اذا كان هناك تقدم في مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، فإن هذا التقدم اقتصر على المسائل الاجرائية: لقد تم تأكيد وتثبيت وجود مسار فلسطيني - اسرائيلي منذ الجولة الرابعة للمفاوضات في واشنطن، واصبح بالتالي ممكناً للوفد الفلسطيني ان يجلس الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل كوفد مستقل. لكن، في المقابل، لم يحصل اي تقدم في المسائل الجوهرية المتعلقة بالنزاع العربي - الاسرائيلي بسبب حرص كل من الطرفين المتفاوضين، العربي والاسرائيلي، على طرح وجهة نظره والتمسك بها، ما يدفع الطرف الآخر الى رفضها. ويصح القول ان مفاوضات السلام هي حالياً في "مأزق" ولا ادري، ولا يدري اي من زملائي رؤساء الوفود العربية كيفية الخروج من المأزق اذا استمر الجانب الاسرائيلي في رفض التخلي عن مواقفه المتعنتة، ورفض فتح الطريق امام حوار بناء يسهل التوصل الى حل على اساس القرارات الدولية التي اصدرتها الأممالمتحدة على مدى السنوات الماضية. ان من شأن موقف اسرائيلي ايجابي فتح الطريق امام اقامة سلطة فلسطينية موقتة والتفاوض على ترتيبات لقيام سلطة انتقالية. وبتصوري انه ربما امكن انجاز هذا الموضوع في فترة زمنية قصيرة نسبياً بالمقارنة مع الفترة التي حددها البعض او توقعها البعض الآخر. ولا شك ان اول خطوة اسرائيلية ايجابية مطلوبة من قبلنا، بل وسنصر على ان تكون الاساس في المستقبل، هي ضرورة احترام اسرائيل لمبادئ حقوق الانسان كما نصت عليها اتفاقات جنيف وكل القرارات الدولية التي تدعم ذلك. وعند الحديث عن سلطات الحكم الانتقالي يجب ان يقتنع الجانب الاسرائيلي بل يقبل بأنه لا بد ان يتم تحديد السلطات الفلسطينية المعنية عن طريق الانتخاب، وان يكون لهذه السلطات صلاحية التشريع كي نتخلص من القوانين المميزة ضد المواطنين تحت الاحتلال وإنهاء معاملة المستوطنين اليهود بقانون، والمواطنين الآخرين بقانون آخر. ومع ان اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي لا يبدو تواقاً الى السلام، بدليل التصريحات التي يطلقها ويشدد فيها على تمسكه بالضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشروطه للانسحاب من جنوبلبنان، فإن من الخطأ الاعتقاد ان التفاوض مع حزب العمل الاسرائيلي برئاسة اسحق رابين سيكون امراً سهلاً. وما اعرفه ويعرفه غيري عن حزب العمل انه اول حزب بدأ سياسة الاستيطان في الاراضي المحتلة، وانه لا يوافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة ويرفض الانسحاب الكامل من الاراضي العربية المحتلة. واسحق رابين يؤمن بمبادئ حزبه هذه. وإذا كانت السنوات الاخيرة والظروف الدولية التي تغيرت بصورة جذرية اثرت على اسحق رابين ودفعته الى القول في برنامجه الانتخابي انه مستعد لوقف عملية الاستيطان او تجميدها، وهو امر على درجة كبيرة من الاهمية بالنسبة الى عملية السلام، اضافة الى قوله بأنه مستعد لاعطاء نوع من انواع الحكم الذاتي او السلطة الموقتة للفلسطينيين، فإن ذلك بتقديرنا أمر يدعو الى الاعتقاد بأن هناك فرصة للحديث عن السلام بل ولإحراز تقدم من خلال التفاوض الايجابي والبناء. ومثل هذا الكلام يقودنا الى القول ان ما يميز حزب العمل المعارض عن تكتل الليكود الحاكم حالياً بزعامة اسحق شامير هو ان العمل ابدى استعداده لوقف عملية الاستيطان من دون ان يحدد الأسس التي سيستند عليها في قراره، فيما الليكود مصر على رفض وقف بناء المستوطنات، وأكثر من ذلك فانه يضع الخطط والمشاريع لبناء مستوطنات جديدة. وفي هذا السياق تلعب الولاياتالمتحدة، باعتبارها راعية مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، دوراً رئيسياً في ايجاد الاجواء الملائمة لاحراز تقدم في المسيرة التي بدأت في مدريد. ولقد سمعنا من المسؤولين الاميركيين وفي مقدمتهم الرئيس جورج بوش ووزير الخارجية جيمس بيكر كلاماً يعكس الحرص على انجاح المسيرة السلمية ودفعها الى الأمام. وهذا يدعونا الى القول ان واجب بل مصلحة الولاياتالمتحدة، باعتبارها الدولة العظمى الوحيدة في العالم بعد زوال الاتحاد السوفياتي، هي في ان تهتم بانجاح المفاوضات العربية ? الاسرائيلية وتمنع فشلها. ولقد قمنا كفلسطينيين، وكوفد مفاوض في عملية السلام، من خلال عرضنا لفهمنا للمسيرة السلمية وبالصيغة التي حددتها القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني المتمثلة بمنظمة التحرير، بتخطي كل عقبة للشروع بالمفاوضات. وعلى الولاياتالمتحدة وإدارتها ان تعمل بجدية من اجل الضغط على اسرائيل لتغيير موقفها والقبول بقرارات الشرعية الدولية. وليس سراً القول ان الولاياتالمتحدة هي على بينة من مواقف كل الاطراف المعنية في المسيرة السلمية، وليس موقف الادارة الاميركية الحالية من القروض المصرفية التي طلبتها حكومة شامير الا مؤشراً على معرفة الولاياتالمتحدة بأن اسرائيل غير مكترثة بارادة المجتمع الدولي، وأن عدم الاكتراث هذا قد تكون له آثاره السلبية على موقع وموقف الولاياتالمتحدة من النظام العالمي الجديد الذي رسمت خطوطه العريضة خلال العامين الماضيين. ان موقف الولاياتالمتحدة من الضمانات المالية التي طلبتها اسرائيل كان بلا شك مؤشراً مهماً وأعطى قدراً من المصداقية للجدية الاميركية في التعامل مع مسيرة السلام والحرص على نجاحها من خلال ارغام اسرائيل على تجميد عملية الاستيطان، لأن الفلسطينيين اشاروا في اكثر من مناسبة ان لا قيمة للاستمرار في المفاوضات من جانبهم اذا كانت اسرائيل ستواصل بناء المستوطنات، اذ سيأتي اليوم الذي لا تعود هناك فيه ارض للتفاوض عليها. والكلام الاسرائيلي عن الارض العربية والفلسطينية، كالقول انها اسرائيلية كلام غير مقنع وليس مبرراً كافياً للاحتفاظ بأرض عاش عليها اجدادنا وآباؤنا وورثناها اباً عن جد. وليس خافياً على احد ان مثل هذه الاقاويل والمزاعم الاسرائيلية لم تعد تجد الصدر الرحب في اوساط المجتمع الدولي، بعد ان بات الصوت الفلسطيني مسموعاً في ارجاء المعمورة، بفضل الدور الذي لعبه كل قطاع من قطاعات شعبنا وانعكس على جاهزية وتنظيم وفدنا التفاوضي وحسن إدائه وتناسقه اثناء سير العملية التفاوضية مع الوفد الاسرائيلي، وتعاونه مع اشقائه في الوفود العربية الاخرى خلال مسيرة السلام. * رئيس الوفد الفلسطيني الى مفاوضات السلام.