دخلت المواجهة بين الحكومة المصرية وجماعات التطرف الديني في الصعيد مرحلة خطيرة عقب تكرار محاولات ضرب السياحة بالاعتداء الذي تبنّاه أعضاء في تنظيم الجهاد الاسلامي المحظور على باص كان يقل 18 سائحاً ألمانياً يوم 12 تشرين الثاني نوفمبر الجاري مما أسفر عن إصابة ستة منهم واثنين من المصريين احدهم سائق الباص وآخر كان يقود احدى سيارات الاجرة بالقرب من موقع الحادث. وقد اعتاد المتطرفون من قبل تنفيذ عملياتهم ضد السياح في مدن الصعيد على الطرق السريعة أو المناطق الخالية أو في مجرى النيل، لكن الحادث الأخير وقع في قلب مدينة قنا وفي منطقة ميدان سيدي عبدالرحيم القناوي المزدحم بالسكان وآلاف المارة ومئات المحال التجارية، الامر الذي لم يتوقعه الكثيرون. ونجحت الشرطة في القبض على أحد مرتكبي الحادث وهو بسطاوي أبو المجد 18 سنة الذي اظهرت التحقيقات معه انتماءه الى تنظيم الجهاد المتطرف، وذكر ان التنظيم خطط لتنفيذ العملية انتقاماً من رجال الامن بعد المواجهات التي شهدتها مدينة أسيوط بين اعضاء التنظيم والشرطة قبل حادث الباص بثلاثة أيام. وكشف أبو المجد عن ثلاثة آخرين شاركوه تنفيذ العملية، وأكد ان امير تنظيم الجهاد في قنا، ويدعى خالد سعد، وعده بمكافأة قدرها خمسة آلاف جنيه في حالة نجاحه في تنفيذ العملية. والثلاثة هم أشرف سعيد عبدربه وعبدالهادي الصغير ودراو محمد ابراهيم وهم اعضاء في تنظيم الجهاد. وسارع وزير السياحة المصري السيد فؤاد سلطان الى اصدار بيان عقب الحادث مباشرة استنكر فيه "العمليات الاجرامية التي لا تستهدف شخصاً معيناً ولا تهدف سوى الى ضرب السياحة وتشويه صورة مصر الآمنة المستقرة في العالم". وأكد ان مصر دولة آمنة تنعم بالاستقرار وأن أجهزة الامن تعمل بفاعلية، بدليل القبض على أحد مرتكبي الحادث فور وقوعه. ومن جهته اكد اللواء محمد تعلب مدير شرطة السياحة المصرية لپ"الوسط" ان مناطق الصعيد صالحة تماماً للنشاط السياحي، وان الحوادث الفردية التي تحدث هناك يمكن ان تحدث في أي مكان في العالم، مشيراً الى ان الشرطة تقوم بواجبها في حماية "ضيوف مصر" ومؤكداً ان المواجهة مع المتطرفين الدينيين لن توقف النشاط السياحي. ووصف اللواء يحيى البهنساوي محافظ قنا مرتكبي الحادث بأنهم مجموعة من المأجورين ستتخذ اجهزة الأمن ضدهم الاجراءات اللازمة، وقال لپ"الوسط": "ان السياحة تعتبر مورد رزق مهم لأبناء محافظات الصعيد وان النشاط الاقتصادي في محافظة قنا يعتمد بشكل كبير على السياحة وان كثيراً من السياح الاجانب انشأوا علاقات حميمة مع ابناء المحافظة نتيجة لما وجدوه من كرم ضيافة وحسن استقبال وأمان". وكشفت التحقيقات مع المتهم الأول بسطاوي أبو المجد الأمور الآتية: ان تكليفات صدرت من مجلس شورى تنظيم الجهاد الاسلامي الى كوادره في محافظات الصعيد، في المنطقة الواقعة من اسوان وحتى المنيا، بالاعتداء على السياح بناء على الفتوى الصادرة من مفتي التنظيم باعتبار العائد المادي من صناعة السياحة من الاموال الحرام. ان تكليفات أخرى صدرت لتصعيد العمليات ضد المنشآت والافواج السياحية وإصابتها في مفصل اساسي رداً على ممارسات الامن والنظام تجاه الاصوليين الذي وصل الى ذروته باستمرار عمليات مواجهة واعتقال امراء الجماعات الاسلامية من جانب وتقديمهم الى محاكمة عسكرية لتوقيع احكام رادعة عليهم قد تصل الى الاعدام والاشغال الشاقة المؤبدة من الجانب الآخر. يتولى جناح عسكري من تنظيم الجهاد يضم فروعاً له في محافظات الصعيد تنفيذ هذه التكليفات باختيار عناصر ذات كفاءة في اطلاق النار على أفواج السياح. ان اطلاق النار على السياح يتم بطريقة عشوائية من دون أي تحديد لهويتهم أو جنسيتهم وان تلك العناصر تركز على احداث اكبر اصابات، والضرب بطريقة القنص والاهتمام بعملية الهرب وإخلاء المنطقة بسرعة حتى لا يتم القبض على أحد من الفاعلين واستخدام الاسلحة الآلية والرشاشات التي تعد من الامور العادية وحيازتها بصورة طبيعية في صعيد مصر وتداولها بسهولة سواء بالبيع والشراء والاختباء، كما ان الذخيرة المستخدمة فيها تعد من الامور المتوافرة أيضاً. تفاصيل المخطط وصرح مصدر أمني مسؤول لپ"الوسط" ان عناصر التطرف المسؤولة عن تلك العمليات بدأت تتساقط في أيدي اجهزة الامن التي تلقت معلومات على درجة كبيرة من الأهمية وبخاصة من العناصر التي اعلنت توبتها تركزت حول الآتي: ان هناك بالفعل مخططاً محكم الاعداد والتمويل والتوقيت لتنفيذ ضرب صناعة السياحة في مصر باعتبارها من أعلى الموارد المالية التي تغذي الموازنة العامة بالعملات الاجنبية. ان المخطط المشار اليه والتكليفات الخاصة به جاءت في ضوء مخطط لإحداث نوع من الاخلال بالأمن العام، وان التنظيم الاصولي العالمي يعد مسؤولاً بشكل مباشر عن تدهور هذا الموقف بصورة خطيرة. ان الهدف الرئيسي من ضرب السياحة يتمثل في ارغام الحكومة والنظام والأمن على إجلاء قوات الأمن عن منطقة أسيوط حتى تتمكن الجماعات المتطرفة من اعادة بسط نفوذها مرة اخرى عليها. ان التكليفات الصادرة الى كوادر التنظيمات الرئيسية اعطت الضوء الأخضر أيضاً لضرب الباصات التي يستقلها المسيحيون خلال زيارتهم للمناطق القبطية في الصعيد لخلق نوع من الاضطرابات وتعزيز الفتنة الطائفية. وأضاف المصدر الأمني: "ان الجماعات المتطرفة لم تكتف باطلاق النيران على افواج السياحة بل اتخذت للمرة الاولى نوعاً من الارهاب الاعلامي تمثل في ارسال خطابات تهديد الى شركات السياحة وتوكيلاتها بالبلاد وشركات الطيران ومطالبتها بعدم التردد على البلاد خشية تعرضها للاعتداء بالاضافة الى ارسال هذه الخطابات على اجهزة الفاكس والادلاء بتصريحات الى وكالات الانباء الاجنبية تتضمن تهديدات بهذا الشأن، وقد قامت أجهزة الامن أخيراً بكشف هذا المخطط الاعلامي المكمل للارهاب بعد ضبط المتحدث الرسمي لتنظيم الجهاد اثناء تردده على القاهرة لتنفيذ مخططه". وأوضحت المصادر الأمنية لپ"الوسط" ان عناصر تنظيم الجهاد الذين تم ضبطهم أخيراً، خصوصاً في محافظة أسيوط، اعترفوا أمام النيابة العامة بأنهم يتحركون من خلال مخطط يتمثل في زعزعة الاستقرار وضرب السياحة وقيادات الشرطة والاعلام الذين يحاربون فكرهم والاعتداء على ممتلكات الاقباط، وأن عدد العناصر المشتبه في قيامهم بعمليات الاعتداء على السياحة بلغ أكثر من 150 عنصراً وان تلك العناصر أعدت قنابل وعبوات ناسفة داخل زجاجات المربى الفارغة لاستخدامها ضد قوات الأمن وكمائن الشرطة، وتم ضبط بعض المجموعات التي كانت تعد انفسها لعمليات جديدة، ومنهم شريف مصطفى فرحات وفرغلي أحمد وبهاء الدين صلاح جمعة ومحمد توني عبدالرحمن ومصطفى عبدالحكم عبدالحافظ وسيد لمعي توفيق وعبدالحكيم عبدالجواد. وذكر المصدر الأمني لپ"الوسط" ان خطة أجهزة الامن خلال الأيام المقبلة تقوم على تأمين الموسم السياحي الشتوي واحتفالات نهاية السنة حيث من المتوقع ان يصل عدد رحلات الطيران ما بين 1500 الى 1800 رحلة من مختلف انحاء العالم ولم يبلغ حتى الآن عن الغاء سوى 38 رحلة فقط، وان عدد السياح سيصل في العام المقبل، وفقاً للاحصاءات الرسمية، الى أربعة ملايين سائح يقضون 28 مليون ليلة سياحية ويحققون لمصر دخلاً يصل الى أربعة بلايين دولار. وأضاف المصدر الأمني انه على رغم الحوادث التي تعرض لها السياح إلا ان عدد هؤلاء المتوقع وصولهم خلال الشهر المقبل يصل الى 124 الف سائح وأن الغاء الحجوزات جاءت بنسبة قليلة جداً تم استكمالها من قوائم الانتظار. وذكرت المصادر الأمنية ان خطة أمنية جديدة تم تنفيذها لتأمين المناطق السياحية سيتم عرضها خلال اجتماع مشترك للجنة الأمن والاقتصاد والسياحة بمجلس الشعب تتضمن دراسة مشكلة التطرف والارهاب من كل جوانبه، خصوصاً عملية أمن السياحة حيث سيتم تطبيق انظمة البوليس الطائر للمرة الاولى في مصر لتأمين السياح ومطاردة العناصر الارهابية التي تطلق النار عليهم في محافظات الوجه القبلي، ان استخدام النظام الجديد سيشكل نوعاً من القلق لدى الارهابيين الذين يتمكنون من الهرب بعد ارتكاب افعالهم الاجرامية داخل المزارع والمنازل الموجودة في المناطق البعيدة في الصحراء. وقال المصدر الأمني ان استخدام البوليس الطائر بالاضافة الى الدوريات المترجلة البرية والسيارات المصفحة كل ذلك سيحد من عمليات التصعيد في ضرب السياحة.