكاريكاتور العربي ناجي العلي الذي اغتيل على خلفية نشر إحدى رسوماته عن القضية الفلسطينية، إذ يبدو أن أثر ذلك الكاريكاتور تجاوز حدود المعقول. من جهة أخرى، هيئة الصحافيين السعوديين مطالبة بالكثير نحو الكاريكاتور، من ضرورة تشكيل شعبة تعنى بأهل هذا الفن، وإضافته إلى برنامج الدورات التدريبية، والعمل على تكريم الرواد في هذا المجال، وكذلك تشجيع الصحف والمجلات على اكتشاف المواهب السعودية الشابة الجديدة في هذا المجال. كما أن الدعوة تمتد وتتصل إلى وزارة الثقافة والإعلام، نحو أنشاء جمعية مستقلة تعنى بالكاريكاتور، أسوة بما تم نحو المسرحيين والتشكيليين أخيراً، إضافة إلى تنظيم معارض متنقلة، والإسهام في طباعة إصدارات الكاريكاتور وتوزيعها، فتلك المطبوعات ستشكل إحدى أدوات التوثيق الحقيقي لواقع مجتمعنا، وتفاعله مع المستجدات الاجتماعية والدولية، ولعل المطلع على بواكير الكاريكاتور يجدها تعبر عن هموم تلك المرحلة في شكل مبهر. [email protected]