منذ فترة ليست ببعيدة صدرت الطبعة الثانية من كتاب"رحلة إلى ديار شمر وبلاد شمال الجزيرة"للرحالة والمستكشف الألماني ماكس أوبنهايم، عن دار الوراق للنشر، وجاء الكتاب في 208 صفحات من القطع الوسط، وفي ثلاثة فصول وبعناوين فرعية كثيرة ومفصّلة، يقول الناشر في تقديمه:"إن أهمية كتابنا هذا من البحر المتوسط إلى الخليج ناتج من دقة المعلومات المفصلة التي سجلها المؤلف خلال رحلته. إنها متعة جميلة أن تتبع خطوات أوبنهايم عند زيارة ديار شمر وبعض قبائل شمال الجزيرة، وضرورة خاصة لا سيما للبحّاثة والكتاب ولا غنى للمكتبة العربية من احتوائها". يرسم أوبنهايم بحب وعناية الصحراء والبدوي بالكلمات، فحاول أن يجمع الكثير من المعلومات عن بادية الجزيرة العربية في فترة أوائل القرن ال20، وكتب عن كل شيء رآه وسمعه من عادات وتفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية، ورسم صورة للحياة القاسية للبدوي في ذاك الوقت الغابر، وطبائعه الأصيلة في التعامل مع كل شيء ومزاجيته العالية. هذا الكتاب ترجمته الحكومة البريطانية إلى اللغة الإنكليزية ووزعته على الضباط البريطانيين عند قيام بريطانيا باحتلال المنطقة العربية، فأبناء الصحراء في نظر ماكس لهم صفات وملامح جسمانية يتميزون بها عن بقية الشعوب الأخرى، لأن الصحراء بعواملها المناخية القاسية والتي تتيح فرص كثيرة للروح لكي تنطلق وتنجو في آن واحد، هذه العوامل التي قد تدخلت كثيراً في تدبير شؤون جسم البدوي من قوة الحواس والطول واللون، وكأن الصحراء فنان خارق، والبدوي صفحته التي لا تنتهي. يتحدث أوبنهايم عن الخيول العربية وعن نجد والواحات الواقعة جنوبها حيث الموطن الأصلي للخيول الأصيلة، إذ يعتقد البدو أن أصالة الخيول وسلالاتها تعود لما ميّزه الرسول"صلى الله عليه وسلم"بأنها تسمى الخمسة وهذه الخمسة كما يعتقدون تعود إلى خيول الملك سليمان، ويعتقدون أنها ترجع إلى فرس واحدة وهي كحيلان، ويختلف الكثير من الباحثين والى الآن حول الأفرع الخمسة ومن المرجح أنها الصقلاوي، أم عرقوب، شويمة، العبية، الكحيلة. كما تحدث عن محاولات توطين البادية وعن الخوة التي كانت القبائل تقدمها ل"شمر"في مقابل سلامتها، وعن المرأة البدوية التي لا يسمح لها بدخول منطقة الرجال، لكنها تستشار في أخطر القضايا، وهي تقوم بأعمال كثيرة كالنسيج والطبخ وجلب الماء وحلب الماشية وصناعة الزبدة واللبن وإعداد الطعام والبحث عن الحطب والماء في الجوار، وتظل المرأة موضع احترام الرجل البدوي حتى لو كان هذا الرجل غازياً، فإنه لا يعتدي على حرمة النساء مطلقاً، لتظل مكانتها محفوظة في أخلاقياته العالية. وعن قانون البدو يقول أوبنهايم:"يشمل التحكيم القضايا المدنية والجنائية على السواء، وقد تقام بين الحين والآخر محاكم شرعية وفي مناطق يعتبر عدة بعض الرجال مؤهلين بصفة مميزة لإصدار هذه الأحكام الدينية الشرعية، أما القوانين المكتوبة فهي غير معروفة عند أهل الصحراء، ويدخل قانون الصحراء حيز التنفيذ الذي يقضي بالقصاص"دماً بدم"، مثلما يفتخر البدوي بأصالة سلالة حصانه كذلك وأكثر منه يفتخر بأنه عربي أصيل. لنفتخر ونقرأ البدو أصدقاء الرمال وعشاقها عبر هذا الكتاب الذي يفتح أبواباً كثيرة في التعرف على البدوي، هذا الكتاب الذي يعد كوشم في مكتباتنا، نرى من خلاله روح الصحراء وساكنيها بأدق التفاصيل.