تعزف كثير من النساء عن الزواج بعد الانفصال مخافة أن يتسلط الأب، فينزع منها فلذات كبدها وأولادها، وتبقى تكافح من أجل أطفالها ولا تتفوه بكلمة واحدة تطالب فيها بالإنفاق على أولاده"لأنها قد هددت بانتزاع أطفالها إن هي سألته ريالاً واحداً؟ ويظل الجانب الضعيف جاهلاً بحقوقٍ كفلها له الإسلام حماية لحقه ولحق من هم تحته، وجاء كتاب الحضانة في الفقه الإسلامي بتفريعات تجعلنا نتساءل من المسؤول عن تغييب هذه الثقافة في مفرداتنا؟ إن على المرأة أن تراجع مباحث الحضانة وتفريعاتها في كتب الفقه"لأنها ليست بأقل أهمية مما تعلمته وأتقنته من أمور الزينة والديكور والأزياء"لأن هذه وإن تعلقت بالظاهر والشكل فتلك تتعلق ببعض اللحم والدم أطفالك. والحضانة في الفقه تعني تربية الولد، أو معاقدة على حفظ من لا يستقل بحفظ نفسه كالطفل، وعلى تربيته وتعهده كي يقوى على النهوض بتبعات الحياة والاضطلاع بمسؤولياتها، وأسمى ألوان التربية تربية الطفل في أحضان والديه، إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامهما عليه، ما يبني به جسمه، وينمي عقله، ويزكي نفسه، ويعده للحياة، فإذا حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل، فالأم أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى، ولم يقم بالولد وصف يقتضي تخييره، وفي الحديث الذي أخرجه الحاكم وصحح إسناده أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وِعَاء، وحِجْري له حِوَاء، وثديي له سِقًاء، وزعم أبوه أنه ينزعُه مني؟ قال:"أنت أحق به ما لم تنكحي" قال ابن القيم في الزاد:"ودلّ الحديث على أنه إذا افترق الأبوان، وبينهما ولد، فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع". وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فجاء عمر قباء، فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده، فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام، فنازعته إيّاه حتى أتيا أبابكر الصديق. فقال عمر: ابني. وقالت المرأة: ابني. فقال أبوبكر: خلِّ بينها وبينه. قال: فما راجعه عمر الكلام. بل إن الإسلام يلزم الأب بأجرة الحضانة، وهي أجرة تضاف إلى نفقات المحضون من مطعم ومشرب وملبس، تقابل قيام المرأة بخدمة الطفل ورعايته، وتشابه أجرة الرضاع، وقد اختلف فيها الفقهاء، فذهب الجمهور الأحناف، والشافعية، والحنابلة إلى أن للأم المطلّقة أجرة الحضانة إن طالبت بها، وهي من مال الولد المحضون إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فمن مال أبيه، أو من تلزمه نفقته، وهي تختلف باختلاف عسر الرجل ويسره، ثم إن الأحناف، والشافعية ذهبوا إلى وجوب أجرة مسكن للأم الحاضنة تحضن فيه الولد إن لم يكن لها مسكن، ويعتبر هذا من أجرة الحضانة التي تستحقها، فإن كان لها مسكن تسكن فيه، ويمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها، فلا تستحق أجرة مسكن مع أجرة حضانتها. يقول سيد سابق:"...... وكما تجب أجرة الرضاع، وأجرة الحضانة على الأب، تجب عليه أجرة المسكن، أو إعداده إذا لم يكن للأم مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير. وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره إذا احتاجت إلى خادم وكان الأب موسراً. وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصّة من طعام، وكساء، وفراش، وعلاج ونحو ذلك من حاجاته الأوليّة التي لا يستغني عنها، وهذه الأجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها، وتكون ديناً في ذمة الأب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء". وتأمل في نصوص الشرع وأقوال الفقهاء في حفظ حق المرأة المطلقة الحاضنة، تجد أن لها أجرة الرضاعة، والحضانة، ونفقة المحضون مع أن قرب ولدها غاية مناها، ومنتهى سؤلها لوالده، ومع ذلك يحفظ الإسلام حقها المالي، ويراعي عاطفتها فيجعلها أولى الناس بالولد، ويوجب على الرجل دفع الأجرة، ومثلها كمثل أم موسى ترضع ولدها، وتأخذ أجرها. فهل ستطالب النساء بأجرة الحضانة التي نص الفقهاء عليها إضافة إلى نفقة المحضون، وماذا لو قررت المرأة الزواج هل سيسقط حقها في الحضانة وتوابعها؟ هذا ما سأطرحه في المقال القادم إن شاء الله، متمنية للجميع العلم النافع والعمل الصالح. * داعية وأكاديمية سعودية. Nwal_al3eeed @ hotmail.com