نظمت المندوبية الدائمة للمملكة في اليونيسكو أخيراً ندوة"الترجمة... وسيلة تعارف"في مقر المنظمة، في مساهمة جديدة للوقوف على حال الترجمة وواقع نقل نتاج الحضارات الأخرى إلى اللغة العربية والعكس. وشارك في الندوة المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز والأمين العام لجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة فيصل بن معمر والمندوب الدائم للمملكة في اليونيسكو والملحق الثقافي السعودي في باريس ونخبة من مفكرين ومثقفين وسفراء عرب في المنظمة، ومساعدة المدير العام للمنظمة للشؤون الثقافية. ووصف ابن معمر في كلمته الافتتاحية الترجمة بأنّها"إحدى الضرورات الأساسية التي تسمح بالتعايش بين الثقافات والشعوب، ودعم روح التواصل بين الأجيال، على اختلاف انتماءاتهم وتنوعاتهم الدينية والحضارية والعرقية"، موضحاً أنه على رغم الأهمية التي تكتسبها الترجمة"كفعل ثقافي إلاّ أن هناك أسئلة ملحة حول واقع الترجمة عربياً الآن، والتحديات التي تواجه المجتمعات العربية: جهوداً و تخطيطاً". وأكد ابن معمر أن ذلك يعود إلى اعتبارات عدة"منها عدم استفادة العالم العربي من دروس الماضي ولا من منجزات الآخر، والعشوائية في المشاريع والخطط الخجولة هنا وهناك، فضلاً عن قلّة الترجمة في اللغات الشرقية وغياب سياسات واضحة للترجمة"، مشيراً في ختام كلمته إلى الجهود السعودية في مجال الترجمة، من خلال عدد من المؤسسات والمراكز البحثية المهمة. وبدورها نوهت مساعدة المدير العام للمنظمة للشؤون الثقافية بالجهود السعودية لدعم اللغة العربية،"وأنّها تأتي متممة للجهود العربية في التاريخ الإسلامي الذهبي، إبّان تأسيس دار الحكمة ببغداد ودعم الخليفة المأمون لجهود الترجمة""مشيدةً بجائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة، بصفتها"رافداً لتعزيز مكانة المملكة وحضورها الفاعل والنشيط والمؤثر داخل أروقة منظمة اليونيسكو. ومن جانبه، دعا المندوب الدائم للمملكة في اليونيسكو الدكتور زياد الدريس في كلمته منظمة اليونيسكو إلى"تحديد يوم عالمي للمترجم، نعترف فيه بجهده، ونلتمس فيه الصعوبات التي تواجهه في أداء مهمته الحضارية البالغة الأهمية"وتساءل عن تجاهل المترجم"حين نردد أقوال مفكري أوروبا من دون أدنى وعي باسم المترجم، داعياً الجميع إلى توجيه الشكر والامتنان لطابور طويل من المترجمين الأفذاذ". وتساءل الدريس:"أين يكمن الداء"في جسد الترجمة؟ هل في المؤسسات المرجعية أم في العائد المادي؟". يُذكر أنّ الندوة وزعت على ثلاث جلسات، الأولى كانت بعنوان"دور الترجمة في تعزيز الحوار بين الثقافات"، وتحدث فيها رئيس قسم الحوارات في اليونيسكو وخبير من قسم الثقافة في المنظمة، واستعرضت انعكاسات غياب أو ضعف الترجمة على كفاءة التواصل الإيجابي بين الشعوب. بينما جاءت الجلسة الثانية بعنوان"سبل تفعيل الترجمة من اللغة العربية وإليها... تجربة اليونيسكو أنموذجاً"وشارك في هذه الندوة المستشار الثقافي لمعهد العالم العربي والناشر والباحث الأستاذ فاروق مردم بك وسفيرا فلسطين واليمن لدى اليونيسكو ومدير مركز الأبحاث في شؤون الشرق الأوسط، وتناولت العوائق المانعة للترجمة من وإلى اللغة العربية خدمة لثقافتها ولثقافة الإنسان عموماً. وأشار معظم المشاركين إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والإجراءات البيروقراطية، التي تعوق تفعيل الترجمة العربية مقارنة بالفعالية المضاعفة للترجمات في لغات العالم الأخرى. أما الجلسة الثالثة فخصصت لجهود المملكة في خدمة الترجمة العربية، واستعرض فيها ابن معمر تفصيلاً وافياً عن جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة الحديثة النشأة، مستعرضاً أهميتها"كونها تبدأ من حيث انتهى الآخرون ومتجاوزة العديد من الجوائز والمشاريع القائمة، بهدف تنمية الوعي بالترجمة وخدمة المعرفة بنقلها وإثراء المكتبة العربية"، مضيفاً أنّ هذه الجائزة"تأتي تحقيقاً لتطلعات خادم الحرمين الشريفين في إشاعة قيم الحوار وثقافاته وتأصيله، وجعله أسلوباً للحياة". ودعا الملحق الثقافي السعودي في باريس الدكتور عبدالله الخطيب إلى"تجنب الاتكاء على ذخيرة الذاكرة وما أنتجه التاريخ الإسلامي، وما هو عليه الحال اليوم، إذ لا توجد مشاريع تسد الحاجة القائمة والملحة في مجال الترجمة". واستعرض الجهود التي تسعى إليها الملحقية الثقافية السعودية في فرنسا"لخدمة الترجمة بين العربية والفرنسية، في مشروع سيرى باكورة أعماله قريباً"، ونوه تحديداً بالاتفاقات التي تم توقيعها أخيراً بين عدد من الجامعات السعودية مع جامعات فرنسية في مجالات الترجمة واللغات. وأكد الخطيب أهمية هذه النقلة"إلى رحاب واسع نحو تفاعل اللغة العربية مع لغات عالمية نالت حظّها من التوسع والنقل، سواء من حيث دراسة العلوم الإنسانية في مؤسسات التعليم العالي، أو من حيث العلوم التطبيقية البحتة ونقلها إلى اللغة العربية".