هكذا بين ليلة وضحاها أصبحت الرواية السعودية لاسيما النسائية الأكثر شهرةً ورواجاً وطلباً ومبيعاً، ليس على صعيد الوطن وحده، بل امتد ذلك الشغف المحموم للحصول على نسخة ما لأية رواية سعودية على امتداد الوطن العربي، وهنا يقفز السؤال: متى شكلت الرواية حاجة ملحة وضرورة عضوية في ثقافة وذائقة وفكر الإنسان السعودي، حتى تتجاوز حدود الوطن إلى الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج؟ ومن يدري فقد تصل الرواية السعودية إلى العالمية، لدرجة أن الرواية السعودية على رغم حداثتها وضعف مقومات بعضها غدت فرس الرهان في كل المحافل والملتقيات والندوات والمعارض العربية، وهذا الحضور الطاغي للرواية السعودية في حاجة إلى وقفة، بل وقفات تأمل وتمعن ودراسة، لكشف حقيقة هذا الصعود الاستثنائي غير المسبوق للرواية السعودية. لست ناقداً ولا دارساً ولا حتى راصداً للمشهد الثقافي السعودي، الذي تحتل فيه الرواية قصب السبق، ونصيب الأسد في ظل تراجع كبير وغريب لباقي الآداب والفنون، ولكنني قارئ جيد أو هكذا أزعم للرواية العالمية والعربية... وحديثاً ساقني الفضول كما فعل بغيري إلى قراءة بعض الروايات السعودية ك"بنات الرياض"لرجاء الصانع، و"حب في السعودية"لإبراهيم بادي، و"فسوق"لعبدو خال، و"ملامح"لزينب حفني، و"الآخرون"لصبا الحرز، و"القران المقدس"لطيف الحلاج، و"الأوبة"لوردة عبد الملك، وما زلت أنتظر الفرصة السانحة لقراءة المزيد من الروايات السعودية التي تفرزها المطابع العربية تماماً كالعرق، كما شبهها أحد الروائيين العرب الذين أزعجهم على ما يبدو هذا الانتشار الواسع للرواية السعودية! الكل يعرف بأن الجنس والدين والسياسة تمثل مثلث المحرمات في الرواية العربية، ولعل تجارب عربية سابقة ك"ذاكرة جسد"، و"عابر سرير"لأحلام مستغماني، و"وليمة أعشاب البحر"لحيدر حيدر، وغيرها الكثير من الروايات، أثبتت بما لا شك فيه بأن الرواية كمنجز أدبي إبداعي وإن لم تكن كذلك في كل الأحوال لن تلقى حظها من الشهرة والانتشار ما لم تُوجد لها مقاربة وتعاطٍ مع تابوهات المحرمات والمحظورات. ويبدو أن الجيل الجديد من الروائيين السعوديين والروائيات السعوديات قد فطن لذلك وسار على النهج نفسه، فمنذ عقود من الزمن لم تكن الرواية السعودية تقوى على مجرد مقاربة لهذه التابوهات التي يُعتبر مجرد الاقتراب منها بل مجرد التفكير في ذلك نوعاً من التحدي الصارخ لخصوصية المجتمع السعودي المحافظ، جرياً على عاداته وأعرافه وأخلاقياته ومسلماته، ولكن مع بداية الألفية الثانية المبشرة للعولمة الكونية، أفرزت المطابع العربية بعد أن تخلت المطابع الوطنية عن ذلك لدواعٍ رقابية واجتماعية ودينية بعض المحاولات غير الخجولة لروائيين وروائيات سعوديات، القاسم المشترك في ما بينهم هو الرغبة الجامحة لكسر"تابو"المحظور الاجتماعي في الرواية السعودية، وقد تكون"بنات الرياض"هي الطلقة القوية والمدوية في ذلك الاتجاه. ولكن الأسئلة الأهم هي: هل بإمكان هذه الروايات الرائجة والمتكررة الطباعة لتزايد الطلب المستمر عليها أن تحرك المياه الراكدة في ثنايا المجتمع السعودي المحافظ لتتسارع موجات التغيير؟ وهل تستطيع أيضاً أي الرواية السعودية عبر رصدها وتسجيلها للتفاصيل الدقيقة والحساسة، لاسيما المتوارية خلف الجدران وخلف الشبابيك، كما تقول فيروز، من أن تُحدث ارتجاجاً عنيفاً يُعيد تأصيل وترتيب وتنظيم وتحديث العقل السعودي لاسيما الذكوري؟ وهل تستطيع الأفكار والرؤى والحوارات والمشاهد والأحاسيس والتطلعات والأحلام، بمجرد أن تلبس ثوباً ابيض أو تندس في عباءة سوداء وتتدفق فيها الدماء، أن تدفع بالمجتمع السعودي المحافظ بكل خصوصياته إلى نواصي التغيير... هل تستطيع الرواية السعودية أن تفعل ذلك؟ [email protected]