أمير القصيم يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    هل تؤثر ملاحقة نتنياهو على الحرب في غزة ولبنان؟    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 44211 شهيدًا    برنامج الغذاء العالمي: وصول قافلة مساعدات غذائية إلى مخيم زمزم للنازحين في دارفور    موعد مباراة الهلال ضد السد في دوري أبطال آسيا    الجوال يتسبب في أكثر الحوادث المرورية بعسير    المعرض السعودي الدولي للحرف اليدوية "بنان" يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين في نسخته الثانية    سعود بن نايف يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    أمير الرياض يفتتح المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    موقف توني من مواجهة الأهلي والعين    «هيئة الإحصاء»: ارتفاع الصادرات غير النفطية 22.8 % في سبتمبر 2024    تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي في الرياض    "يلو 11".. ديربي حائل وقمم منتظرة    في أقوى صراع الحريق يشعل منافسات براعم التايكوندو    "السجل العقاري" يبدأ تسجيل 90,804 قطع عقارية بمدينة الرياض والمدينة المنورة    التدريب التقني والمهني بجازان يفتح باب القبول الإلكتروني للفصل الثاني    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    "الصندوق العقاري": إيداع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر نوفمبر    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    القِبلة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    توقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج ..وزير الصناعة: المحتوى المحلي أولوية وطنية لتعزيز المنتجات والخدمات    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    مشكلات المنتخب    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    المدى السعودي بلا مدى    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    جمعية تآلف تحتفل باليوم العالمي للطفل بفعاليات ترفيهية وبرامج توعوية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اللعبة السياسية الجديدة" لقيادة "حزب الله" في لبنان
نشر في الحياة يوم 02 - 03 - 1992

تمارس قيادة "حزب الله" في لبنان "لعبة سياسية جديدة" يمكن تسميتها "لعبة الواقعية" والهدف الاساسي منها محاولة الحفاظ على وجود لهذا الحزب المرتبط بايران وسط التغييرات السياسية التي يشهدها لبنان والمنطقة. وهذه "اللعبة السياسية الجديدة" فرضتها عوامل عدة ابرزها اعتراف ايران بأنها لا تستطيع ان تؤسس دوراً بديلا للدور السوري في لبنان، وسيطرة "تيار الدولة" في طهران على التيار المتشدد، وايضا حرص حزب الله على تجنب المواجهة مع السوريين في الساحة اللبنانية. فما هي هذه "اللعبة السياسية الجديدة" التي يمارسها حزب الله حاليا؟ وما هي استراتيجية قيادته؟ هذا التحقيق يجيب عن هذه التساؤلات ويسلط الاضواء على ما يجري في قيادة هذا الحزب.
انتخاب السيد حسن نصر الله بالاجماع اميناً عاماً لحزب الله خلفاً للسيد عباس الموسوي الذي اغتالته اسرائيل وزوجته وطفلهما وهو في طريق عودته من بلدة جبشيت - قضاء النبطيه - الى بيروت، بعد ان رعى احتفالاً اقيم هناك بمناسبة ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب، تمّ على وجه السرعة، وقبل ساعات على تشييع سلفه الى مسقط رأسه في بلدة النبي شيت بعلبك - الهرمل - جاء ملفتاً للانظار وان لم يكن مخالفاً للتوقعات التي كانت ترجح اختياره..
اما لماذا انتخب بهذه السرعة، وطلب الى الامين العام الاسبق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، ان يتولى اعلان انتخاب السيد نصرالله اميناً عاماً للحزب، اثناء حفل التشييع الذي اقيم لسلفه الراحل في بلدة النبي شيت، فهناك من يعزو السبب الى امور عدة، ابرزها:
- ان قيادة "حزب الله" قررت الخروج من الصدمة التي اصابتها من جراء اغتيال السيد عباس الموسوي، بغية قطع الطريق على الذين يحاولون الاستفادة من عامل الوقت وتوظيفه في حال تقرر تأجيل اختيار الخلف، اقلها الحديث عن خلافات داخل قيادة الحزب هي وراء تأخير الاتفاق على الامين العام الجديد.
- ان قيادة "حزب الله" ارادت ان تظهر للرأي العام بانها خرجت من الكارثة التي اصابتها باغتيال امينها العام السيد عباس الموسوي متماسكة وبالتالي فهي تملك القدرة على السيطرة على قواعد الحزب ومناصريه.
وهنا يقال ان ايران لعبت دوراً، عبر الوفد الرسمي الذي اوفدته الى بيروت للاشتراك في تشييع جثمان الموسوي، في لملمة الوضع واظهار تماسك "حزب الله". وكان لها ما ارادت بتأمين اجماع حول شخص السيد حسن نصرالله، الذي يصنّف في عداد المتشددين من دون ان يقطع مع تيار المعتدلين الذي تربطه به صلة وثيقة تجلت في الماضي بالوقوف الى جانب عباس الموسوي في وجه الشيخ صبحي الطفيلي، عندما انتخب الاخير اميناً عاماً للحزب بعد تعادلهما في الاصوات، وكان ل "الصوت الايراني" الدور الاول والاخير في ترجيح كفة الشيخ صبحي الطفيلي.
والسيد حسن نصرالله، وهو رابع امين عام لحزب الله، بعد السيد ابراهيم الامين والشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي، كانت تربطه علاقة حميمة بسلفه بدأت في مدينة النجف وامتدت الى البقاع حيث تابع علومه الدينية في الحوزة التي انشأها السيد الموسوي، وكان واياه من مؤسسي "حزب الله"، بعد انسحاب الامين العام الجديد من حركة امل في اوائل الثمانينات..
ويعرف عن السيد نصرالله وهو اصغر اسلافه سناً ومن مواليد بلدة البازورية - قضاء صور - عام 1958، بأنه واحد من اهم الذين اقاموا علاقات متينة بالقيادة الايرانية، وسبق له ان امضى ما بين عامي 1988 و1989 فترة طويلة في طهران، وتردد على مدينة قم لمتابعة علومه الدينية، قبل ان يعيّن مسؤولاً لشؤون الامن والدفاع، عموما اختير عباس الموسوي اميناً عاماً لحزب الله خلفاً للطفيلي. كما يعرف عنه بانه الرجل الحديدي والمنضبط في آن معاً داخل "حزب الله"، فهو نجح في استمالة الجسم العسكري وكسب مودته، وأقام مع عناصر "المقاومة الاسلامية" في الجنوب لكنه لم يكن له اطلالة على العالم السياسي الآخر، اي ان صورته عند الآخرين ظلت مكتومة، ولم يذكر انه شارك في اي نشاط او لعب اي دور خارج "التنظيم"..
والحديث عن شخص حسن نصرالله يبقى في اطار العموميات، لرغبته في العمل بصمت من ناحية والى انكفاء حزب الله في اقامة علاقات سياسية خارج الدائرة الاصولية من ناحية ثانية، ولم يشذ عن هذه القاعدة الا عباس الموسوي الذي نجح في اخراج الحزب الى العلن ولعب دوراً في تحقيق فك اشتباك بين الحزب والساحة الشيعية، وبالتحديد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وحركة "امل"..
وقد يكون من الصعب، اتمام تعريف متكامل عن حسن نصرالله، لكن ما يمكن قوله منذ الآن ان تحمله مسؤولية قيادة حزب الله في هذا الظرف الدقيق، سيضطره الى ممارسة دوره في العلن وقد يكون غير السيد حسن نصرالله عندما كان عضواً في مجلس الشورى وهو اعلى سلطة في حزب الله.. وبمعنى آخر فان سياسة التشدد التي اتبعها في علاقته بكوادر ومحازبي حزب الله، لا يمكن ان تبقى هي السائدة اذا ما اراد "تقليد" سلفه الذي قاد الحزب وفي يقينه ان استمراريتة مرهونة بالحفاظ على علاقة متوازنة بكل من دمشق وطهران لم تكن موجودة من قبل او ملحوظة من جانب ممن تعاقبوا على الامانة العامة للحزب..
"لبننة" حزب الله
عندما اغتيل السيد عباس الموسوي، كان نجح في قيادة حزب الله على طريق اللبننة، وعلى خلاف الآخرين حيث كان ينظر في حينها الى حزب الله على انه "جالية ايرانية" يريد تطبيق التجربة المعتمدة في طهران بحذافيرها وغير مسموح له بالخروج عن النص بهدف التكيف مع خصوصيات الساحة اللبنانية..
ويبقى السؤال المطروح: لماذا نجح السيد عباس الموسوي في جر الحزب الى اللبننة، وهل ان نجاحه يعود الى قدراته الذاتية ام ان الانفتاح التدريجي الذي بدأت تتبعه طهران منذ مدة اتاح له الاستفادة منه وتوظيفه على نحو يقود حزب الله الى دائرة الضوء السياسي؟
يجيب على هذا السؤال، عدد من الذين ارتبطوا بعلاقات وطيدة مع السيد عباس الموسوي بقولهم انه كان واحداً من الذين يجيدون الخطاب الاصولي من على منابر حزب الله، وفي الوقت نفسه كان يعرف متى يجب الاعتدال والتصرف بواقعية.. اي متى يوالي في خطابه الرسمي، ومتى يعتدل في ممارساته وتعاطيه مع المستجدات على الساحة اللبنانية..
وهنا يقول احد الوزراء البارزين، ممن اختبروا عباس الموسوي في اللحظات العصيبة التي كانت تتطلب مواقف واضحة وحاسمة، انه "لم يكن متشدداً او منغلقاً على نفسه، بل كان يأخذ ويعطي وكنا لا نجد مشكلة في التوصل معه الى قواسم مشتركة على الرغم من معارضته لاتفاق الطائف...". ويضيف احد الوزراء: "عندما جالت اللجنة الوزارية المؤلفة من الوزيرين محسن دلول والبير منصور، على الاطراف اللبنانية وغير اللبنانية، بتكليف من مجلس الوزراء للبحث معها في تنفيذ قراراته المتعلقة بحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتجميع السلاح الثقيل، ونشر الجيش اللبناني في بيروت الكبرى وكل منطقة جبل لبنان، كان لا بد لها من القيام بزيارة عباس الموسوي للتأكد من مدى تجاوبه حيال تنفيذ هذه القرارات.. وقد اضطرت لجنة الوزيرين، الى عقد لقاءات عدة مع الموسوي، وكانت الاجتماعات تبدأ بتسجيل المواقف المبدئية مغلفة برفض بعض القرارات وتنتهي بالتوافق التام والشامل..
ولم يكن الموسوي في عداد الرافضين، بقدر ما كان ينجح في ادارة المفاوضات ويضطر احياناً الى الرفض لاستيعاب من يشاركه من قيادة الحزب في الاجتماعات، ويمتنع عن توديع الوزيرين دلول ومنصور قبل ان يقف واياهما على كل الحيثيات والتفاصيل.. حتى ان الموسوي، كان يبدي كل تجاوب في ما يتعلق بالشق الامني من اتفاق الطائف، لاعتقاده ان على حزب الله الموافقة على شروط انهاء الحرب والترتيبات الموضوعة من قبل مجلس الوزراء، والاحتفاظ في المقابل بحقه في المعارضة الديموقراطية لاتفاق الطائف كنص سياسي يجيز للبنان الانتقال من الجمهورية الاولى الى الجمهورية الثانية.
ولم يرفع حزب الله تحت قيادة عباس الموسوي السلاح بوجه تطبيق اتفاق الطائف، واحتفظ بحقه في مقاومته من دون ان يجيز لنفسه الاطاحة بقوة السلاح او بالدعوة الى اعلان الحرب على اتفاق الطائف، انسجاماً مع الدعوات التي كانت تصدر من حين الى آخر على لسان "التيار المتشدد" في طهران.
وتبقى المحطة الاهم في تاريخ الحقبة التي امضاها عباس الموسوي على رأس قيادة حزب الله، تلك المتعلقة بالخطوات التي قطعها على طريق الانتقال بعلاقات حزب الله الداخلية الى مرحلة التطبيع، على انقاض صراعاته الدموية مع حركة امل، ومن قبله مع اليساريين اللبنانيين، وخلافه السياسي مع المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى. فحين اختير السيد الموسوي اميناً عاماً لحزب الله في تشرين الاول اكتوبر عام 1990 كانت علاقات حزب الله شبه مقطوعة مع كل من حركة امل والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ومعدومة مع الدولة اللبنانية وعادية مع اطراف محلية باستثناء الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض الفصائل الفلسطينية والتيارات الاصولية الموجودة في الشمال وفي صيدا عاصمة الجنوب حيث اقام معها تحالفات لم تتعثر. اما علاقة حزب الله بدمشق فلم تكن طبيعية، لئلا نقول متوترة، بسبب التباين في النظرة الى مستقبل الوضع في لبنان والصراعات الدموية المتنقلة في الجنوب والضاحية الجنوبية وبيروت والبقاع ما بين حزب الله وحركة "امل" التي تعتبر حليفة سورية في لبنان.
ولم تفلح اللجنة الرباعية التي شكلت في السابق وكانت تضم ممثلين عن دمشق وطهران وحزب الله وحركة امل في تثبيت سلم دائم بين الطرفين الشيعيين على الساحة اللبنانية، حتى انها لم تفلح في انهاء كل اشكال التوتر، الى ان جاء اتفاق الطائف وقررت سورية اعتماد "الحكومة اللبنانية" كمرجعية للنظر في الخلافات وتسوية ذيولها ومضاعفاتها.
وربما استفاد السيد عباس الموسوي من التقارب السوري - الايراني، على رغم ما كان يشوبه في تحقيق فك اشتباك بين حزب الله من ناحية وبين حركة امل والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى من ناحية ثانية، حيث بدأت العلاقات الشيعية - الشيعية تتعافى، واستعيض عن الحروب المفتوحة بلقاءات دورية تطرح فيها المشاكل اللبنانية على بساط البحث ويغلب على المناقشات طابع تقدير ظروف لبنان واحتياجاته الضرورية بصرف النظر عن الظروف الاقليمية والدولية.
تراجع المتشددين الايرانيين
وهنا لا نخفي الدور الذي لعبه ويلعبه السيد محمد حسين فضل الله، الذي يعتبر المرشد الاول والاخير للتيارات الاصولية في لبنان، والذي ساهم من بعيد في دفع حزب الله الى اتباع سياسة واقعية، اقلها انها اوقفت الحروب الشيعية - الشيعية.
وباختصار فان عباس الموسوي، نجح في ان ينتقل بحزب الله، من جبهة الحرب المفتوحة بوجه حركة امل والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، الى اقامة مشروع جبهة لوقف الحروب الشيعية، بعد ان قطع شوطاً على طريق اعادة تأسيس علاقات حزب الله بسورية، التي كانت لديها جملة من الملاحظات على مواقفه وممارساته، لكنها لم تبادر الى طرحها في العلن لاعتقادها انه لا يجوز الانجرار وراء جوقة المطالبين برأس حزب الله..
وعندما امتنعت دمشق في اكثر من مناسبة عن الانجرار وراء دعوات الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، الى ضرب حزب الله في لبنان، على الرغم من الملاحظات التي تبديها على مواقفه السياسية وممارساته، فان امتناعها انطلق من عدم التفريط بورقة "المقاومة" التي يشكل حزب الله قوة اساسية داخلها، باعتبار ان المقاومة امر لا بد منه طالما ان اسرائيل ماضية في احتلالها لقسم من الجنوب والبقاع الغربي..
ومما لا شك فيه، ان حزب الله يستفيد من الموقف السوري على هذا الصعيد، ويحاول في اكثر من مناسبة اظهار نفسه وكأنه على تباين مع دمشق، لكنه سرعان ما يعود الى "ترويض" مواقفه بحيث لا تتعارض مع التوجهات السورية في لبنان. حتى ان حزب الله لم يعلن الحرب على اتفاق الطائف ولم يدخل في مواجهة عسكرية ضد ادواته التنفيذية لاعتقاده ان مثل هذه الحرب ستعرّضه الى مشاكل مع سورية التي تتولى رعاية تطبيق وتنفيذ الاتفاق. وهكذا تعامل حزب الله بواقعية مع اتفاق الطائف تجنبا لمواجهة مع سورية.
وهناك من يقول بان مجموعة من العوامل تداخلت في ما بينها، لتلعب دوراً في ادخال حزب الله في اجواء اللبننة، ولو من موقعه المعارض، انسجاماً مع طروحاته السياسية وخطابه الذي ما يزال على تناغم وتفاعل مع "الخطاب الايراني". ومن بين هذه العوامل:
- ادراك طهران ان لسورية دوراً اساسياً وفاعلاً في لبنان، ولم يعد بمقدورها تأسيس دور بديل للدور السوري، خصوصاً بعدما قررت منظمة التحرير الفلسطينية الخروج من اتون الحرب اللبنانية وراحت تنسج علاقات جديدة بكل الاطراف بدءاً بالدولة اللبنانية..
- سيطرة تيار الدولة في ايران على التيار المتشدد الذي لم يكن امامه سوى الاحتفاظ بادبياته السياسية من دون مقاومة سياسة القيادة الايرانية التي خطت خطوات لا بأس بها على طريق اعادة النظر في علاقاتها بجيرانها من الدول العربية، في اعقاب انتهاء الحرب الايرانية - العراقية.
- ان الخلاف بين تيار الدولة والتيار المتشدد في ايران، لم يكن قائماً على وجود تباين في وجهات النظر حيال الوضع السياسي في لبنان بقدر ما ينطلق من رغبة "تيار الدولة" بالامساك بالورقة اللبنانية وانتزاعها من ايدي المتشددين لا سيما وان سياستهم كانت تحول دون انفتاح ايران على لبنان.
- مبادرة طهران الى مراجعة حساباتها، بحيث نجحت في اعادة النظر في علاقاتها بالساحة اللبنانية التي لم تعد تقتصر على التيارات الاصولية، وحزب الله بالدرجة الاولى، على الرغم من اتصالها المتميز به، اذ بدأت منذ فترة بنسج علاقات طبيعية مع الدولة اللبنانية، حتى انها قامت بتوظيف هذه العلاقات بوجه التيار المتشدد ووجهت دعوات الى اطراف لبنانية متعددة، لاسماع "المتطرفين" المواقف التي لا تستسيغها.
وازاء التطور الذي بدأت تسلكه طهران منذ فترة في اعادة ترتيب علاقاتها الاقليمية والدولية، فان حزب الله بقيادة عباس الموسوي، قرر مواكبة هذا الانفتاح بخطوات مدروسة، وعلى الطريقة الايرانية "الرفسنجانية".
ولعل ابرز ما تميزت به طهران هو اقرارها بانه لا بد من الاسراع باغلاق ملف الرهائن الغربيين في لبنان، وقد بادر عباس الموسوي الى التقاط هذا التوجه الايراني الجديد الذي كان الرئيس حافظ الاسد توصل اليه في محادثاته مع الرئيس الايراني رفسنجاني. وباشر بتحضير الاجواء على الارض، بحيث لا يعرّض الحزب الى انتكاسة سياسية..
وهنا يقول وزير بارز بان قيادة "الحرس الثوري" الايراني في البقاع، اقامت حلفاً مع السيد الموسوي، وان هذا الحلف نجح في ان يشق طريقه بخطوات مدروسة، اثمرت حتى الآن عن اطلاق غالبية الرهائن باستثناء الالمانيين. ويعزو السبب الى ان حزب الله قرر منذ فترة طويلة التعاطي مباشرة مع القيادة الايرانية ومرشدها السيد علي خامنئي. وهكذا فان السياسة التي اتبعها السيد الموسوي، باجراء مراجعة نقدية لبعض مواقف الحزب من دون الاعلان عنها، ادت الى توطيد علاقاته بعدد من الاطراف اللبنانية وهذا لم يحصل في الفترات السابقة من تاريخ ولادة حزب الله ما بين عامي 1983 و1984.
نصرالله في الاختبار
ويعتبر موقف حزب الله من القرار 425 القاضي بانسحاب اسرائيل من الجنوب دون قيد او شرط بمثابة اشارة واضحة للدلالة على مدى استجابته لظروف لبنان السياسية. ففي السابق كان حزب الله يرفض الاخذ بهذا القرار، حتى انه كان يهاجمه في بياناته السياسية وفي مواقفه التي تصدر من على منابر الحسينيات في المناسبات الاسبوعية التي يقيمها لتأبين شهداء له سقطوا في المواجهة مع اسرائيل.
اما اليوم، وبعد موافقة لبنان على الاشتراك في مؤتمر السلام وفي المفاوضات الثنائية، فان حزب الله انقلب في موقفه من المعارضة للقرار 425 الى المطالبة بتنفيذه، وقد انتهز مناسبة التعبير عن رفضه لدخول لبنان في المفاوضات، للقول بان الوفد الرسمي ذهب الى واشنطن، كي يبيع تنفيذ القرار 425. كما ان مواقف حزب الله التي كانت معادية في المطلق للمؤسسة العسكرية بدأت تتراجع، ولم يحتج على نشر الجيش في منطقتي صيدا وصور، وان كان يحاول من حين الى آخر "التنقير" على الجيش اللبناني بحجة انه لم يشارك في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية.
وقد استعجلت القيادة السورية المعنية بامور الساحة اللبنانية ومشاكلها اعطاء تعليمات مشددة الى كبار الضباط السوريين العاملين في الجيش السوري المنتشر في لبنان مفادها: عدم السماح لاي طرف باحداث ارباكات داخلية لا تستفيد منها الا اسرائيل وبالتالي لا بد من اتخاذ كل التدابير الآيلة الى الامساك بزمام الامور وقطع الطريق على من يريد استغلال اغتيال الموسوي للاساءة الى مسيرة الوفاق الوطني باعطاء اسرائيل المزيد من الذرائع. وكان من الطبيعي ان تتزامن التدابير السورية على الارض بغية مساعدة الحكومة اللبنانية للسيطرة على الموقف، مع صدور بيان مشترك عن الرئيسين الهراوي والاسد يؤكد مشاركة بيروت ودمشق في المفاوضات الثنائية.
اما وان الوضع في الجنوب كاد يفلت من السيطرة اللبنانية - السورية، فان اطلاق صواريخ الكاتيوشا لم يدم طويلاً ونجحت الجهود في ضبط الموقف وان كان هناك شعور باعطاء بعض الوقت للذين صدموا باغتيال السيد الموسوي عن قناعة او لحسابات خاصة تتعارض مع التوجه السوري - اللبناني حيال المرحلة الراهنة، بهدف تنفيس اجواء الاحتقان والسماح لهم بالتعبير عن "فشة الخلق" على طريقتهم الخاصة.
ويعود نجاح ضبط الموقف الى الضغوط التي مارستها دمشق وبيروت على كل الصعد سواء عبر الاتصال الذي جرى بين الرئيسين الاسد ورفسنجاني او من خلال الاتصالات التي تمت في بيروت وشملت الفلسطينيين وغير الفلسطينيين.
وابدت طهران كل تجاوب، وساهم حزب الله من جانبه بتقدير خطورة المرحلة وقام بتغليب لغة العقل على العاطفة التي قد تفسح في المجال امام المتضررين من استغلال اغتيال الموسوي للاطاحة ببعض وجود الدولة في الجنوب بواسطة انتشار الجيش اللبناني. وبالفعل فان السيد نصرالله نجح في اول اختبار له وعرف كيف يتعاون مع الجميع لتمرير القطوع بأقل الخسائر السياسية التي يراد منها ادخال عوامل اقليمية على مجرى الصراع في الجنوب.
وقوبلت الايجابية التي ابداها السيد حسن نصر الله بايجابية مماثلة من قبل طهران، من دون الوقوف امام المواقف الاعلامية وتمثلت في مجموعة من الاشارات السياسية التي اطلقتها والتي جاءت احداها على لسان وزير الخارجية علي اكبر ولايتي بدعوته الى اطلاق الرهينتين الالمانييين بحجة ان المانيا لم تشارك في المجزرة التي استهدفت حياة عباس الموسوي.
ويبقى السؤال المطروح هل تستمر ايران ملتزمة بسياستها الواقعية حيال لبنان، وهل يلتزم السيد حسن نصرالله بالوعد الذي قطعه بالسير على خطى سلفه؟.
هناك من يجيب على هذا السؤال بقوله ان لا حل امام طهران الا التأكيد على واقعيتها للحفاظ على التطور الذي يسود علاقاتها الاقليمية والدولية وان لا مجال للعودة الى الوراء.
كما ان هناك من يعتقد بان انتخاب السيد حسن نصرالله اميناً عاماً لحزب الله، قد يكون لمرحلة انتقالية هدفها قطع الطريق على اللعب بالحزب، وهو امر سابق لاوانه.
اما لماذا قرر السيد نصرالله ان يمنع اطلاق صواريخ الكاتيوشا الى الاراضي الاسرائيلية فان الاجابة على هذا السؤال تأتي على لسان وزير لبناني بارز بقوله: ان حزب الله شعر منذ اللحظة الاولى لاغتيال امينه العام السيد عباس الموسوي، بوجود حالة من التضامن لا بد من الحفاظ عليها.
وختاماً فان السيد نصرالله، الذي يصنف في "خانة المتشددين" قد يكون بحاجة الى اكمال سياسة اللبننة التي اتبعها سلفه، وهذا يفرض عليه الواقعية للاحتفاظ بعلاقات حزب الله مع الآخرين.. واولها دمشق.
اما القول بان الولايات المتحدة لا تزال تطلب من سورية انهاء وجود حزب الله العسكري، وان هذه القضية لا تزال من القضايا الشائكة في ملف العلاقات الثنائية بين البلدين فان الرد على هذا الطلب لا يكون الا باستعجال المفاوضات الثنائية والاسراع بتطبيق القرار 425 لانه وحده الذي يضع الجميع تحت امرة الدولة ويجرهم الى الانصياع لكل التدابير الهادفة الى ضبط الوضع في الجنوب !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.