في حوادث مرورية مفجعة، باغتت نهايتها المفجعة عائلتهما، كما باغتت عائلات أخرى واجه أبناؤهم بها المصير نفسه، وكان من الممكن لمثل تلك البراعم أن تنجو في مجتمع يحترم ويطبق قوانين الأمن والسلامة في الطرق، وقضية الحوادث المرورية في المملكة التي تحصد عدداً مهولاً من الأرواح كل يوم من أبناء وبنات الوطن من أهم الأولويات، وليس ذلك فقط بسبب العدد المؤسف لضحايا الحوادث المرورية سواء من الوفيات أو المصابين بإعاقات أوقفت حياتهم الطبيعية كما عهدوها للأبد، ولكن لأن السبب في الحوادث المرورية هو الفشل في تطبيق معايير بسيطة للغاية للأمان والسلامة في القيادة والمركبات والطرق، فكم هو أمر مخزٍ أن نترك البشر نهباً للموت وللإعاقة الدائمة لأسباب يمكن ببساطة منعها. وأتذكر قيام إدارة مرور جدة قبل عدد من السنوات بإنشاء معرض إرشادي في واحد من أكبر المجمعات التجارية، المعرض الذي قدم صوراً مؤلمة من مواقع عدد من الحوادث المرورية مصحوباً بإرشادات السلامة التي تم تجاهلها في كل حادثة أثار الكثير من ردود الأفعال الساخطة لعرض صور الموت وأجزاء الجثث والمركبات المتفحمة في مكان عام بلا مراعاة لشعور العابرين والعابرات، ومع احترامي لوجهة النظر تلك إلا أنني ساندت المعرض، وكلي يقين بأن عرض مثل تلك المشاهد للشباب وللسائقين الجدد كإجراء إلزامي قبل منح الرخص سيجعلهم أكثر حذراً ووعياً على الطرقات، فالقيادة في طرقاتنا تشبه لعبة إلكترونية مخيفة مدعمة بسلسلة من المفاجآت المستمرة، الناجي منها هو من يقرأ لغة السائقين الخاصة من حوله والتي تحتاج للقدرة على التنبؤ بالأمور قبل حدوثها، فيتحسب مثلاً لمن يقرر أن يحيد دون إنذار عن مساره، أو يظل سائراً بكل سرعته على رغم توقف السيارات أمامه، وعلى رغم توقف الإشارة، وأما استخدام إدارات المرور لتلك العبارات التي تزين بها شوارعنا مثل"القيادة فن وذوق وأخلاق"فذلك أمر غير مجدٍ على الإطلاق، والأفضل منه منع الإعلانات الملونة والشاشات المتلفزة التي تصرف انتباه الكثير من السائقين عن الطريق، إذ تشير الدراسات التي صدرت عن سلوك قائدي المركبات وعن أسباب الحوادث المرورية لدينا أن الأمر بالفعل بحاجة لما هو أكثر من استنفار النيات الطيبة والذوق والأخلاق، ففي دراسة ميدانية لمعرفة نسبة انتشار حوادث الطرق بين فئة الشباب من طلبة إحدى الكليات الصحية، كان أكثر من نصف الطلبة قد تعرضوا إلى حوادث مرورية كما أصيب ثلثهم في تلك الحوادث، وأن اثنين من كل عشرة ممن أصيبوا قد تم تنويمهم في المستشفى لفترة تزيد على تسعة أيام، على رغم أن معظم هؤلاء الطلبة كانوا على معرفة عالية أو معقولة بالأنظمة المرورية إلا أن السرعة كانت عاملاً أساسياً في إصابتهم! إذا كانت قلة الوعي في اتباع قوانين السلامة واردة في قائدي المركبات فهي بالتأكيد مستبعدة من أفراد شرطة المرور، إلا أن دراسة منشورة عن مدى معرفة رجال المرور لدينا بالإسعافات الأولية في واحد من أكثر الطرق السريعة ارتياداً وتعرضاً للحوادث، أوضحت أن غالبيتهم - على رغم تدريبهم المسبق على الإسعافات الأولية - يفتقدون المعرفة والمهارة الكافيتين لأساسيات الإسعافات الأولية، ما يؤثر سلباً على حال المتعرضين للحوادث على الطريق، وتمثل الوفيات بسبب حوادث الطرق ما نسبته 80 في المئة من بين كل الوفيات المسجلة في مستشفيات وزارة الصحة السعودية، وهناك ما نسبته 20 في المئة من الأسرة في المستشفيات ذاتها مشغولة بضحايا تلك الحوادث، وتقدر إحصائية منشورة أخيراً أننا نفقد في كل ساعة قتيلاً واحداً وأربعة مصابين بسبب حوادث الطرق، تلك النسب والأرقام ليست مجرد إحصاءات على ورق، ولكنها أرواح غالية لأبناء وبنات وأزواج وزوجات وإخوة وأخوات انطفأت بموتهم وإصابتهم شعلة الحياة في قلوب أحبائهم، إنها أرواح فقدناها بسبب غياب إجراءات القيادة الآمنة وبسبب تهاون قائدي المركبات وسوء تدريبهم، كان من الممكن أن تنقذها حملات مكثفة للتوعية بإجراءات السلامة والأمن، أو المزيد من التخطيط والتنظيم للطرق وأنظمة منح رخص القيادة ووسائل فحص المركبات، وحفظ الأرواح يحتاج إلى ما هو أكثر من 30 يوماً من الحبس أو غرامة مالية ما لا تزيد على 900 ريال، وهي العقوبة المنصوص عليها لمعظم مخالفات المرور كما وردت في الموقع الرسمي لوزارة الداخلية، سواء لمن يشترك في حوادث تؤدي إلى إصابات جسدية، ويختفي من موقع الحادثة من دون تبليغ أو للقيادة المسرعة أو للتفحيط أو عدم إتباع إشارات المرور وأنظمة السير وغيرها من المخالفات، وليس هناك أي عقوبات بسحب الرخص أو الإيقاف عن القيادة لمثل تلك الجرائم، ولا بد أن كل من فقد حبيباً أو حبيبة على الطرقات، يتساءل لماذا تبقى أرواحهم أرقاماً وأخباراً في صفحات الحوداث؟ ولماذا مع امتلاكنا للموارد والإمكانات نفتقد للسلامة في الطرق؟ * كاتبة سعودية ? الولاياتالمتحدة [email protected]