يتفق المحللون العالميون في امور الطاقة على اهمية الدور الذي سيلعبه الغاز في العقدين المقبلين، في مجال تأمين حصة متنامية من احتياجات الطاقة العالمية، خصوصاً في البلدان الصناعية. ويعود هذا الاهتمام المفاجئ والمطرد بالغاز كمصدر للطاقة بديل عن النفط، او مواز له الى جملة أسباب أهمها: قلة الانبعاثات الكربونية المضرة بالبيئة التي يطلقها الغاز الطبيعي المحترق بالمقارنة مع النفط ومشتقاته، وهذا ما توصلت اليه الجماعات المدافعة عن البيئة في البلدان الغربية، وهي باتت تشكل مراكز قوى سياسية واقتصادية وانتخابية لا يستهان بها بحكم حساسية الرأي العام الغربي ازاء القضايا البيئية. تواجد الغاز الطبيعي بشكل وافر في اوروبا، وتحديداً في روسيا وبقية الجمهوريات السوفياتية سابقاً وفي النروج كما في منابع قريبة من اوروبا كالجزائر، وفي درجة ثانية افريقيا السوداء. ويشكل هذا التواجد بالنسبة الى اوروبا عامل استقرار بسبب بعده عن مراكز الازمات السياسية والحربية في الشرق الاوسط والخليج العربي ويخفف بالتالي من تبعية اوروبا الغربية ازاء النفط العربي. سهولة نقل الغاز الطبيعي نسبياً عبر الانابيب من منابعه الاوروبية الى مراكز استهلاكه، على رغم الاستثمارات التي يتطلبها هذا النقل. واذا كانت روسياوالجزائر تفتقدان حالياً بسبب أزماتهما السياسية والاقتصادية الى الرساميل اللازمة لتمويل مشاريع تصدير الغاز وستعتمدان بالتالي على التعاون الغربي لتعزيز قدراتهما الانتاجية والتصديرية في هذا المجال، فإن الدول الخليجية بدأت تعيش فورة في الاستثمارات الآيلة الى تفعيل انتاج الغاز وتصديره، لتخفف هي الاخرى من تبعيتها ازاء النفط، وفي حين ان دولا عربية عدة الى جانب الجزائر السباقة في هذا المجال، بدأت تولي هذا القطاع اهمية قصوى، الا ان قطروالامارات العربية المتحدة هما اليوم من اكثر المهتمين بتنمية القطاع الغازي. ويبرز كمؤشر على هذا الاهتمام المتزايد، المناقصة الضخمة التي اقفل باب تقديم العطاءات لها قبل ايام في قطر لبناء سبع ناقلات سعة الواحدة منها 135 الف متر مكعب وكلفتها 270 مليون دولار، مما يعني ان قيمة الصفقة الاجمالية ستناهز البليوني دولار، في مرحلتها الاولى، وتتنافس على هذه الصفقة كبريات الشركات الاميركية واليابانية والاوروبية والكورية لابرام ما يعتبر اهم عقود بناء الناقلات في العالم منذ فترة غير وجيزة. وتهدف صفقات بناء الناقلات هذه الى خدمة عقد، يتميز هو ايضا بأهميته القصوى بالنسبة الى سياسة قطر الغازية، وقد ابرمته الدوحة قبل بضعة اشهر مع شركة "تشوبو" التي تعتبر ثالث اكبر شركة للطاقة في اليابان، وينص العقد على قيام شركة "قطر غاز" بدعم من الحكومة القطرية، بتسليم شركة تشوبو اليابانية 4 ملايين طن من الغاز سنوياً ابتداء من العام 1997، مع احتمال زيادة هذه الكمية بمقدار مليوني طن سنوياً، اذ ابلغت تشوبو "قطر غاز" برغبتها في ذلك قبل نهاية العام 1993. وقد توجت هذه الصفقة سنة من الجهود الكثيفة بذلتها قطر في محاولة منها للتعويض عن انخفاض مواردها بسبب تدني الاحتياط النفطي فيها، على رغم جهود التنقيب التي قامت بها المؤسسة العامة القطرية للنفط، وللاستفادة من تزايد الطلب العالمي على مصدر طاقة نظيف مثل الغاز. ويشتمل حقل الشمال، وهو المنبع الرئيسي للغاز القطري واحد اكبر حقول الغاز في العالم، على مخزون جوفي يقدر بحوالي 500 تريليون قدم مكعب، مما يكفي حسب التقديرات للانتاج اكثر من 200 سنة. ويمتاز غاز حقل الشمال بنقائه غير مصاحب، مما يعتبر ميزة بالمقارنة مع المنتجين الآخرين، كروسيا والنروج، عدا عن انه قريب من اسواق الشرق الاقصى التي تعد اسواقاً كثيرة الاستهلاك وشديدة الاستيراد للطاقة. والى جانب الصفقة التصديرية المذكورة، سيلعب غاز حقل الشمال دوراً اساسياً في تحرير النشاط الاقتصادي في قطر بعد سنوات الجمود النسبي، وتتعاون في هذا الاطار شركة "قطر غاز" مع شركة "توتال" الفرنسية النفطية التي تملك 10 في المئة من الشركة القطرية في عملية انتاج الغاز اولاً، ثم استعماله لتسويق المكثفات المنتجة، وفي العامين 1993 و1994 المقبلين سيستخدم الغاز في انتاج مركب "الميثانول" في مشروع مشترك قطري - كندي - فرنسي، وفي تقوية المحطات الكهربائية الى مستوى 600 كيلووات وفي تحلية مياه البحر بمقدار 40 مليون غالون في اليوم. وفي اواخر التسعينات، من المتوقع ان يباشر بتنفيذ مشروع آخر مشترك بين قطر وايطاليا، ويقع في حقل الشمال ايضاً. وسيحتاج هذا المشروع الى سبع ناقلات اضافية سعة الواحدة منها 137 الف متر مكعب. كما اعلنت "قطر غاز" اخيراً انها وقعت اتفاقاً مع شركة فرنسية الف اكيتان واخرى يابانية لمشروع تبلغ كلفته 5 بلايين دولار لانتاج 4 ملايين متر مكعب من الغاز المسال في السنة وتوزيعه في بلدان الشرق الاقصى، بما فيها اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ابتداء من نهاية العقد الجاري. ومقابل المثال القطري الذي يعتبر رائداً في ميادين انتاج الغاز وتسويقه، تحاول الدول الخليجية الاخرى الاستفادة تدريجياً من مخزون الغاز الموجود في اراضيها، ولو بنسبة اقل بسبب كمية النفط الهائلة التي ما زالت قابلة للاستخراج بكلفة ضئيلة، وعدم احتوائها على حقول غاز بحجم وكثافة حقل الشمال القطري. ففي الامارات العربية المتحدة مثلا، تسعى ابوظبي الى اكمال صفقة تتعلق ببناء اربع ناقلات للغاز الطبيعي المسيل، تبلغ سعة الواحدة منها 135 الف متر مكعب، من اجل المباشرة باستعمالها بين عامي 1996 و1997. وتقوم بادارة هذه الصفقة شركة نفط ابوظبي الوطنية "ادنوك" في حين ان شركة ابوظبي لتسييل الغاز "أدغاز" طلبت في وقت سابق من اليابان بناء اربع ناقلات مماثلة. وتتراوح كلفة الناقلة بين 255 و300 مليون دولار، مما يؤدي الى كلفة اجمالية للناقلات الثماني توازي اكثر من بليوني دولار. وتشكل اليابان مرة اخرى المستهلك الرئيسي للغاز الاماراتي المسال الذي سيتضاعف انتاجه من 3.2 مليون طن حاليا الى 6 ملايين طن ابتداء من العام 1994، بعد ان تكون شركة "ادغاز" انتهت من بناء خط الانتاج الثالث في مصنع تسييل الغاز في جزيرة داس. وتشمل الكمية المذكورة الغاز الطبيعي وغاز البترول المسيل. وبصورة موازية، يقوم فريق من الاستشاريين باعداد دراسة حول مشروع تجهيز ابوظبي بشبكة لتوزيع الغاز الطبيعي المخصص للاستخدام المنزلي والتجاري والصناعي. وفي دبي تجري دراسة مماثلة لتوزيع واستعمال الغاز الطبيعي في الامارة ومن الممكن ان يجري نقل الغاز القطري عبر الانابيب الى دبي وايضا الى مدينة الكويت، كما اوضح مسؤول في مؤسسة "غاز دو فرانس" الفرنسية الرسمية التي تأمل في تنفيذ هذين المشروعين. وفي خطوة مرافقة تم اخيراً انجاز اول خط انابيب لايصال الغاز الطبيعي من محطة المقطع في ابوظبي الى مدينة العين التي تبعد عنها 150 كيلومتراً من اجل تشغيل المحطة الكهربائية فيها ومصانع الاسمنت، التي كانت تعتمد حتى الآن على الوقود النفطي السائل. وفي سلطنة عمان، تم كذلك اكتشاف كميات ضخمة من الغاز، وابرمت الحكومة العمانية عقداً استشارياً لتقويم الجدوى الاقتصادية لاستثماره ودراسة سبل الاستفادة منه. وفي السعودية كذلك، تدرس الحكومة، بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة، امكانيات توزيع الغاز في مدينة الرياض للاستعمال المنزلي والصناعي، وذلك على رغم الاحتياطات النفطية الكبيرة التي تتمتع بها المملكة. وفي العراق، كانت الصناعة الغازية ناشطة جداً، اذ كان يتم نقل الغاز من آباره الى خزان طبيعي على الحدود الجنوبية الغربية يعد الاكبر من نوعه في العالم، ويستطيع استيعاب 15 بليون متر مكعب. الا ان العمل متوقف حالياً بسبب اوضاع العراق الحالية. والى جانب اليابان وبلدان الشرق الاقصى التي تعتبر المستورد الطبيعي للغاز الخليجي، تبدي بلدان اوروبية عدة، خصوصاً في جنوب القارة كايطاليا، اهتمامها بالغاز الخليجي، اذ من المتوقع ان ينمو بسرعة مستوى استهلاكها من هذه المادة في نهاية القرن من دون ان تكون الجزائروروسيا قادرتين على الايفاء بكافة الحاجات بسبب المصاعب السياسية والمالية التي يتخبطان فيها. لذلك تبدو البلدان الخليجية مؤهلة للعب دور حاسم في العقود المقبلة في المجال الغازي الذي سيشهد نمواً اكيداً، على رغم المحاولات التي قامت بها بعض الدول الاوروبية قبيل "قمة الارض" الاخيرة في ريو دي جانيرو - البرازيل، لفرض ضريبة بيئة على مشتقات النفط والحد بالتالي من استعماله.