في الوقت الذي اتخذ سبعة مقيمين الأرصفة وأسطح المنازل في حي البغدادية الغربية مكاناً ل"النوم"، أخذت المقيمة في البغدادية الشرقية الباكستانية"سونار"ذات ال77 عاماً، تنظف أرضية غرفتها التي غمرتها سيول محافظة جدة الأربعاء الماضي، كي تعيد تأهيلها من جديد، فيما لم تعد تشاهد في شوارع الحي الأول سوى المياه التي تغطي شوارعها وجزءاً من الطوابق الأرضية والبدرومات، التي يتجول فيها أشخاص لم يحصلوا على مأوى حتى الآن، على رغم مرور خمسة أيام على"الكارثة". وبدأت"سونار"تكفكف دموعها أمس الأحد وهي تبكي ضياع حاجاتها وأثاث غرفتها الذي فقدته جراء السيول التي اجتاحتها. ولم تجد المرأة القاطنة لوحدها في غرفة في الطابق الأرضي يطل بابها على الشارع مباشرة في حي البغداية الشرقية سوى اللجوء إلى نشر أوراقها و"إقامتها"فوق ملابسها المبتلة على سريرها في غرفة صغيرة كانت قد وضعت كل حاجاتها فيه، وقالت:"دمرت المياه كل شيء أملكه، وابتلت كل أوراقي الثبوتية". وتعيش سونار الآن مع معارفها إلى حين تدبير أمرها، وإصلاح غرفتها، وتحكي:"كنت في بيت معارفي في حي الكندرة عندما بدأت الأمطار في الهطول، ففضلت البقاء عندهم ريثما تهدأ الأوضاع"، وتتابع:"عندما استطعت بعد مرور يومين على الكارثة الدخول إلى غرفتي، وجدتها وقد عمتها الفوضى، وفقدت الكثير من حاجاتي، إذ نشرت ملابسي وأوراقي المكدسة فوق سريري، وظلت بقية أثاثي متناثراً في أرجاء الغرفة، كما كان الحمام في حال مزرية". أما عبدالسلام وهو أحد المقيمين في البغدادية الغربية لم يجد ملجأً سوى الأرصفة المحيطة بالمجمع الذي كان يعمل حارساً له على مدى أكثر من 10سنوات مع مجموعة من المقيمين"المشردين"من منازلهم بعد أن غمرتها سيول الأربعاء الماضي. وأفاد"الحياة"أنه خرج من شقته باحثاً عن مأوى، بعد أن امتلأت بكميات كبيرة من المياه، بيد أنه لم يجد سوى"نموذجين"للحصول على سكن طارئ منحا له من الدفاع المدني. وقال:" ذهبت بالنموذجين إلى الشقق المفروشة التي تم توجيهي إليها في شارع فلسطين لكنهم رفضوا إسكاني إذ أبلغوني أنه لا يوجد سكن للعزاب وكل المتوافر لهم للعائلات فقط، الأمر الذي جعلني أتوسد الأرصفة مع ستة آخرين من زملائي في الحي حتى يتم شفط المياه وإعادة الكهرباء إلى شققنا التي تم إخلاؤها منذ الأربعاء الماضي". فيما أوضح أحد المتضررين في الحي نفسه خالد سراج الحق أن المياه غمرت شقته في الطابق الأرضي ولم يعد باستطاعته السكن فيها، مشيراًً إلى أنه اضطر للنوم في سطح العمارة التي يسكن فيها من دون كهرباء أو غذاء. وقال إنه منذ أربعة أيام يتنقل سابحاً من شارع إلى آخر بحثاً عن مخرج من الأزمة النفسية التي يعيشها بسبب فقدانه الكثير من ممتلكاته سواء داخل محله التجاري الذي يعمل فيه أو داخل سكنه من أثاث وأوراق ثبوتية وخلافها. وعلى الحال ذاتها ، لم يجد غلاك كبرياء مكاناً يلجأ إليه، وظل في وضع تنقل متواصل وسط المياه التي غمرت الشوارع على أمل الحصول على مأوى، مشيراً إلى أنه لا يملك خيارات أخرى يستطيع من طريقها تدارك وضعه في ظل صعوبة الحصول على سكن. مبيناً انه لم يذق طعم النوم طوال الأيام الأربعة الماضية بسبب عدم وجود سكن ينام فيه، لافتاً إلى أنه يلجأ في ساعات الليل المتأخرة إلى الأسطح والأرصفة بيد أن"البعوض"أقلق مضجعه ولم تساعده الظروف المحيطة به من هول الفاجعة النوم طويلاً. وفي البغدادية الشرقية، بقي وليد الكاف 31 عاماً وزوجته وابنته عام ونصف، في شقته في جوار مسجد الجفالي، لمدة يومين محاصرين بالمياه، لم يستطيعوا الخروج منها حتى أتى الدفاع المدني ب"رافعات"مساء يوم الجمعة، وقال:"أخلى رجال الدفاع المدني سكان الشقق بواسطتهما، إذ أخرجوهم عبر المنافذ والشبابيك". ويمضي:"كنت في حي الجامعة يوم الأربعاء، وحاولت الوصول إلى بيتي بواسطة سيارتي إلا أنني لم أستطع بسبب غزارة الأمطار وتدفق السيول، واضطررت بعدها إلى تركها في حي الفيحاء، وعدت مشياً إلى بيتي، والمياه تصل إلى صدري، فمررت بشارع باخشب وكيلو 2 وحي الكندرة وباب مكة وأخيراً حي البغدادية الذي وصلته في الساعة السادسة مساءً، على رغم خروجي من حي الجامعة في الساعة 12 ظهراً". وزاد:"عندما وصلت البيت وجدت أن الكهرباء قد قطعت، وكانت المياه وصلت إلى مصعد العمارة ما أدى إلى تعطيله"، مشيراً إلى صعوبة اليومين اللذين عاشهما وأسرته من دون كهرباء،"كانت الشبابيك مفتوحة الأمر الذي جعل الحشرات تدخل إلى الشقة، ما بث فينا حال من الخوف من التلوث ومن الأمراض التي تحملها الحشرات". وفي الحي ذاته ، كان الإندونيسي محسن باحسوين وزوجته يتجولان في الشوارع لمشاهدة الدمار الذي لحق بعدد من المباني سواء مساكن أو مدارس، وتحدث إلى"الحياة"عن موقفه أثناء هطول الأمطار وازدياد كميات المياه، مشيراً إلى أنه هرب مع زوجته إلى الأدوار العلوية من العمارة التي يسكن بها.