رأى ما رأى، فقال ما قال إنه"خزي وعار"، فجن جنون الوسط الثقافي من أعلاه لأدناه، كيف يرمي كاتب ومثقف مثلنا، حضور مؤتمر المثقفين بهذه التهمة غير الحضارية. أعلاهم صوتاً، اقترح عليه الذهاب للمفتي ليقول إنه رأى فلانة وفلان وفلان في الوضع الفلاني، وكأنه تلميذ يذهب للمدير ليبلغ عن التلاميذ المشاغبين، وأدناهم صوتاً، صمت خشية أن يفضحه المثل الشهير"اللي على رأسه بطحة يحسس عليها". وأمام جملة خبيثة تقول"لا يجتمع عفة وجمال"، جاء زميل ليخفف من وطأة الحدث وكأنه يقول عكس الجملة"لا يجتمع فسق وقبح"، ليعلن أن المثقفات الحاضرات للمؤتمر قبيحات، فترد مثقفة"لو سمحت لا تغلط على زميلاتي"، وإياك أن تسأل عن غض البصر بين المثقفين. الأسوأ من المعارضين، المؤيدين الذين نشروا صوراً وأسماء لمثقفين ومثقفات ذيلوها بتعليقات بذيئة، وأسوأ منهم من هدد بكشف فضائح المثقفين بأدلة وقرائن يملكها، ولا نعرف لماذا يخزنها عنده. وعلى هامش حلبة المصارعة هذه، تنشأ حلبات أخرى بين وعاظ ومثقفين حول هذه القضية، ثم تنتهي بهوشة شخصية من استنكار المثقف للربح المادي الهائل للدعاة، ليرد عليه الداعية"تحسبنا نطرّ مثلك"، وهنا ضاعت قضية المؤتمر لتظهر قضية طرارة المثقفين، و"الطرارة"هي التسول لمن لا يفهم الثقافة السعودية. إذا كان الخصام حول الثقافة، فأين الثقافة في الخصومة؟ لا تسأل عنها، وبعض المثقفين علق على الكاتب المستنكر بأنه يحتاج لفحص سريري. خمسة ملايين ريال سعودي أنفقتها الدولة على هذا المؤتمر، فماذا جنينا منه؟ ولماذا دائماً وأبداً الوجوه الحاضرة - بدعوة طبعاً - هي ذاتها في كل الأنشطة الثقافية كيفما وأينما كانت، حتى ولو في المريخ، وهي ذاتها الوجوه المسيطرة على المؤسسات الثقافية والملاحق الثقافية في الصحف والمجلات. لا بأس، ادفعوا من هذه الخمسة ملايين مليوناً واحداً لمن يجيب عن سؤال المليون"مَنْ المثقف؟". هل هو المثقف الذي يمارس التنظير بنظريات إصلاحية، تسقط عند عتبة باب نادي أدبي يُغلق لأجل تجاوزات إدارية ومالية. أم هو المثقف الذي ينسى أم ثقافته في جدال تلفازي فضائي، فيلجأ للسباب والشتائم البذيئة؟ أم هو المثقف الذي يساوم المثقفات على انفتاحهن الحضاري معه؟ أم هو المثقف الذي يجيد جلد الذات بلعن كل من حوله؟ هل نسينا المثقف الطرار المتسول، الذي تتحول مقالاته وإنتاجه الأدبي إلى تملق ونفاق لأحد ما؟ لكن لن ننسى المثقف الذي شعاره"لعبوني ولا أخرب عليكم"، أي من فئة"إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون"، أي إن لم يجعلوه عضواً في جهاز، أو لم يرسلوا له دعوة لمؤتمر ما، فقذائف كلماته تنالهم صباحاً مع خروج الصحيفة من المطابع. عزيزي وزير الثقافة والإعلام، نرجو أن تجيبنا صراحة، من رجل الخمسة ملايين ريال، من المثقف الذي يستحق أن يدعى لمؤتمر، ويعتلي مؤسسات الثقافة؟ * كاتبة سعودية [email protected]