تسأل أميرة وفي صوتها الكثير من الأسى والحزن «أين أذهب؟»، «هل مصيري هو تنظيف بلاط الشقة والنوم عليه مع أولادي؟». وتقول المرأة المكلومة بعد أن دمر السيل بيتها: «مددت لي الدفاع المدني أسبوعاً للبقاء في الشقة المفروشة التي وفرتها للمتضررين من كارثة جدة الأخيرة»، وأضافت في حيرة من أمرها: «إلى متى سأظل على هذه الحال». ووجدت أميرة واثنان من أولادها (أحدهما مريض بالسكر) أنفسهم وسط مياه السيل التي دهمتهم من الخارج ومياه المجاري والبيارات التي خرجت من الحمامات، لتملأ شقتهم (عبارة عن بيت شعبي في الطابق الأرضي) في حي البغدادية الشرقية، بعد هطول الأمطار الغزيرة على محافظة جدة الأربعاء قبل الماضي متسببة في جريان سيول هادرة. عن ذلك اليوم، حكت أميرة ل«الحياة» قصتها المأسوية: «انتظرت وأبنائي وسط مياه الأمطار والبيارات التي وصلت تقريباً إلى 1.4 متر من الظهر حتى الساعة الخامسة مساء إلى أن حضر منسوبو الدفاع المدني لإخلائنا من الشقة، ذهبنا بعدها إلى أحد الفنادق مع مجموعة من المدرسات والطالبات اللائي احتجزن في المدرسة القريبة من بيتي، وبعد فترة أتى أهالي ومعارف الناس من حولي لأقرر بعدها الذهاب للبقاء مع صديقتي، ومن ثم وزعنا الدفاع المدني على الشقق المفروشة التي نحن فيها الآن». وفي سيناريو جديد، أوضحت أميرة «أن الشقة التي خصصت لإيوائها هذه المرة كانت في الشقق نفسها التي تم فيها إيواء المتضررين من كارثة 2009 قبل أكثر من عام عندما دهمت السيول حينها»، مفيدة أنها اختارتها لقربها من مدارس أولادها. وتابعت أميرة: «حصل لي مثل ما حصل العام قبل الماضي، السيناريو نفسه والأحداث نفسها»، عاقدة مقارنة بموقفها في الكارثتين: «في العام قبل الماضي استطاع أهل الحي إخراجي قبل أن يدهمني السيل، أما هذه السنة فقد عشت المعاناة كلها، حتى إنني سبحت في مياه المجاري»، ومضت بالقول: «دهمتنا السيول من الخارج ومياه البيارات من الداخل فجأة من دون أي مقدمات، لم يكن لدينا أي وقت لأن نلملم حاجاتنا المهمة، فقدنا كل شيء، أوراقنا الثبوتية وأجهزتنا وأثاثنا وأدوات أبنائي الدراسية، كما لم تنج سيارتنا التي نعتمد عليها في تنقلاتنا مما حل بنا، إذ ملأها السيل وجرفها، بل من هول ما حدث خرجت من دون عباءتي». وخرجت أميرة من بيتها في ذلك اليوم (الأربعاء)، ولم تعد إليه إلا بعد ستة أيام (يوم الإثنين) برفقة الدفاع المدني بغية تصويره، ووصفت حاله: «عندما عدت إلى بيتي وجدته عبارة عن مزبلة تجمعت فيه القاذورات»، مشيرةً إلى أن السيل دمره، وأنه غير قابل للسكن بسبب التلوث الموجود فيه، مضيفةً: «وجهت أولادي بأخذ ما يستطيعون من ملابس وحاجات قابلة للاستعمال لتنظيفها وغسلها في الشقة التي أنا فيها الآن». وتساءلت في استغراب: «لا أعرف كيف سأعيش في بيتي مرة أخرى»، لافتةً إلى أن الحل الوحيد الذي تراه هو تنظيفه لتستطيع وعائلتها من الاستقرار فيه مرة أخرى على رغم عدم رغبتها في الرجوع إليه لولا أنه المنزل الوحيد الذي يعتبر ملكها من والدها المتوفى وليست على استعداد أو مقدرة على السكن في منزل بالإيجار، مستدركة: «ليس من المعقول أن أعيش عند معارفي أو أقاربي، حتى لا أكون عالة عليهم أنا وأولادي الخمسة»، خصوصاً أن أكبرهم لم يتجاوز ال 26 عاماً، وأحدهم (16 عاماً) مريض بالسكر، كما ليس في استطاعتي استئجار منزل للسكن. يذكر أن حي البغدادية الشرقية، هو أحد الأحياء المتضررة من جراء السيول التي دهمته الأربعاء قبل الماضي، عقب هطول أمطار غزيرة على جدة، جرت في ضوئها سيول جارفة.