الأديب الأسطورة "وليم شكسبير" الذي أصبح عنواناً لقوة ومجد الأدب الإنكليزي، ولآلاف الناس الذين يحرصون على زيارة المكان الذي ولد فيه في"ستراتفورد اون افون"بإنكلترا، من عجيب المفارقات أنه اضطر إلى ترك المدرسة وهو لم يزل بعد في ال13 من عمره كي يعين أباه الفلاح في حلب البقر ورعاية الماشية وصنع الزبد ودبغ الجلود، فكيف بنى ابن الفلاح اسمه الأدبي ووالده ووالدته وأخته وابنته ثم حفيدته كانوا ممن يجهلون مبادئ القراءة والكتابة؟ والجواب أنه حين ضاق ذرعاً بحياة الريف هاجر إلى العاصمة حيث اشتغل حارساً للجياد والعربات أمام أبواب المسارح، لينتقل إلى داخل تلك المسارح باحترافه التمثيل، فلا تكاد تنقض خمس سنوات حتى يكون قد ربح دخلاً لا بأس به من مهنته الجديدة يمكنه من شراء بعض الأسهم التابعة لمسرحيين، ولأنه صار يقرض المال في مقابل فوائد عالية بلغ إيراده بقوة شراء ذاك الزمن نحو 300 جنيه في السنة، فلما بلغ ال45 من عمره قارب دخله الأربعة آلاف من الجنيهات، ليعد عند موته عن 52 عاماً عام 1616 وبحسب مقاييس عصره ثرياً من الأثرياء، فيدفن في كنيسة بلدته الصغيرة ستراتفورد أمام منبر الواعظ، فهل احتل موقعه ذاك تقديراً لعبقريته الأدبية؟ كلا، وإنما عرفاناً من أهل بلدته لجميله عليهم في فك أزماتهم المالية، ولو لم يفعل مبتكر شخصية المرابي اليهودي"شايلوك"في روايته"تاجر البندقية"لربما كانت عظامه اليوم ضائعة المعالم في قبر لا يعلم الكثير بمكانه. كلمة أخيرة: كل امرئ وليد ذكائه وتوظيفه له في مساره الإيجابي، فليس كل حارس مسرح امتلك المسرح الذي جلس على بابه، أما من بنى له اسماً لم ينل من اهتمام النقاد والقراء مثل ما ناله على مدار التاريخ فلم يكن بمنأى عن إقراض المال بفوائد مضاعفة، فليست الصورة غالباً بالإشراق الذي نراه، فإن كانت معجزة أدب شكسبير أنه لا يتقيد بوحدة الموقع الجغرافي ولا التوقيت الدنيوي ويصلح لتطبيق ما جاء بين سطوره في مكاننا وزماننا، فيصح إذن أن نستعير عبارات كتبها على قبر أحد أبطال رواياته جاء فيها:"أيها المار ترفق فلا تحفر هذا التراب...فلتباركك السماء إذا تجنبت المساس بهذه الأحجار، ولتلعنك إذا جرؤت على تحريك عظامي"، والسؤال: لم اعتدنا ألا نتنبه إلى عظمة من يعيش بيننا إلا بعد مفارقته لنا، وكأن تقديرنا للمستحق هو اكتشاف متأخر دائماً! قد يكون عامل الغيرة الإنسانية الذي تخف وطأته بموت الشخص المعني من أسباب إغداقنا اللاحق عليه، أو قد يكمن باعتقاد ألبير كامو في تحررنا من الإحساس بالمسؤولية تجاهه هو بالذات ما يجعلنا نحنّ إليه ونلتفت إلى سيرته وبموضوعية بعد موته. وقالوا:"إذا لم تكن فيك حاسة العظمة، فعبثاً تحاول أن تكون عظيماً"راجي الراعي. [email protected]