الدمام – رشا العبدالله الريس: الجهة المخولة بتنفيذ الأحكام لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل. الصقعبي: نأمل إشراك اختصاصيات الاجتماع ضمن هيئات النظر في المحاكم. الغصن: عند اختلاف جنسية الأبوين يكون المحضون مع الأب حرصاً على نسبه. القحطاني: على القاضي الإلمام بأقوال الفقهاء وتحقيق الأصلح للمحْضون. العجيان: الخمس سنوات الأولى تسيطر على حياة المحضون طول عمره. شهدت محاكم المملكة في العام الماضي 5019 قضية من قضايا الحضانة المتنازع عليها، في ظل التأكيد المستمر على كافة حقوق المحضونين من قِبل كل الجهات الرسميّة والقانونية والاجتماعية. وقد عنيت التشريعات الإسلامية بالتشديد على عدم المساس بحقوقهم، كونهم الشريحة الأضعف والأولى بالرعاية. ومع احتدام الصراع بين الأبوين إلى الحد الذي يوصلهما للفراق يقف المجتمع بأكمله عاجزًا عن الموازنة بين ما كفله الشرع للأبناء المحضونين وما تركه الآباء بصراعاتهم وسوء اختياراتهم وقراراتهم في نفوس هؤلاء الأبناء من آثار تمتد نتائجها إلى كافة مراحل حياتهم المستقبلية. اجتهاد القضاة محمد الريس وأوضح المستشار القانوني الدكتور محمد كريم الريس أن باب الحضانة يتسع وفقًا لأحكام الفقه الإسلامي للحد الذي يسمح باجتهاد القاضي لإصدار الأحكام التي يراعى بها مصلحة المحضون. موضحًا ذلك من خلال مسائل متعددة؛ أولها مسألة حضانة البنت التي شهِد حيالها تطورا كبيرا في الأحكام المبنية على الاجتهاد بحيث صار يُحكم ببقاء البنت مع أمها وإن زاد عمرها عن سبع سنوات؛ في حالة وجود إخوة لها تقل أعمارهم عن السابعة حرصًا على عدم التفرقة بينها وبين إخوتها. وهناك اختلاف كبير عما اعتاد القضاء الحكم به في مسألة حضانة البنت وفقاً لعمرها. السفر بالمحضون وعن السفر بالمحضون، يقول الريس: إن القاضي إذا حكم لأحد الأبوين تسقط الحضانة عنه في حالة اضطراره للسفر إلى بلد غير التي فيها بيت الزوجية سواء كانت بعيدة أو قريبة، بحيث تنتقل للطرف الآخر؛ ما لم يتم الاتفاق بينهما على غير ذلك. وهي مسألة «اجتهادية» يُنظر فيها لمصلحة المحضون ولا يؤثر على الحكم فيها أن يكون الأبوان سعوديي الجنسية أو كان الزوج سعودياً والزوجة غير سعودية. أما في حالة أن يكون الزوج غير سعودي والزوجة سعودية؛ فيتم تطبيق ما جاء في النظام السعودي الذي يقضي بمنع الأب الحاضن من السفر بأبنائه ما لم يبلغوا ثمانية عشر عامًا، من باب الحفاظ على المواطنة التي كفلتها المملكة العربية السعودية لأبنائها. مشكلات التنفيذ وشدد الريس على ضرورة النظر في بعض الملفات المتعلقة بمسائل الحضانة التي من ضمنها (التنفيذ)، وهي المرحلة اللاحقة لمرحلة الحكم بالحضانة، حيث يصدر القاضي حكمه لصالح الأم ولكنها قد لا تستفيد من هذا الحكم كونه نافذاً على الورق لا على الواقع لتعمد الأب بأن يهرب بالمحضون رافضًا التنفيذ أو متهاونًا فيه. مشيراً إلى أن الجهة المخولة بالتنفيذ وإن كانت تقوم بواجبها؛ إلا أنها لا تقوم به على الوجه الأكمل مما يؤدي إلى ضياع قيمة الأحكام ويحول دون الاستفادة منها. ويرى الريس أن الحل للحد من الوقوف على الأحكام دون تنفيذها يكمن في تحفيز الجهة المخولة بالتنفيذ؛ بحيث يخصص لهم أجر إضافي عن كل حكم يتم تنفيذه بواسطتهم، على أن يكون هذا الأجر مقتطعاً من غرامة تحددها المحكمة على من صدر الحكم ضده في حالة عدم تنفيذه في الوقت المحدد من قِبلهم؛ وتكون هذه الغرامة قابلة للزيادة كلما تعدت فترة التنفيذ. وفي ذلك من الجوانب الإيجابية ما ينطوي على أمرين، أولهما تحفيز المحكوم ضده بالتنفيذ، والثاني تحفيز جهة التنفيذ بالاجتهاد في البحث عنه وإخضاعه للتنفيذ. جنسية الأبوين إبراهيم الغصن من جهته أوضح رئيس اللجنة الوطنية للمحامين الدكتور إبراهيم الغصن – فيما يتعلق بمسألة السفر بالمحضون – بأن الحكم بالحضانة في حالة اختلاف جنسية كل من الأبوين يكون للأب إذا اضطر للسفر إلى موطنه حرصًا على أن لا يضيع نسب الولد، حتى ولو كان ذلك في التوقيت الذي حكم فيه بالحضانة للأم. أما إذا ظل الأبوان في بلد الإقامة فلا تسقط الحضانة عن الأم طالما انتفت الأسباب المؤدية لذلك. ويعلل هذا الحكم الاجتهادي بأنه مبني في المقام الأول على مصلحة المحضون؛ خاصةً في الوقت الذي زادت فيه الحالات التي تضيع فيها الأنساب بشروع أهل الأم الحاضنة في تغيير اسم الابن ونسبه إليهم اعتقادًا منهم بأنهم أصحاب الحق فيه لتربيتهم ورعايتهم له، وهو الأمر الذي يسد به القاضي من خلال اجتهاده هذا الباب. مضيفاً أن هذا الحكم مقيد بشرط أن لا يكون في بلد الأب ما فيه مضرة على المحضون كالحروب أو الوباء أو ما إلى ذلك، في هذه الحالة تظل الحضانة لدى الأم. كما أشار إلى مسألة تخيير المحضون في حال وصوله إلى السن المناسب لذلك، حيث إن القاضي لا يأخذ في كثيرٍ من الأحيان بخيار المحضون طالما كان خياره يتعارض مع مصلحته، كأن يختار الطرف الذي يجد معه كامل الحرية في اللعب واللهو لانشغاله عنه، على عكس الطرف الآخر الذي يسمح بالقدر الكافي من اللعب مع متابعته في إنجاز دروسه وتقويم أخلاقه. ويتفق الغصن مع الريس في التأكيد على اتساع أحكام الفقه الإسلامي ومرونتها؛ كونها أحكاماً مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي القاعدة التي يستند عليها القضاة في اجتهادهم للوصول إلى الحكم. مبادئ شرعية عوض القحطاني وأفاد المحامي عوض القحطاني أن أهل العلم لم يختلفوا في أن الحضانة في حال افتراق الزوجين تكون للأم، وأما السن التي تنتهي عندها أولوية الأم في الحضانة، فقد اختلف الفقهاء فيها اختلافاً كثيراً، والراجح أن الأم أحق بها حتى يبلغ الأولاد سن التمييز والاختيار، فإن بلغوها خيروا. واتفقوا على أنه ليس لمن له الحضانة أن يمنع الآخر من زيارة المحضون. أما المبيت فإن الظاهر من كلام أهل العلم أنه حق لمن له الحضانة، فإن سمح به فلا مانع منه وإلا فإنه حق له. وعن مسألة السفر بالمحضون قال القحطاني: قد يعرض لأحد الوالدَين الرَّغبة في ذلك، مما يخلق العديد من المشكِلات عند امتناع الطرف الآخر، واختلف الفقهاء حول هذه المسألة حسب نوع السَّفر ومسافته، وحسب الحاضِن وحاله. الأمر الذي يتطلب من القاضي المختص بالنَّظر في مثل هذه المسائل أن يكون ملمًا بأقوال الفقهاء، ويكون هدفه هو الأصلح للمحْضون. صالح الصقعبي بدوره أكد المحامي صالح الصقعبي على ضرورة إنشاء جمعيات متخصصة تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع وزارة العدل، لمساعدة القضاء في علاج كافة مسائل الأحوال الشخصية التي من ضمنها مسألة الحضانة لما تستوجبه من محاولة الإصلاح بين الأبوين لمصلحة المحضون أو إقناع من تتوافر فيه شروط الحضانة بأن يضم هذا المحضون ويتكفل برعايته في حالة تخليهم عنه. فضلًا عن ما يأمله من سعادة وزير العدل في إتاحة الفرصة لاختصاصيات علم الاجتماع وعلم النفس وأصول الدين للوجود ضمن هيئات النظر في المحاكم العامة أو محاكم الأحوال الشرعية ليقمن بالتحدث مع المرأة وتفريغ ما بداخلها فيما يتعلق بمطالبتها بالطلاق أو الحضانة في محاولة لمساعدة القضاء على إيجاد الحلول التي قد لا يستطيع الرجل إقناعها بها؛ خاصة في وقتنا الحالي الذي تزايدت فيه مشكلات تربوية سببها بعض وسائل الإعلام الفاسدة؛ والمحيط بالمرأة من عدة جوانب ليمثل الرجل عدوًا لها ولمصالحها. الأثر النفسي فيصل العجيان على صعيد الآثار النفسية قال الاختصاصي النفسي فيصل العجيان إنه يميز بين فترة ما قبل الطلاق والفترة التي تليها، موضحًا أن الطفل خلال الخمس سنوات الأولى من حياته يحتاج للكثير من الرعاية والحنان والاستقرار الداخلي، وإذا أخل الصراع القائم بين الأبوين بإشباع كافة احتياجاته خلال هذه السنوات كاملة؛ فإن الطفل يميل إلى المرحلة التي عاش فيها هذا النقص في الإشباع ويظل متقوقعًا داخلها حتى بعد انتهائها ودخوله في المرحلة التالية لها. أما فترة ما بعد الطلاق التي ينتظر الطفل خلالها الحكم بالحضانة لأحد الأبوين؛ فتكون من أكثر الفترات العصيبة التي تمر عليه بحياته، حيث إن كلاً من الأبوين يحاول جذبه تجاهه وإقناعه بأنه ينتمي إليه وإلى أسرته ولا ينتمي إلى الطرف الآخر، وهي محاولة منهما لتشكيل هويته مما يجعله يعيش في صراع شديد يصوره كالسلعة التي تشترى ولا يراعى فيها ضعفه وإنسانيته. الأمر الذي يستمر أثره حتى مرحلة الرجولة ويشكل ملامح شخصيته وسبل اتخاذه لقراراته. سلوك مستقبلي غير سوي وأضاف العجيان أن الطفل الذي يكون في سن الحضانة يتأثر كثيراً بمن يعيش معه، فيستطيع أن يسيطر على عقله الصغير في تنفيره من الطرف الآخر للحد الذي يتخذ فيه الطفل قراراً بعدم التواصل مع الطرف الآخر حتى بعد أن يكبر ويصبح أكثر وعيًا؛ حيث إنه يظل تحت تأثير ما وُجه إليه منذ الصغر. فضلًا عن كون هذا التأثير سيمتد إلى حياته الخاصة ويلعب دوراً رئيساً في بلورة سلوكه مع أبنائه، الذي غالبًا ما يكون سلوكًا غير سوي. كونه قد يكرر نفس تجربة أبيه في الطلاق، أو أن يكون لديه خوف يزيد عن الحد المعقول على الطفل؛ فيبدأ بتلبية كافة احتياجاته ليصل به دون أن يشعر لمرحلة الفساد السلوكي والاعتياد على إيجاد كل ما يتمنى، مما سيجعله يصطدم بواقع يكتشف من خلاله استحالة أن ينعم طيلة حياته بتحقيق كافة أمنياته. ويقول العجيان إنه رغم ازدياد فرص التعليم وإتاحة المجال للتأهيل والتثقيف وازدياد الوعي؛ إلا أن التساهل في مسألة الطلاق لدى المرأة في وقتنا الحالي وعدم اكتراثها بما يترتب عليه من نتائج سيظل هو المحور الرئيس في فشل العلاقات الأسرية.