روميو في بغداد تحتفل ستراتفورد -أبون– آفون كل سنة بذكرى ولادة ابن شهير بموكب تتقدّمه فرقة المهندسين الملكيين، واستعراض شعبي على وقع الطبول الى النهر، وغداء وخطب، وعودة الى القواعد مع فرقة المهندسين. لا يُعرف تاريخ ميلاد وليم شكسبير، وكان ملائماً اختيار الثالث والعشرين من نيسان ( أبريل) الذي يصادف عيد القديس جورج شفيع إنكلترا التي لم تطأها قدماه. ثمة علاوة وطنية هذه السنة. مهرجان شكسبير العالمي بدأ مع ذكرى ولادته في نهاية الأسبوع الماضي، ويستمر طوال الصيف مواكباً الألعاب الأولمبية في لندن. أكثر من خمسين فرقة مسرحية من خمسة وثلاثين بلداً تقدّم أعمال المسرحي في سبع وثلاثين لغة، منها العربية. فرقة المسرح العراقي باشرت أمس عرضها «روميو وجولييت في بغداد» على مسرح سوان في ستراتفورد –أبون– آفون، مسقط رأس الكاتب. مؤسّس الفرقة، مناضل داوود، جعل مونتغيو وكابيولت، والدَي الحبيبين الممنوعين من عشق أحدهما الآخر، شقيقين يرثان زورقاً ويختلفان على قيادته، في إشارة الى الصراع على السلطة. يلعب أحمد صلاح مونيكا دور روميو وسروة رسول دور جولييت، علماً أنها إيرانية عاشت في العراق وجهدت لإخفاء أصلها. يشتدّ الحب وسط النزاع السني-الشيعي، ويدور المشهد الأخير في كنيسة سيدة النجاة التي اقتحمها أفراد من «القاعدة» وقتلوا كهنة ومصلّين فيها. «كل العالم مسرح»، قال شكسبير في «كما تحبه»، وها هو العالم يحتفل به في «عيد لغات كبير» ويجعله مُلْكَه. تخيّل الملك جون أرمينياً، هنري الرابع أرجنتينياً، ريتشارد الثالث برازيلياً، أوثيلو يونانياً، كوريونالس يابانياً، هاملت لثوانياً وهنري السادس بلقانياً في ثلاثية من صربيا، ألبانيا ومقدونيا. من الهند إنتاجان بالهندية والغوجاراتية. «كل شيء حسن» عن عمال تجارة الأفيون الناطقين بالغوجاراتية في بومباي أثناء الاستعمار البريطاني. و«الليلة الثانية عشرة» هندية كثيراً وفق مدير الفرقة الفني وستكون «بوليوودية في معظمها». تحفل بالحب والجنس والرغبة والصراع، وتتناول العائلة، الرغبة الخبيئة، الحب بين الطبقتين العليا والسفلى والتوائم. الفولكلور الهندي يحب التوائم المتطابقة، ويروي انفصالها ثم لقاءها وتعرُّف الواحد الى الآخر من الشامة في الموضع نفسه. الناقد البولندي يان كوت رأى شكسبير (1564-1616) معاصراً لنا لاهتمامه بمواضيع كلية كالحب والغيرة والطموح والطمع والسلطة والموت. ولئن كان على مسرحياته التاريخية أن تدور في بلاده، اختار لغيرها البندقية، فيرونا، روما، فيينا، أثينا، قبرص، صقلية ومصر. لم يغادر بريطانيا، لكنه غرف الكثير من أدب الرحلات، التنوع الديموغرافي للعاصمة واستئجار غرفة لدى أسرة فرنسية بروتستنتية في لندن. بعد وفاته جمعت أعماله في ما يسمى الحقيبة الأولى، وذكر صديقه ومنافسه بن جونسون في قصيدة استهلالية، أن شكسبير كان مسرحياً كبيراً ماثَلَ كتّاب الإغريق والرومان الكلاسيكيين. كان «روح العصر» في الوقت الذي لم يكن لزمن محدّد بل للأزمنة كلها. أدرك أن الوضع الإنساني جمع الحدث التاريخي والحقيقة الثابتة أو ما سمّاه «الطبيعة» و «العادة». ولئن رصد العواطف تابع أيضاً الانتقال من الكاثوليكية والإقطاع الى البروتستنتية والحداثة، الصراع بين الأفكار الجديدة والإيمان بالغيب، تشكّل الهوية الوطنية، الهجرة ونمو التجارة. توقف عرض «الملك لير» حين أصيب الملك جورج الثالث بالجنون، لكنها عادت تعرض بقوة خلال الحرب الباردة. رأى الأفارقة في «يوليوس قيصر» رمز النضال ضد الاستعمار، وترجمها جوليوس نييريري، أول رئيس لتنزانيا بنفسه الى السواحيلية. شاءت رابطة الشباب في حزب «المؤتمر الوطني الإفريقي» التي ضمت نلسن مانديلا اعتماد موقف وطني مقاتل، فأنهت بيانها الأول بعبارات من المسرحية. «الخطأ، عزيزي بروتس، ليس في نجومك/ بل في أنفسنا/ في أننا تابعون». حين سجن قادة الحزب لاحقاً في جزيرة روبن طالعوا مسرحيات شكسبير الذي «كان لديه دائماً ما يقوله لنا» وفق أحمد كترادا. هُرّبت أعمال الكاتب كاملةً الى السجناء، وخطّ كل منهم تحت العبارات التي جذبته. اختار مانديلا مقاطع عن الشجاعة إزاء الموت، «النهاية الضرورية (التي) ستأتي حين ستأتي». ستكون الكتب في معرض المتحف البريطاني هذا الصيف، وستكرّس «بي بي سي» موسماً كاملاً ل «الشاعر» الذي أُعيد إنتاج أعماله. وما أن تنتهي الضجة حتى تستعدّ بريطانيا للاحتفال بذكرى ولادته في 2014 ثم ذكرى رحيله في 2016. ضاحكاً الى المصرف ينطبق على داميين هيرست التعبير الإنكليزي «ضحك طوال الطريق الى المصرف». ينفي اتهامه بأن المال همّه الأول، ويبيع تذكاراً في معرضه الحالي بنحو سبعة وثلاثين ألف جنيه استرليني. بصرف النظر عن الحال الاقتصادية، هل تبقى جمجمة من البلاستيك الملوّن بهذا السعر مجرّد تذكار؟ افتتح هيرست معرضه أوائل الشهر في غاليري تيت مودرن، لندن، ووضع صحيفة «ذا غارديان» أمام احتمالين: إما أنه العبقري الأول في الفن البريطاني المعاصر الذي يجني ثروة من إمتاع الناس بتأملاته عن الحياة والموت، أو أنه محتال فارغ يخدعنا ويحصد الملايين من شارين يفوق مالهم قدرتهم العقلية. حين رأيت صورة لهيرست يتقدّم فيها رأسه على جسده أمام الكاميرا، خطر لي عمل فني، دمية له منقوعة في الفورمالديهايد مثل سمكة القرش التي افتتحت شهرته. ربع قرن من داميين هيرست المفتون بالموت، المتاجر به، لدى أصغر المخلوقات وأكبرها. كان في السادسة عشرة حين التقطت صورته ضاحكاً خلف جمجمة رجل أصلع على المشرحة. جمع المراهق كتب الأمراض تأثراً بالفنان فرانسيس بيكون، وسرق معظمها، وبهرته الحروق خصوصاً. رصف علب الأدوية والمشارط والقفازات في أربعة خزائن دعاها «تهويدة، الفصول»، وفي 2002 باع خزانة مماثلة عرضها ثلاثة أمتار بنحو 20 مليون جنيه استرليني. سعى في لوحات الدوائر الملوّنة، التي تحرجه قليلاً اليوم، الى تركيب يتحكّم فيه باللون، وضمّت آخر السلسلة أكثر من خمسة وعشرين ألف نقطة قطر الواحدة منها ميلليمتر واحد. تتكوّن «ألف عام» من صندوق يضم يرقات تتحوّل ذباباً تقتات من رأس بقرة ثم تموت أمام المشاهد. فراشات حرة ضخمة تنقد فاكهة عفنة وتتناسل وتحط على الأرض أو روّاد المعرض، فيلتقطها الموظفون ويطلقونها داخل القاعة. رائحة كريهة قوية تفوح من المنفضة الضخمة «المحرقة» التي حقّقها في 1996 ووضع فيها أكياساً من أعقاب السجائر. «حباً بالله» جمجمة من ثمانية آلاف وستمئة ماسة قال إنه باعها بخمسين مليوناً وقوبل بالتشكيك. وهناك بالطبع سمكة القرش العائمة، الفاغرة الفم التي سمّاها «استحالة الموت الفيزيقي في عقل شخص حيّ». سرّ قرأ ثلاثة أشخاص ثلاثمئة رواية في ستة أشهر واتفقوا على قائمة قصيرة من ثلاثة كتب. رفض مجلس الجائزة الذي يضم نحو عشرين شخصاً القائمة وحجب الجائزة. ليست المرة الأولى في تاريخ الجائزة مذ أسّسها الناشر جوزف بوليتزر في 1917، لكن الوسط الأدبي لا يجد عزاء في ذلك. الناقدة مورين كوريغان، إحدى أعضاء لجنة التحكيم، قالت إنهم اختيروا لكونهم خبراء في الأدب، فلماذا اتخذت القرار النهائي جماعة لا علاقة لها به؟ قال مجلس الجائزة إنه لم يستطع التوصّل الى قرار بالأكثرية حول أي من الكتب الثلاث. لا تنازل إذاً رغبة في التسوية، ويصعب القول أي الحالين أفضل لمصداقية الجائزة، وما إذا كانت الاستمرارية عنصراً صحياً أو صحيحاً في هذه المصداقية. لا يمكن رفض الاعتراض على «الملك الشاحب» لدافيد فوستر دالاس لسببين. توفّي الكاتب في 2008 قبل أن ينهي المخطوطة فأكملها محرّره. سائر الجوائز حاسمة في هذه الحال. يستبعد الكتّاب الراحلون والكتب غير الكاملة. الأمر واضح أيضاً بالنسبة الى «أحلام القطار» لدينيس جونسن. ظهرت قبل عقد في المجلّة الأدبية الأميركية «باريس ريفيو» وطبعت كتاباً العام الماضي. تساءل البعض ما إذا كان اقتصارها على 116 صفحة السبب في رفضها، وأشار الى نَيْل إرنست همنغواي بوليتزر عن «الشيخ والبحر» التي اكتفت ب 127 صفحة. لكن زمن النشر يبقى الأكثر ترجيحاً. هل استبعدت «سوومبلانديا» لصغر سن الكاتبة أو كونها باكورتها؟ كارين راسل في التاسعة والعشرين، وغمر النقّاد روايتها بإعجاب كبير. هل وجدت اللجنة تنازلاً من النقاد ولجنة التحكيم سببه هذان العاملان، أو أنهما كانا كافيين وافيين للتواطؤ ضد الكاتبة؟ كان الإنكليزي رديارد كيبلنغ في أول الأربعينات والفرنسي ألبر كامو في الرابعة والأربعين حين نالا نوبل، أهم الجوائز في العالم. وإذا كان سبب الاستبعاد الخوف من اقتصار الإنتاج على عمل واحد فإن ذلك لم يمنع اعتبار نل هاربر لي، التي كوفئت ببوليتزر في 1961 عن عملها الوحيد «قتل طير ساخر»، كاتبة كبيرة لا تزال روايتها تُقرأ في المدارس وخارجها حتى الآن.