التحكم في الكمبيوتر بإيماءات الوجه !    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    عمال يحصلون على 100 ضعف رواتبهم.. ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانهم؟    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    وصول الوفود المشاركة في مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" بمملكة تايلند    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة لتمديد خدمته نائباً لأمير جازان    إدارة ترامب تغير رسميا اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا    الشباب يحصل على شهادة الكفاءة المالية    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    حكومة اليمن تدعو لتصنيف الحوثي «منظمة إرهابية عالمية»    فريق برادي يتصدر التصفيات التأهيلية لبطولة القوارب الكهربائية السريعة "E1"    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    "الأهلي" يكشف أساطيره في "أسبوع الأساطير"    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    مدير عام تعليم الطائف التعليم استثمار في المستقبل وتحقيق لرؤية 2030    وزير المالية: استثماراتنا في أمريكا تفوق 770 مليار دولار    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير جازان    منح وزير الشؤون الإسلامية وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024    جامعة الملك عبد العزيز تطلق مبادرة لتطوير مهارات الطلاب والطالبات في مجال الذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    أعراض غير نمطية لتصلب الشرايين    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم المسابقات الوطنية للقوة البدنية والسباحة بالرياض    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    النصر يحضر عرضه الرسمي من أجل دوران    «سلمان للإغاثة» يوزع مستلزمات تعليمية متنوعة لدعم مدارس محو الأمية ومراكز ذوي الإعاقة في اليمن    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    المملكة تعلن عن استضافة اجتماع عالمي دوري للمنتدى الاقتصادي العالمي    قائد الإدارة الجديدة في سوريا يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    القصيبي مسيرة عطاء    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    الجوف: القبض على شخصين لترويجهما أقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    ترمب يشدد على إنهاء حرب أوكرانيا ويلوح بفرض جمارك ضخمة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    السياسة وعلم النفس!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    الثنائية تطاردنا    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    الملك وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة رئيس منغوليا الأسبق    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    الإرجاف أفعى تستهدف بسمّها الأمن الوطني..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



1993 دولياً ... عام ألتقاط الأنفاس . النظام الدولي الجديد في عهدة كلينتون ، الانتخابات الروسية رسالة تحذير ليلتسن ، والفشل الدولي مستمر في امتحان البوسنة
نشر في الحياة يوم 27 - 12 - 1993

اختتم عام 1993 بحدثين مهمين : الانتخابات الروسية والتوقيع على "الغات". وكان افتتح بالاتفاق الاميركي - الروسي على معاهدة "ستارت - 2" القاضية بخفض الأسلحة النووية الى الثلث. قد تكون هذه هي العناوين العريضة للعام الذي مضى.
أشاعت نتائج الانتخابات الروسية جواً من الحذر، تقدم فيها اقصى اليمين. تلقي انصار الرئيس بوريس يلتسن هزيمة نكراء جعلتهم يندفعو الى طلب التحالف مع الشيوعيين تحت شعار: "الفاشية لن تمر". وبات واضحاً ان التوازنات السياسية الجديدة لا يمكن لها الا ان تنتج تركيبة حاكمة تحد من جموح "الاصلاحات" الاقتصادية وتدخل تعديلاً على السياسة الخارجية الروسية الممالئة للغرب. يعني ذلك الاضطرار الى اعادة نظر، ولو جزئية، بما استقر عليه الرأي في عواصم الديموقراطيات الغربية من نهج حيال موسكو: قدر من المساعدة الاقتصادية، علاقات سياسية وثيقة، رهان على ان جثة "الحرب الباردة" لن تتحرك مجدداً. هذا هو اصلاً، معنى التوقيع على "ستارت - 2" وهذا هو، ايضاً، معنى تقدم مفاوضات "الغات" لتحتل الموقع الذي احتلته في الأشهر الأخيرة. لم ينتبه احد الى ان روسيا كانت توسل اشارات متناقضة، من الاستفتاء الى المواجهة حول البرلمان، والى ان الشعور الحاد بالمهانة القومية معطوفاً على الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية الخانقة، معطوفاً على الاوضاع الفكرية، لا بد ان يقود الى انبعاث قوى متطرفة. وأدى الانشغال عن هذه القضية الحيوية الى حسم عنصر التوتر الدولي من تصور مخططي السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا.
على هذا الأساس استطاع الرئيس بيل كلينتون ان يمضي العام الرئاسي الأول وهو منصرف الى القضايا الداخلية. يصعد ويهبط في استطلاعات الرأي العام ويركض وراء صورة حازمة لشخصه. يمكنه القول ان حصيلة 1993 ايجابية بالنسبة له. الاقتصاد الاميركي يدخل في انتعاشة قد تتحول في 1994 الى نسبة نمو معقولة. القدرة التنافسية الأميركية تعود الى البروز بفض تشجيع الدولة لعدد من التوظيفات في المجالات المتقدمة وللنجاح في الوصول الى اتفاق "نافتا" مع كندا والمكسيك. الى ذلك جاءت قمة سياتل لتوفر لواشنطن هامش مناورة واسعاً حيال الاوروبيين لعب دوراً مؤكداً في الدفع نحو التوقيع على "الغات".
اليابان وايطاليا
استمر الفائض التجاري الياباني يشكل عنصر تأزم في العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا. غير ان العام 1993 شهد تحولا في النظر الى هذا الموضوع. لم يعد يشار اليه من زاوية تراجع الطلب الداخلي الذي يقود الى حال من الركود يعود فيعكس نفسه على الاقتصاد العالمي. نجحت اليابان في العام المنصرم في تغيير الجهاز الحاكم فيها عبر الهزيمة النسبية التي تلقاها الحزب الليبرالي الديموقراطي وحصل ذلك بحكم تضافر ثلاثة عوامل انتهاء الرب الباردة، الفساد، الاهتراء الناجم عن الاستمرار في السلطة وهو الأمر الذي تكرر، على مستوى أكبر، في ايطاليا فأحدث الزلزال المعروف. ومع ان التغيير الياباني جاء بفريق حاكم أكثر تشدداً في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية فإن الحملة على "الانغلاق" الياباني تراجعت بسبب المواجهة الاميركية - الاوروبية حول "الغات".
الهواجس الاوروبية
أوروبا، من جهتها استمرت تتظاهر بأنها عازمة على تنفيذ "اتفاق ماستريخت". أكملت الاستعدادات القانونية لذلك في جميع البلدان المعنية، غير ان الأزمة التي ضربت النظام النقدي الاوروبي أظهرت الاستحالة العملية لاحترام المواعيد المضروبة للوحدة الاقتصادية والمالية. ان عام 1993 هو عام الركود في أوروبا بسبب الاصرار الالماني على سياسة الفوائد المرتفعة وهو اصرار لم يغير من اهتزاز العلاقات مع فرنسا واشتداد المطالبة الموجهة الى بون باعتماد سياسة تساعد على انهاض الاقتصاديات الاوروبية من عثرتها. وفي ظل هذه الخلافات الضمنية كان من الطبيعي ألا يحصل تقدم فعلي على صعيد تحول اوروبا الى كيان سياسي واستراتيجي متماسك يستطيع اتباع نهج حيوي وذي فعالية لمواجهة الأزمات المندلعة في وسط القارة وشرقها. لا تزال أوروبا اشبه ب"مسرح" حسب المصطلحات العائدة الى "الحرب الباردة" ولا يزال حلف شمال الاطلسي هو الاطار "الدفاعي" الرئيسي لها وعنوان علاقتها الدونية مع الولايات المتحدة الاميركية. صحيح ان البحث عن وظيفة جديدة لهذا الحلف مستمر غير ان ذلك لا يمنع توسع دوره بصفته الادارة الامنية الوحيدة ليس للتحالف الغربي فقط بل، ايضاً، للأمم المتحدة!
امتحان البوسنة
لقد تراجعت، في 1993، الآمال المعقودة على دور هذه الهيئة الدولية في معالجة القضايا المطروحة عليها. ظهر العجز فاضحاً في الأزمات اليوغوسلافية وفي ترك مسلمين البوسنة - والهرسك يواجهون مصيرهم البائس. وضعت مشاريع حل باسم المجموعة الدولية غير ان الصرب والكروات احبطوها. وجهت تهديدات اليهم غير انها لم تنفذ. وفي حين بدت اوروبا الغربية "هادئة" في مواقفها بدت الولايات المتحدة مثل رقاص الساعة تشط مرة نحو التدخل العسكري الفوري ومرة أخرى نحو القول بأن لا مصالح وطنية اميركية مهددة فلا داعي، بالتالي، لأي خطوة. لعبت المساعدات الانسانية المقدمة الى ساراييفو وغيرها دوراً في التستير على التخاذل السياسي والعسكري مما اطلق نقاشاً عالمياً حول الصلة بين هذه القضايا.
المصالح الاميركية
غير ان "الخيار الانساني" سقط في الصومال. بدأت الاغاثة بارسال اكياس الرز ثم انحرفت العملية لتصبح مواجهة مع ابرياء. في مقديشو انقلب السحر على الساحر: صورة الجوع وفرت سبباً للتدخل وصورة الجندي الاميركي القتيل دفعت نحو الانسحاب. بدت الكاميرا شريكة في القرار السياسي، وهذا، ايضاً، من القضايا التي اثارت نقاشاً عالمياً خصباً. اما في هايتي فقد منع بضعة متظاهرين نزولاً "دولياً" يهدف الى "اعادة الديمرقراطية" وحصل ذلك في تزامن مع تبلور موقف بيل كلينتون الخطاب امام الجمعية العامة القائل بأن المهمة الاولى للسياسة الخارجية الاميركية هي "توسيع الديموقراطية". غير انه، كما في الصومال، لا يبدو ان ثمة استعداداً لدفع اي ثمن من اجل تنفيذ ادعاءات طالما ان المصالح الداخلية غير مهددة. ولذلك عندما يقول مسؤولون اميركيون ان الاولوية الفعلية في السياسة الخارجية هي لمنع انتشار الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل فانهم يكونون اكثر صدقاً لأن في هذا الانتشار ما قد يهدد المصالح الوطنية للولايات المتحدة او لحليف بها. وليس أدل على ذلك مما جرى في كوريا يحث وصل التهديد الى حد التلويح بحرب واسعة.
عالم يبحث عن اجوبة
بدا العالم في 1993 وكأنه يبحث عن نفسه، لم يرس بعد على صياغة جديدة لعلاقاته. لم يتشكل. انه عالم لا يملك اجابات على قضايا شديدة الاهمية. منها مثلاً، ما هي العلاقة الممكنة بين دول الشمال الصناعية وبين الصين الشعبية، انه بلد يملك طاقة بشرية هائلة وسلاحاً نووياً ونفوذاً اقليمياً ودولياً، وهو، اضافة الى ذلك، يحقق، ومنذ سنوات والى سنوات، نسبة نمو قد تجعل منه في خلال عقود صاحب اهم اقتصاد عالمي. تتأرجح العلاقات مع الصين بين "الاستيعاب" و"المقاطعة". وفي حين يبدو ان الخيار الاول يتقدم وصولاً الى الحديث عن "يالطا" جديدة مع بكين، تضغط قوي عديدة من اجل منع الصين من انتهاج سياسة مستقلة طالما انها تتحدث فقط عن "اقتصاد السوق الاشتراكي" وليس عن تعاون وثيق في المجال الخارجي.
اذا لم تكن الصين هي العدو فهل "الاسلام هو العدو". يلاحظ كثيرون في الغرب نقاط الاحتكاك بين مسلمين وغيرهم ويبرزون قضية القنبلة النووية الباكستانية، ويستندون الى تفجيرات نيويورك من اجل اطلاق صرخة الحرب ضد الاسلام والمسلمين. وفي حين يتجرأ مثقفون، مثل صموئيل هاتنغتون، على القول بأن الصراعات المقبلة هي صراعات بين الحضارات لا يجرؤ سياسيون على الذهاب الى هذا الحد ويكتفون، حتى الآن، بتوجيه الانظار نحو "الارهاب" واعادة تكييف المنظورات الاستراتيجية العامة تحسباً لمواجهات من هذا النوع. ان عام 1993 هو بالنسبة الى الغرب، عام وضع العالم الاسلامي تحت الرقابة الشديدة.
مضى عام يمكن ان يقال في وصفه انه عام التقاط الانفاص على صعيد دولي. تأتي، في سياق ذلك، حلول: كمبوديا، انغولا، انهاء التمييز العنصري في جنوب افريقيا، تقدم المانيا واليابان نحو لعب ادوار خارجية. وتأتي، في سياق ذلك ايضاً أزمات اقليمية لا حصر لها ونزاعات طائفية وأثنية محلية تضاف الى الملفات الكونية الكبرى: استمرار الخلل بين الشمال والجنوب، المخدرات، الامراض، عدم تنفيذ برنامج "الريوش لحماية البيئة الخ...
وفي هذا العالم المضطرب، ومع ان الاجماع قائم على الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة، ثمة اجماع على ان واشنطن لم تنجح في بلورة سياسة خارجية واضحة يمكن القياس عليها لتحديد موقف سواء كان معارضاً او موافقاً. ثمة فراغ كبير لا يملأه مزاج بيل كلينتون.
ان ملء هذا الفراغ هو مدخل للانتقال من "التقاط الانفاس" الى "نصاب" يمكن الاحتكام اليه. ويبقى ان هذا الانتقال بغض النظر عن مضمونه، افضل من البقاء في الوضع الحالي. وما يصح في السياسة يصح مثله في الاقتصاد. ان البقاء خارج هذا الاقتصاد المدول هو أضر وأخطر من حفظ مكان فيه حتى لو كان غير مناسب ولا يلبي الطموحات.
يدخل العالم عام 1994 حاملاً معه تساؤلات عديدة. تدل كثرتها على النهاية البائسة للحديث المتسرع عن "نهاية التاريخ" و"نشوء النظام الدولي الجديد". يكفي ان تكون الانتخابات الروسية والتوقيع على "الغات" على مفصل العبور من سنة الى اخرى لابراز ان العالم لا يزال يلهث وراء ... التقاط انفاسه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.