نجح الرئيس الأميركي بيل كلينتون، في تسجيل نقطة سياسية لصالحه ولصالح نجوميته، عندما أعلن عن عودة المفاوضات السورية - الاسرائيلية. انه يريد نجاحاً يصوره كرجل سلام أسهم في حل أعقد قضايا الشرق الأوسط، قضية الصراع العربي - الاسرائيلي. ولكن الرئيس الأميركي الذي ينجح في قضايا منطقتنا، يفشل في قضايا تولى هو إطلاقها، والترويج لها، والعمل لفرضها على عدد كبير من الدول، وبخاصة دول العالم الثالث. وأبرز هذه القضايا: معاهدة حظر التجارب النووية، واتفاقية تحرير التجارة العالمية الغات. لقد شكلت هاتان القضيتان أبرز أسلحة الهجوم الأميركي للسيطرة على العالم، فمن خلال حظر التجارب النووية يتم احتكار أميركا والغرب للقوة النووية العالمية، وتتمكن بعد ذلك من فرض قوتها العسكرية على الجميع، ولا يعود أحد قادراً على الخروج عن طاعتها، أو معارضة أوامرها. ومن خلال تحرير التجارة العالمية، يتم فتح أسواق العالم أمام السلع الأميركية والغربية، ويتم جني الأرباح الخيالية من أسواق لا حد لعدد المستهلكين فيها. ولا بد لتحقيق ذلك من اضعاف سيادة الدول، وتقوية نفوذ الشركات العملاقة، والتي تعمل في كل مكان من دون ان يعرف أحد هوية المالكين الحقيقيين لها. وبينما كان كلينتون يستعد لقطف ثمار هاتين القضيتين جاءته ضربة الفشل من داخل الولاياتالمتحدة الأميركية، ففي شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي رفض مجلس الشيوخ الأميركي التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وقبل أيام فشل مؤتمر منظمة التجارة العالمية المنعقد في سياتل بسبب احتجاجات نقابات وهيئات أميركية، رأت ان اتفاقية "الغات" تتيح لشركات ضخمة محدودة العدد ان تسحق مئات وآلاف الشركات الأخرى المتوسطة والصغيرة، في اميركا، وعلى مستوى العالم كله. وربما دفع الفشل في هاتين الجبهتين الرئيس الأميركي الى تكثيف جهوده للنجاح على صعيد الصراع العربي - الاسرائيلي. والطريف في الأمر، ان كلينتون، على رغم فشله أميركياً، سيستمر في مواصلة الضغط على العالم الثالث لقبول معاهدة الحظر واتفاقية "الغات". ولقد مر زمن كانت فيه الولاياتالمتحدة، تنتقد علاقات الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي مع دول العالم الثالث، بحجة أن هذه العلاقات مرتبطة دائماً بشروط يفرضها الاتحاد السوفياتي على الآخرين، أبرزها التأمين بعامة، وتأمين البنوك بخاصة. أما العلاقة مع أميركا والغرب فهي علاقة منفتحة، وتتم دائماً من دون شروط، ولكن الأمن دار دورته، وعاينا بأنفسنا كيف ان شروط أميركا والغرب هي أضخم بكثير من شروط الاتحاد السوفياتي. فإذا كان الاتحاد السوفياتي طالب دول العالم الثالث بتأميم البنوك كشرط لمنح المساعدات، فذلك كي لا تذهب أمواله الى الصناديق الأميركية. أما الولاياتالمتحدة فإنها تستعمل اوراقها بطريقة تجعل كل دولة صغيرة معرضة للاستباحة التجارية والاقتصادية الكاملة، من خلال الاصرار على فتح الأسواق، وتنحية الضرائب، والغاء قوانين الحماية للصناعات المحلية. كما ان الولاياتالمتحدة تطرح أفكاراً براقة مثل حقوق الإنسان، ولكنها تستعملها حسب مصالحها، فتتهم من تريد بأنه ينتهك حقوق الانسان حين يكون معادياً لسياستها، وتغض الطرف عمن تريد، ويصبح نجماً من نجوم حقوق الانسان حين يكون مؤيداً لسياستها. وقد بالغت الولاياتالمتحدة في تطبيق هذه السياسة على صعيد العالم، الى درجة ان دولتين من حجم روسيا والصين، تعلنان في بيانهما المشترك الصادر أمس رفضهما لاستعمال قضية حقوق الانسان في انتهاك حق السيادة للدول داخل أراضيها. لقد بدأت المعارضة لسياسات الاستباحة الاقتصادية تنطلق من أميركا ومن دول الغرب مؤتمر الاشتراكية الدولية، ولعل هذا يشجع دول العالم الثالث ان تواجه الارهاب الأميركي، وان ترفع صوتها دفاعاً عن مصالحها، فتقبل ما يناسب هذه المصالح، وترفض ما لا يناسبها.