حفلت دورة برشلونة الأولمبية الخامسة والعشرون بمفاجآت سبقت انطلاقها وقد اشرنا الى بعضها في اعداد سابقة، وواكبتها خطوة خطوة في شتى المجالات فشهدت سقوط مجموعة من النجوم امثال مات بيوندي وجانيت ايفانز وجينيفر طومسون في السباحة وليروي باريل ومارلين اوتي وكولين جاكسون وروجر بلاك في ألعاب القوى وسفتلانا بوجنسكايا وكيم زميسكال في الجمباز، والمصنفين العشرة الأوائل في كرة المضرب باستثناء الكرواتي غوردان ايفانيسيفيتش الا ان المفاجأة الكبرى كانت تألق القياصرة الجدد في اسرة الدول المستقلة ورثة الاتحاد السوفياتي سابقاً، وحصدهم مجموعة من الميداليات الذهبية فاقت كل التوقعات، وحسمت الأمر لصالحهم في احتلال المرتبة الاولى في دورة برشلونة قبل نهايتها بأيام، على اساس ان ما كتب قد كتب ولن يستطيع الاميركيون والألمان الذين يلهثون وراء عربة القياصرة المرصعة بثلاث وثلاثين ميدالية ذهبية ان يلحقوا بها. والواقع ان الولاياتالمتحدة خسرت بعض مواقعها في السباحة وفي ألعاب القوى وأهدرت ذهبيات كانت شبه مضمونة لها، فأصبحت لأسرة الدول المستقلة حيناً وللصين حيناً آخر. اما توحيد المانيا، بخلاف ما حصل في الألعاب الاولمبية الشتوية، فقد انعكس سلباً على اداء الرياضيين وأدى الى تقهقر الفريق الموحد في سباقات التجذيف والسباحة وألعاب القوى، ولعلّ مرد ذلك الى الحساسيات بين مدربي المانيا الغربية وألمانيا الشرقية، كما ان اتهام كاترين كرابه وسيلكه مولر وغريت بروير جميعهن من المانياالشرقية بتناول المنشطات ثم بتبرئة ساحتهن تركا جراحاً لم تندمل بعد. وفي تصريح السبّاحة الألمانية داغمار هازه التي احرزت ذهبية الپ400 متر سباحة حرة مرارة تكاد تطغى على حلاوة الفوز، جراء الاجحاف اللاحق بلاعبي المانياالشرقية سابقاً ومدربيها وسوء المعاملة التي يلقاها هؤلاء، وكذلك في اشارتها الى ايقاف زميلتها كريستين كراوس ومنع مدربها الحضور مع البعثة الرسمية لعدم الكفاءة، مما جعله يأتي الى برشلونة على نفقته الخاصة. أول ذهبية عربية أما العرب فلم تكن نتائجهم في برشلونة على قدر الآمال، الا انهم لم يعودوا منها صفر اليدين اذ استطاع العداء المغربي خالد سكاح ان يفتح الباب الذهبي المرصود، وأن يحرز الذهبية الأولى للعرب في هذه الدورة، ولكن لجنة العاب القوى جرّدته من ذهبيته بعد اتهامه بالتواطؤ مع مواطنه حمو بو الطيب على اعاقة منافسه العداء الكيني ريتشارد شيليمو. وقرار اللجنة هذا اقام برشلونة ولم يقعدها وأثار عاصفة من الاستنكار في المغرب وفي البلدان العربية وفي الاوساط الرياضية كافة كادت تفسد العرس الاولمبي.. وقد ثبت فيما بعد ان التهمة باطلة بعد اجتماع اللجنة التحكيمية للاتحاد الدولي لألعاب القوى برئاسة بريمو نيبيولو وإلغائها القرار الجائر وإعادتها الحق الى صاحبه… وهذا التصرف احاط بالشكوك صدقية اللجنة الاولمبية الدولية وسلوكها إذ بدت كما لو انها تستعدي المغرب بصورة خاصة والعرب بصورة عامة، وقد يكون تصرفها محاولة للنيل من المغرب بعد الحملة القاسية التي شنها على اللجنة الاولمبية الدولية إثر فشله في استضافة كأس العالم في كرة القدم عام 1998. وفي تصريح العداء الايطالي سالفاتوري أنتيبو الذي منح البرونزية بعد شطب نتيجة سكاح ما يغني عن كل تعليق اذ قال "سكاح هو الاقوى وشيليمو هو الثاني وأبيبي هو الثالث، وانا لا استحق البرونزية". وتجدر الاشارة الى ان بعثة قطر الى اولمبياد برشلونة تستحق التنويه، فقد استطاع الفريق القطري في كرة القدم ان يتأهل للدور ربع النهائي وهذا بحد ذاته انجاز جيّد لأنه الفريق العربي الوحيد الذي بلغ هذه المرحلة. كما ان عدائي قطر حققوا نتائج طيبة قياساً الى عدد السكان وإلى حداثتهم في المشاركات الاولمبية، فكاد العداء طلال منصور ان يكون اول عربي يشارك في نهائيات الپ100 متر بعدما حل خامساً في نصف نهائي هذا السباق. كما ان العداء ابراهيم اسماعيل حلّ اولاً في المجموعة التاسعة لسباق 400 متر امام العداء البريطاني روجر بلاك مسجلاً 21،45 ثانية. حصة الأسد لشيربو وقد شهدت دورة برشلونة تألق نجوم استطاعوا بمثابرتهم العظيمة وكفاءتهم العالية وتقنيتهم المتطورة ان يفرضوا انفسهم في عداد الابطال المميزين، وفي طليعة هؤلاء بطل الجمباز البيلوروسي فيتالي شيربو الذي حصد ست ميداليات ذهبيات: الفرق، والمسابقة العامة للفردي، والحلق، وحصان الحلق، وحصان القفز، والمتوازيين. ولولا فشله في احراز ذهبية الحركات الارضية لكان عادل الانجاز الخارق الذي حققه الاميركي مارك سبيتز عندما احرز سبع ميداليات ذهبية في السباحة في دورة ميونيخ 1972. ويمكننا القول ان شيربو فاز بحصة الأسد وهو من مواليد 1972 في مينسك، وقد حلّ ثانياً في بطولة العالم للجمباز في انديانا بوليس 1991 وثالثاً في بطولة اوروبا هذا العام. والسبّاحة المجرية كريستينا إيغرتشيغي فرضت نفسها مجدداً على دورة برشلونة، اذ احتفظت بذهبيتها من دورة سيول في سباق 400 متر سباحة متنوعة مسجلة 54،36،4 دقيقة وهو رقم اولمبي جديد، كما فازت بپ1000 متر سباحة ظهراً وأحرزت ذهبية 200 متر سباحة ظهراً ايضاً. وتألق ايضاً السباح الروسي يفغيني سادوفي الذي فاز بثلاث ذهبيات ايضاً، وذلك في سباق 200 متر سباحة حرة مسجلاً 70،46،1 دقيقة وهو رقم أولمبي جديد، وفي سباق 4 X 200 متر سباحة حرة حيث سجّل مع زملائه ديمتري ليبيكوف وفلاديمير بيتيشينكو وفنيامين تايانوفيتش رقماً عالمياً هو 95،11،7 دقيقة، وفي سباق 400 متر سباحة حرة مسجلاً رقماً عالمياً مقداره 45،3 دقيقة مع انه خضع قبل مشاركته في دورة برشلونة لجراحتين خلال هذا العام… واحتفظت الاميركية جاكي جوينر كيرسي بلقبها في المسابقة السباعية التي تشمل الپ100 متر حواجز والپ800 متر والوثب العالي ورمي الكرة الحديد والوثب الطويل ورمي الرمح والپ200 متر، وقد جمعت 42،7 نقطة علماً انها صاحبة الرقم العالمي لهذه المسابقة وقد سجلته في دورة سيول 1988 جامعة 7291 نقطة. أسرع عدّاء في العالم وتوّج العداء البريطاني لينفورد كريستي اسرع رجل في العالم بعد إحرازه ذهبية الپ100 متر مسجلاً 96،9 ثانية امام الناميبي فرانكي فريدريكس 02،10 ثانية والاميركي دنيس ميتشل 04،10 ثانية، بينما حل الاميركي ليروي باريل الذي كان مرشحاً للفوز بهذا السباق خامساً. وكريستي هو من مواليد سانت اندروز في جامايكا 1960 وله سجل رياضي حافل بالامجاد، فقد احرز فضية الپ100 متر في دورة سيول كما احرز فضية سباق التتابع 4 X 100 متر في الدورة ذاتها، وحلّ ثالثاً في بطولة العالم في روما 1987 في سباق الپ100 متر ورابعاً في بطولة العالم في طوكيو 1991.. واحتل المرتبة الاولى في بطولة اوروبا 1986 و1990 في سباق الپ100 متر وحل ثالثاً في سباق الپ200 متر وثانياً في سباق التتابع 4 X 100 متر في بطولة أوروبا 1990، وجاء انتصاره في برشلونة تكريساً للجهد والمثابرة في التدريب. وسام الصبر والشجاعة وفجّرت العداءة الاميركية غيل ديفرز روبرتس مفاجأة صاعقة في سباق الپ100 متر، اذ حلّت اولى مسجلة 82،10 ثانية امام مجموعة من المرشحات للفوز بذهبية هذا السباق وفي طليعتهن مارلين اوتي الملكة التي لم يتسن لها بعد ان تتوج رسمياً، اذ عاندها الحظ في برشلونة كما عاندها من قبل في بطولة العالم في طوكيو الصيف الماضي فاكتفت بالمركز الخامس هي التي كان ذهب برشلونة في متناول يدها بعد غياب غريمتها الألمانية كاترين كرابه… وقد حلت ثانية في هذا السباق الكندية جولييت كاتيرت 83،10 ثانية، وجاءت ثالثة ايرينا يريغالوفا من اسرة الدول المستقلة 84،10 ثانية… وفوز ديفرز بلقب اسرع عداءة في برشلونة يلامس المعجزات، لأنها قبل ثمانية عشر شهراً كانت تواجه خطر بتر ساقيها إثر مرض حيّر الاطباء وحوّل حياتها جحيماً.. وهذا الفوز دليل قاطع على ان ارادة المقاومة لديها استطاعت ان تحولها من انسانة مرشحة لأن تكون معاقة الى بطلة خطفت الاضواء في برشلونة… وقد كان لرعاية والدها ولجهود مدربها بوب كريسي، زوج جاكي جوينر بطلة المسابقة السباعية، فضل في انتصارها على المرض وفي عودتها المظّفرة الى ميادين الرياضة وفي انتزاع الفوز الذي تستحقه بمقدار ما تستحق وسام الصبر والشجاعة. وغيل ديفرز من مواليد سياتل 1966 خرجت من التصفيات نصف النهائية في دورة سيول الأولمبية 1988 في سباق 100 متر حواجز. وحلّت ثانية في بطولة العالم في طوكيو 1991 في السباق ذاته. "الفريق الحلم" وإلى جانب هؤلاء النجوم لا يمكننا ان نغفل فريق الولاياتالمتحدة لكرة السلة اي الذي اطلق عليه اسم "الفريق الحلم"، فقد سرق الاضواء من ابطال السباحة وألعاب القوى والجمباز وكسف بريق النجوم في سائر الرياضات. ولعل مرد ذلك الى ان اللجنة الاولمبية الدولية سمحت للمرة الاولى بمشاركة لاعبي كرة السلة المحترفين في دورة برشلونة، علماً ان نتائج كرة السلة في الدورات الاولمبية السابقة لم تكن تعكس دائماً حقيقة موازين القوى في هذه اللعبة اذ نجح الاتحاد السوفياتي سابقاً في انتزاع الميدالية الذهبية من الولاياتالمتحدة غير مرة مع ان الفارق في المستوى شاسع لصالح الاخيرة. و"الفريق الحلم" هو الفريق الذي يحلم اي مدرب في العالم ان يتولى الاشراف عليه لأنه يضم في صفوفه نخبة من ابرز نجوم كرة السلة في الدوري الاميركي امثال ماجيك جونسون ومايكل جوردان وتشارلز باركلي ولاري بيرد وبات يونيغ ومايكل روبنسون وسواهم من عمالقة اللعبة، حتى ليحار المدرب اي تشكيلة يختار لمواجهة المنتخبات المنافسة مع ان احتياط الفريق الاميركي قادرون على الحاق الهزيمة بأي منتخب يتم اختياره من نجوم العالم كافة وبفارق ملحوظ. النتيجة محسومة سلفاً وقد تولى اللاعب الفذ ماجيك جونسون حامل فيروس الايدز قيادة الفريق بعدما اصرّ الاميركيون على اشراكه في دورة برشلونة، على رغم اعتزاله تقديراً لسجله الكروي الحافل بالانجازات. وفاز "الفريق الحلم" بجميع المباريات التي خاضها فهزم منتخب انقولا بپ611 - 48، وبعد ان كانت النتيجة 7 - 7 في الدقيقة الخامسة من الشوط الأول شهد الملعب "مجزرة" كروية اذ لم يستطع منتخب انفولا ان يسجل حتى الدقيقة الثامنة عشرة الا نقطة واحدة بينما سجل الفريق الاميركي 46 نقطة لتصبح النتيجة 53 - 8. وفاز الاميركيون على المنتخب الكرواتي بپ103 - 70 وعلى المنتخب الألماني 111 - 68 وعلى المنتخب البرازيلي 127 - 83 وعلى المنتخب الاسباني 121 - 81 وعلى منتخب بورتوريكو 115 - 77، وأدهشوا المشاهدين بتمريراتهم الرائعة وأدائهم الساحر، وقد غلب على مبارياتهم طابع اللعب الاستعراضي لغياب المنافسة الجدية وهكذا وفروا المتعة لملايين المشاهدين ولكنهم حرموهم الإثارة لأن النتيجة كانت محسومة سلفاً… وسيكون لنا مع القراء في العدد القادم دراسة مفصلة عن نتائج دورة برشلونة وعن مراكز القوى الجدىدة فوق خريطة الرياضة العالمية ومن موقع العرب وتحديات المستقبل. جائزتا ترضية للعرب أحرز كل من الطبيب الكويتي محمد جاسم القعيمي 26 عاماً والطبيب المصري عمر دياب 26 عاما وهو غير المطرب المعروب عمرو دياب ميدالية برونزية في لعبة التايكواندو - لعبة غير رسمية - في دورة برشلونة الاولمبية. وقد احرز القعيمي ميداليته في وزن فوق الخفيف، أقل من 76 كلغ ... في حين أحرز دياب ميداليته في الوزن الثقيل لما فوق 83 كلغ ... ألف مبروك.