في الأوساط النسائية، تدور أحاديث تعجب وأحزان بين صالات الأفراح ومجالس العائلات، وقليلاً ما تخلو جلسة من قصة مأسوية لأنثى تعاني صنوف الأذى من حبيب الأمس، وتشكو مرّ الشكوى، ممن كان المفترض أن تشكو إليه جور الزمان، وتجد لديه ضماداً لكل الجراح التي سبقت ساعة الارتباط به. إلا أن المعاناة من هذا القبيل، تتجاوز الزوج القاسي، إلى واقع اجتماعي يفضل رأيه العام تحمّل الفواجع والأحزان، على وقوع الطلاق، الذي هو أحياناً حل أرحم بكثير مما قبله. إلا أن المؤلم في عالم النساء هو أن هذا الواقع الاجتماعي، وجد صدى متفاوتاً بين بعض القضاة، الذين يحاولون عرقلة إنهاء رباط الزوجية، ربما أملاً في عودة الزوجين إلى هداهما، لكنهم من حيث لا يشعرون، كما تقول النساء، بذلك يزيدون من معاناة أضعف الخصمين في معظم الأحوال، وهو"المرأة"، فغدا الحصول على"الطلاق"معاناة، تضاف إلى المعاناة التي دفعت إلى اللجوء إليه كآخر الدواء. "الحياة"التقت حالة من هذا النوع، وروت لها المكلومة نور قصتها، فهي كما تفيد تزوجت وهي لا تزال طفلة تحتاج لمن يهتم بها ويرعاها ولا يزال أمامها الكثير لتتعرف عليه في هذه الحياة التي تمثل لها في ذلك السن مكاناً لا يوجد به أي مخاطر أو أناس يريدون استغلالها أو أذيتها من دون ذنب تقترفه، فواجهت حقيقة الحياة منذ كانت في ال13 من عمرها، وشاهدت منها الجانب السيئ بارتباطها بزوج عديم المشاعر لا يقدر الحب والعطاء بل سلبها كل براءتها واندفاعها كطفلة للحياة بكل تفاصيلها المفرحة. وقالت:"تزوجت رجلاً لم أكن أعلم أنه يعاني من مرض الشك، ففوجئت بأسلوبه غير الجيد إطلاقاً في التعامل، وبعد فترة وجيزة من زواجي انتقلت معه للعيش في مدينة الرياض، وطوال فترة اقامتى هناك سجنني كما لو كنت حيواناً لا يحق له العيش أو شخص موبوء أو مصاب بمرض خطر ومعد لا يحق لي الخروج أو التنفيس، ويعاملني بصورة لا أظن أنثى تعامل بها في هذه الحياة قبل أن أتزوجه، فكان يضربني من دون ذنب ودائم الشك في جميع تصرفاتي، وبعد مضي خمس سنوات على زوجنا بدأ يعلمني التدخين بهدف انقاص وزني، وسجائر التبغ تليها سجائر الحشيش التي كان يعطيني إياها بين الحين والآخر كنوع جديد للتجربة، إلا أنني لم استطع الاستمرار في تدخين سجائر الحشيش، ورفضت ذلك لآثارها السلبية التي كانت تنتابني بعدها، بدأ بضربي ووضعِ حبوب مخدرة لي في الشاي، وكنت أعيش حالة من الفزع والقلق المستمرين بعدما أصبح مدمناً شرهاً للمخدرات ووصلت معه لمرحلة لم أعد أستحمل معها هذه الحياة أبداً". تمضي نور في سرد قضيتها وتجربتها، فبعد خمس سنوات من الأهوال تقول:"ذهبت إلى أهلي في مكةالمكرمة، وقدمت إلى المحكمة وطلبت الطلاق، ولكن جهلي بالمحاكم وحقوقي التي لا بد من أن أحصل عليها، جعلني لا أطالب بشيء سوى التخلص من هذا الإنسان الذي أصبحت شبه أسيرة له لمجرد أنه تزوجني على سنة الله ورسوله". أضافت:"سألني القاضي لماذا تريدين الطلاق؟ فقلت له كل ما عانيته مع هذا الشخص منذ يوم زفافي إلى اليوم الذي رفعت فيه الدعوى، ثم سأل زوجي: هل تريد أن تطلقها؟ أجابه بطبيعة الحال:"لا"، ولكن بما أنها تريد ذلك فلترد علي مهري"، على رغم علم القاضي بأنه مدمن مخدرات وكان يضربني وهو غير مؤهل ليكون رب أسرة، إلا أن القاضي قام بسؤالي مرة واحدة هل تردين عليه مهره؟ ولجهلي بحقي ورغبتي في أن يفسخ النكاح لما عانيته وافقت بالطبع ظناً مني أن إخوتي سيقدمون لي يد العون، ولكن مرت الأيام والسنون وأنا لم أستطع أن أحصل على المبلغ الذي يريده". وعادت بالقول:"أكملت الثلاث سنوات وقضيتي لا تزال في المحكمة الشرعية في مكةالمكرمة، بعد إصرار القاضي على دفعي المهر كاملاً لزوجي في مقابل فسخ نكاحي"! من جانبه أكد القاضي السابق في المحكمة الكبرى في جدة الشيخ إبراهيم الحربي إن القضايا التي تخص الطلاق والخلع تأخذ وقتاً في المحاكم، وقال ل"الحياة":"قضايا الخلع والطلاق تأخذ وقتاً طويلاً بحسب نوعية القضية وتفاصيلها، ومن هنا تتقدم المرأة أو الرجل، فالمرأة تقدم طلب الطلاق من زوجها لسوء العشرة أو لكراهيتها له، وعندما تصل إلى القاضي يحدد بينهما جلسة، وأول مبدأ في هذه القضية هو قوله تعالى:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها". وأضاف:"يحق للمرأة طلب الطلاق إذا ثبت سوء سلوك الزوج، سواءً كان فساداً أخلاقياً، أو كان يمارس عنفاً ضد أسرته، فيحكم لها القاضي بفسخ النكاح، وفي هذه الحال لا يشترط عليها إعادة المهر له، وذلك لأنه ثابت فسقه، وليس له عوض، كما أن الوقت الذي تأخذه هذه القضايا يعود إلى حنكة القاضي، إذ ان القضاة يختلفون، بحسب القوة والعدل، فالولاية لها ركنان القوة والعدل، والقوة تعود إلى العدل، إذ يكون القاضي حريصاً على أن يحل القضايا بسرعة، وبعضهم يكون غير مهتم بأن يحل القضايا الموجدة لديه بسرعة، وهذا يضر بالزوجين". من جانبه، حدد المحامي خالد حلواني في حديثه ل"الحياة": الحالات التي تطلب فيها المرأة الطلاق، ولا ترد لزوجها المهر، وهي لا تسمى خلعاً، لأن الأخير يكون الطلاق بعوض، فهي الحالات التي تستطيع فيها المرأة، أن تفصل نفسها عن زوجها، من دون أن تدفع له شيئاً. وفي حال أثبتت المرأة للقاضي، أن هناك عيباً واضحاً وشديداً في الزوج ولم تكن تعلم به، مثل أن يكون مصاباً بمرض خطر ويضر بالزوجة، أو يكون الرجل رجلاً عقيماً أي لا ينجب، وهو لم يعلمها منذ البداية وهذا يعد من الغرر، أو يكون فاقداً للقدرة الجنسية، وهذا يعتبر من أكبر العيوب، وهنا لا يأخذ القاضي بكلامها مباشرة، بل يحوّله إلى طبيب شرعي، ويتم فحصه وبعد ذلك يحكم لها مباشرة، أو إذا ثبت أن الزوج مدمن للمخدرات أو متعاط لها. كذلك من بين دواعي فسخ النكاح، أن تثبت الزوجة أن هذا الرجل عليه قضايا شرف وعرض، مثل أن يكون خائناً وثبتت عليه قضية زنا أو فواحش، تستطيع القول للقاضي بأن هذا الرجل لا يشرفني أن أنتسب له، وكذلك إذا كانت الزوجة اشترطت على زوجها قبل الزواج ألا يتزوج عليها، أو لا ينتقل بها من بلد لآخر، وكتب هذا الشرط في عقد النكاح، فيجوز أن تفسخ النكاح، أو إذا ثبت على الرجل كفر، أي إذا كانت المرأة محافظة ومتدينة، واكتشفت أن زوجها لا يصلي أبداً أو لا يصوم رمضان، أو إذا صرح لها بكفره، وقال لها انه غير مسلم أو على ديانة أخرى، فيحق لها أن تفسخ النكاح فوراً، ويجب عليها أيضاً ألا تعاشره، وتذهب إلى منزل أهلها وتتقدم للقاضي. الشهود حل آخر لإثبات موجبات "الفسخ"... والقاضي قادر على التوصل للحقيقة أقر المحامي خالد حلواني بأنه في بعض الحالات لا تستطيع المرأة أن تثبت الخلل الذي يستوجب فسخ النكاح على رغم حصوله، إذ ان الزوج من الممكن أن ينكر ما اتهم به، فهناك أمور ظاهرة مثل الصلاة فغالباً ما يكون في هذه الحالات بعض أفراد المجتمع أو المجاورين له لديهم قرائن عليها، أي إذا أحضرت شهوداً من جيرانه بأنه معروف بتركه للصلاة أو بسبه للدين أو يتحدث بأمور كفر، فهذه الأمور تكفي لدى القاضي، ويحق في جميع هذه الحالات للزوجة أن تتقدم للقاضي وتثبت له ذلك، ويحكم لها القاضي على الفور بالفسخ. لكن حلواني استدرك بأنه يجب على الزوجة أن تثبت ما تزعم بأنه موجود في الزوج، وذلك لأنه إذا فتح المجال للجميع بأن يذهبن للقاضي ويشتكين أزواجهن من دون أن يثبتن ذلك فستعم الفوضى، والقاضي لا يأخذ فقط بالكلام، فلا بد من أن يتأكد مما يُقدم له، وهذه جميعها أسباب تستطيع الزوجة أن تفسخ نكاحها من زوجها بها من دون عوض. واعتبر أن القاعدة الشاملة في هذا المحور هي وجود الضرر البالغ على الزوجة من هذا الزواج، ولكن إذ لم تستطع أن تثبت إحدى هذه الحالات على زوجها، فان القاضي يحاول أن يتثبت منها بنفسه، مثلاً في حال قضايا الإدمان أو الأمراض، التي قد يكون مصاباً بها تضر الزوجة أو قضايا الشرف المنسوبة ضده، فيستطيع القاضي أن يثبتها، أما إذا لم تستطع الزوجة أن تثبت أحد الأسباب التي دعتها لطلب الطلاق، فلا يمكن للقاضي أن يقتنع إلا إذا اكتملت لديه القرائن والشهود، فإذا لم يتوصل إلى شيء من ذلك لا عبر الزوجة ولا الشهود ولا ما يتوصل إليه في اجتهاده، فإنه القاضي لا يحكم للمرأة بالفسخ، بل يتحول إلى الخلع، ويجب عليها أن ترد عليه مهره، في حال أرادت أن تخلعه من دون أسباب، ولكن حتى في هذه الحال إذا ثبت للقاضي أن طالبة الخلع لا تملك المهر الذي دفعه لها زوجها، فإنه قد ينظر في الأمر بشكل آخر، إذ سيعلق القاضي الزوجة ويجعلها زوجة ناشز، أي تظل الزوجة بعيدة عن زوجها مفرق بينهما، ولكن لا تجب لها أي نفقة أو حقوق، ولا تستطيع أن تتزوج، ولا تحصل على طلاقها، إلى أن ترد له حقه.