بدأت حياتها ابنة لبارونة المانية وختمتها كسفيرة متقاعدة لمنظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة اليونيسيف، وبين صباها ورحيلها قبل ايام في سويسرا عن عمر يناهز الثالثة والستين، عرفت اودري هيبورن مجد هوليوود كواحدة من ممثلات الصف الاول، على الرغم من انها أبداً لم تكن نجمة بالمعنى الذي ينطبق على مارلين مونرو أو اليزابيت تايلور. أودري هيبورن بالبراءة المنطبعة على وجهها ذي الطفولة الدائمة، وبعينيها الواسعتين المدهوشتين دائماً والخائفتين دائما، كانت شيئا آخر: كانت ممثلة حقيقية، كما كانت حين أطلت على هوليوود للمرة الاولى عند بداية سنوات الخمسين، شيئاً آخر تماما فهي بادائها الطبيعي وهشاشة بنيتها ونطقها الانيق وسمات المراهقة الدائمة في ملامح وجهها عرفت كيف تدخل الى عاصمة السينما طراوة جديدة وتفتح عهد الممثلات الشبيهات بالصبيان، وهذا ما جعل له معجبيها، وجعل لعبة التماهي معها تختلف عنها مع اي فنانة اخرى. ولدت اودري هيبورن في بروكسيل ببلجيكا لأب ايرلندي - انكليزي وام المانية وتلقت دراستها في لندن، ثم انصرفت للعمل كعارضة ازياء بعد ان درست الرقص الكلاسيكي، وكانت فاتحة الخير عليها الاديبة الفرنسية كوليت التي التقتها في جنوبفرنسا فيما كانت تعمل كفتاة كومبارس في احد الافلام، وعرضت عليها ان تمثل دور "جيجي" في استعراض يقدم على خشبات برودواي ومقتبس من رواية كوليت المعروفة بالاسم نفسه. من فورها وافقت اودري هيبورن على ذلك من دون ان تخمن ولو للحظة ان مظهرها كامرأة - طفلة وشقاوتها الصبيانية هما ما لفت نطر الكاتبة اليها. كان ذلك في العام 1951، ومنذ ذلك الحين لم يكف المجد عن السعي اليها وكانت البداية السينمائية الحقيقية مع ويليام وايلر الذي اعطاها دور الثرية الاميركية السائحة في روما في فيلم "اجازة رومانية" الى جانب غريغوري بيك الذي يلعب دور الصحافي الذي يقع في هواها نالت عن هذا الفيلم الاول جائزة الاوسكار لأحسن ممثلة. بعد ذلك كان من الطبيعي للأدوار ان تنهال عليها وكانت هي تقبل والجمهور يُقبل والجوائز تتتالى: دور ناتاشا في "الحرب والسلام" عن رواية تولستوي من اخراج كينغ فيدور، الى جانب زوجها في ميل فيرير 1956، تلا دورها في فيلم "سابرينا" من اخراج بيلي وايلدر الذي سيعتبرها نجمته المفضلة لسنوات طويلة مقبلة. وبعد "الحرب والسلام" وصار لها حضور راسخ، ومع هذا كان النقاد يتساءلون عن السر الكامن وراء نجاح تلك التي تم التعارف على أنها ممثلة سيئة. كان يقال انها لا تمثل، كل ما في الأمر انها ذات حضور طاغ، وتكفي منها نظرة ضائعة امام الكاميرا لكي تتملك افئدة المتفرجين، غير ان بامكاننا اليوم، مع مرور الزمن ان ندرك ان هذا القول لم يكن دقيقاً كل الدقة. فالحال ان اسلوب أودري هيبورن في الاداء كان يقوم على قاعدة ذلك النوع من اللامبالاة بالكاميرا وبترك النفس على سجيتها، وان كان يحلو لها بين الحين والآخر ان تخوض في الدور الذي تلعبه بشكل اكثر تعقيداً، كما كان حالها مثلاً في "افطار عند تيفاني" 1961 او في الدور الشهير الذي لعبته في فيلم جورج كيوكر "سيدتي الجميلة" 1964 وهو الدور الذي عمل على ايصالها الى اقصى درجات النجاح الجماهيري، كما على انهائها كممثلة. واودري هيبورن ادركت هذا بعد نجاح الفيلم حين قالت "مشكلة دور ليزا دوليتل في هذا الفيلم انه لم يكن مكتوباً لي، كان كل ما فيه يناقض شخصيتي الحقيقية". ونذكر هنا ان الكثيرين يومها رأوا انها قد سرقت الدور من جولي اندروز ظلماً. عمياء وقاتل مجهول مع "سيدتي الجميلة" كانت اودري هيبورن، كفت عن اتخاذ سمة المرأة - الطفلة، لقد باتت الآن ناضجة، والجمهور الذي أحبها ورافق بداياتها كان بدأ ينضح بدوره. صحيح انها غالباً ما كانت تلعب في الماضي دور الفتاة التي تقع في هوى من يكبرها سناً في "اجازة رومانية" كما في "سابرينا" كما في "سيدتي الجميلة"، لكنها اليوم لم تعد تقنع احداً ان لعبت دور لوليتا. ففي اواسط الستينات كانت اودري باتت تقترب من عامها الاربعين. ولما كانت تجربتها مع ستانلي دونن في "شاراد" 3196 نجحت وتمكنت ممثلتنا من اقناع جمهوريها في دور الاميركية التي تزور باريس وتتورط في حكاية تجسس وحب على النمط الهتشيكوكي، كان من الطبيعي لتلك الشخصية ان تتكرر، فتكررت في العام 1967 في فيلم "اثنان على الطريق" من اخراج ستانلي دونن، والى جانب البرت فيني... غير ان جدية ذلك الدور لم تقنع احداً، وهو ما سيتكرر بعد ذلك في فيلم "الوردة والسهم" الذي ادت فيه دور رفيقة روبن هود الى جانب شون كونري. وهو الفيلم الذي حاولت فيه ان تعود الى الشاشة بعد ان كانت اعلنت اعتزالها في العام 1968 اثر النجاح الكبير - والنهائي - الذي حققته في فيلم تيرنس يونغ "انتظر حتى يحل الظلام" واثر طلاقها من زوجها ميل فيرير. وعلى الرغم من ان هذا الفيلم الاخير كان متوسط المستوى من الناحية الفنية، الا انه اعطى لاودري هيبورن دوراً كشف عن الجوانب الاساسية في شخصيتها، فهنا عبر دور العمياء التي يهاجمها قاتل مجهول في بيتها وهي وحيدة، تمكنت اودري هيبورن من ان تعبر عن كل ما فيها من رقة وهشاشة وبراءة، استطاعت ان تقول لهوليوود انها حقاً ممثلة من طراز رفيع... غير انها بعد ذلك الفيلم اثرت التخلي عن العمل السينمائي الذي قالت اكثر من مرة انها لم تحبه كثيراً، وانها ابداً لم يقيض لها ان تلعب الدور الذي تحلم به، على الرغم من ان ادوارها قد جعلتها، اضافة لفوزها بالاوسكار في العام 1953، تسمى خمس مرات للفوز بتلك الجائزة، وجعلتها واحدة من سيدات هوليوود الكبيرات. خلال السنوات الاخيرة من حياتها تقاعدت اودري هيبورن في سويسرا، حيث صارت مجرد ذكرى لكوكب طيب عبر الفضاء الهوليوودي، وانصرفت الى الاعمال الانسانية والاجتماعية، وكانت نادراً ما ترضى الظهور بوصفها الممثلة الهوليودية العريقة. وصارت في العام 1988 سفيرة فخرية لصندوق الاممالمتحدة لرعاية الطفولة "يونسيف"... وبعد ذلك تقاعدت وجلست هادئة تنتظر ايامها الاخيرة.