تعتبر الراحلة أودري هيبورن من أكبر سيدات الشاشة على مستوى العالم. وهي بمثابة الممثلة المصرية فاتن حمامة، إذا أردنا مقارنتها بفنانة عربية. حرصت هيبورن طوال حياتها على سمعتها الفنية والشخصية، ولم تسمح للإعلام بأن يتدخل في شؤونها أو يسيء إليها. تميزت بجمال ناعم وبصوت دافىء مميز دخل قلوب المشاهدين، فحوّلها إلى أسطورة لا تزال حيّة من طريق إعادة عرض أجمل أعمالها فوق الشاشة الفضية وفي التلفزيون. وفي باريس، فكر الإيراني محمد حاجيغات الذي يدير دار سينما"لو كارتييه لاتان"بالمشاركة مع جان ماكس كوس، في إقامة سهرة مخصصة لأودري هيبورن يكشف فيها الستار عن الوجه الآخر للنجمة الراحلة، الوجه الإنساني الذي لا يعرفه الجمهور العريض. وليحقق فكرته طلب من مبتكر الأزياء الكبير هيوبير دي جيفانشي مؤسس دار جيفانشي، أن يحضر السهرة بصفته من أقرب أصدقاء أودري هيبورن طوال أكثر من ثلاثين سنة. كما طلب من جيفانشي أن يسرد إلى الحضور حكاية هيبورن مع الفن، خصوصاً مع الحياة والحب والأناقة والأعمال الخيرية، وكذلك أن يرد على أسئلة الجمهور في شأنها. ووافق جيفانشي بلا تردّد، فأقيمت السهرة التي بدأت بعرض أحد أجمل أفلام أودري هيبورن وهو"وجبة الفطور لدى تيفانيز"المستوحى من رواية للمؤلف الكبير ترومان كابوتي، قبل أن يقف جيفانشي أمام الشاشة ويتبادل النقاش مع الحضور طوال أكثر من ساعة ونصف الساعة. إيدا فان همسترا هيبورن روستون، هذا الاسم المعقد هو الذي لقبت به الطفلة المولودة في 1929 من أب أيرلندي وأم ألمانية، والتي عرفت فيما بعد بإسم أودري هيبورن. ترعرعت في لندن حيث درست رقص الباليه وأكملت تعليمها الأكاديمي. وعرفت كيف تشق طريقها في شكل سريع في عالم الفن اللندني، وغيرت اسمها إلى أودري هيبورن عاملة بنصيحة أحد أعز أصدقائها بعدما أقنعها هذا الأخير بأن اسمها الأصلي مهما تمسكت به، لا يتمتع برنة جذابة على الصعيد المهني وبخاصة في دنيا الفن. عاشت هيبورن في تلك الأيام وحيدة من الناحية العاطفية، لأنها كانت تحلم بفارس أحلام من نوع لا يقضي وقته أمام المرآة لمجرد أنه يعمل في التمثيل، ولا يتباهى بكونه عاش حكايات غرامية ملتهبة مع فنانات مشهورات. ولم تتخيل هيبورن الفنانة المبتدئة في لندن، بحسب ما رواه جيفانشي، أن هوليوود عاصمة الفن السابع على مستوى العالم، ستفتح لها ذراعيها في يوم ما. إلا ان القدر تدخل في حياتها بطريقة غريبة وغير متوقعة، حين شاهدتها الأديبة الفرنسية كوليت وهي تؤدي دوراً تمثيلياً في احدى المسرحيات في لندن، فأعجبت بفنها وبسحرها ورأت فيها البطلة المثالية لروايتها"جيجي"التي كانت على وشك أن تحول إلى مسرحية استعراضية في نيويورك. هكذا حصلت أودري هيبورن على فرصتها الكبيرة وسافرت إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، لتبدأ هناك مشوارها الفني الثاني الذي سيؤدي بها إلى المجد، حيث التقت برجل أحلامها النجم الوسيم ميل فيرير الذي أحبته لأنه يختلف عن هؤلاء الذين غازلوها في لندن. ولحسن حظها بادلها ميل فيرير الشعور، فتزوجا بعد ستة شهور وعاشا سوياً طيلة 14 سنة، أنجبت في خلالها صبياً إسمه شين، قبل أن يعلن طلاقهما في عام 1968. ولقبت هيبورن بالمرأة الأكثر أناقة في العالم وهي أضافت إلى أناقتها صفة ثانية هي البساطة، فنادراً ما عرفت هوليوود نجمة تتمتّع بالتواضع والقناعة والذوق الحسن والأدب وحسن التعامل مع الغير، مثلها. وفي مناسبة ذكر أناقة أودري هيبورن روى هيوبير دي جيفانشي كيف اختارها شخصياً سفيرة لداره، فرافقت فساتينه وتصميماته أفلامها بدءاً من فيلم"وجبة الفطور لدى تيفانيز"، وحياتها العامة والخاصة في بعض الأحيان. وكانت هيبورن إلى جانب وجهها البشوش، تحب الأعمال الخيرية. وهو ما لم يعرفه الجمهور العريض إلا في أيامها الأخيرة بعدما أصابها مرض السرطان. فذاك الوجه الخيّر رآه أطفال الصومالمرات عدة خلال الزيارات التي قامت بها النجمة الى هذا البلد بصفتها سفيرة لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة. بدأت هيبورن ممارسة هذا النشاط وهي في أوج مجدها الفني، ومع مرور الأعوام قررت مغادرة السينما شيئاً فشيئاً وتكريس حياتها لولديها ولأطفال الصومال. وكثيراً ما شوهدت أودري هيبورن في مناسبات فنية كبيرة مرموقة، بحسب ما صرح به جيفانشي، ليس من أجل أن تتسلم جائزة أو كي تروج لأحد أفلامها، بل لتقف على المسرح وتلقي كلمة تطلب فيها من المشاهير الجالسين في القاعة أن يقفوا إلى جوارها ويساندوها في مهامها الخيرية بما أنهم من أغنى أغنياء العالم. رحلت أودري هيبورن في العام 1993 عن 64 سنة، تاركة وراءها مجموعة من أجمل أفلام هوليوود وشيئاً من المحبة التي زرعتها في قلوب الصوماليين الصغار.