أعتقد أن الوضع الآن في المنطقة العربية اصبح أشد تعقيداً عما قبل، فالقمة العربية بين شد وجذب، فمازال بعض القضايا المهددة لعقد أو إنجاح مثل هذه القمة متفاعلة حتى الآن، وعلى رغم أن سورية المستضيفة لها طرف رئيس فيها وبإمكانها - إن أرادت - تسييرها، إلا أنها تصر على أن تحتفظ بورقة الإرباك الحاصل كمحاولة ربما تكون الأخيرة لها لإثبات القدرة على أنها الدولة"المفتاح"للاستقرار في المنطقة، لتبدأ بعدها لعبة تبادل المصالح بينها وبين القوى العظمى في العالم وعلى رأسها الولاياتالمتحدة. فمن ناحية تلمح الشقيقة سورية بموضوع العراق مع توجيه رسائل توحي بقدرتها على تمرير الفوضى إليه عبر حدودها، ومن ثم انتقال هذه الفوضى كفيروس إلى باقي دول المنطقة، ومن ناحية ثانية تأجيج الصراع الداخلي في لبنان وجعله مسرحاً لتصفية الحسابات، ومن جهة ثالثة إسرائيل التي تحتفظ بملف شائك في التعاطي معها ومع أمن حدودها، والقيام بما يسمى جس النبض عبر مجموعة أفراد حاولوا - وربما نجحوا موقتاً - في أدلجة وضعهم بإطلاق شعارات وتبني حملات شعبية للخداع والتمويه. ما يدفعني إلى طرح هذا التخوف من أكثر من أمر، أوله الإصرار من سورية الشقيقة على تصعيد أزمة القضية اللبنانية، وعدم السعي إلى طرح أية مبادرة إيجابية من طرفها، قد تسهم في حل هذه القضية، على رغم ما قدمته المملكة الدولة الأكثر ثقلاً في المنطقة والعالم العربي من حلول إيجابية تضمن لكلا الطرفين موقفاً عادلاً، وعلى رغم مبادرتها التي وصفها الكثيرون بأنها مبادرة"حسن النيات"، التي - وبكل أسف - لم يلتقطها الأشقاء في سورية ولم يتعاملوا معها كما ينبغي حتى هذه اللحظة، مراهنين على الفوضى كورقة ضغط على اللبنانيين وعلى المنطقة ككل، ليتحول الموقف برمته إلى وضع أكثر التهاباً عبر كماشة تتحرك ببطء فعال ومدمر، بداية من طهران، التي كانت متابعة الانتخابات التشريعية بها ربما أهم من متابعة الانتخابات الأميركية نفسها، لفهم توجه حكومة هذه الدولة التي تخفي أكثر ما تبدي، وتتعاطى مع المنطقة بأكثر من وجه وأكثر من قناع وأكثر من حديث للتسلل بشيء من الخفاء إلى قاعدة المجتمعات العربية، بعدما يئست من طرق أبواب قمته! وقد تكون الشقيقة مصر هي الأكثر بروزاً الآن على الساحة، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الأقنعة الإيرانية هذه، فمن ناحية تسعى إيران - رسمياً - إلى التأكيد على أنها تهتم بالتقارب العربي وتهتم بالعلاقات المصرية - كمثال - وقد زار كثير من كبار الزعماء بها القاهرة قبل فترة ليؤكدوا على هذه الرغبة، ثم من جهة أخرى ينتشرون عبر أفراد المجتمع المصري في حركة مريبة باحثين عن ولاء بعض الجماعات ذات التأثير السياسي على الشارع المصري، ليصبح غير مستغرب الآن أن تجد في بعض القنوات المصرية الخاصة بعض الإعلاميين الذين يتغزلون بإيران، بل ويتغزلون بأنها هي عمود الحركة الإسلامية السياسية والثقافية والنموذج الأكثر نجاحاً في هذا الجانب. أيضاً قد يكون تصريح حركة"الإخوان المسلمين"المحظورة في مصر، الذي جاء على لسان أحد قادة هذه الحركة، مهدداً الشارع والحكومة المصرية بأن الإخوان قد يلجأون إلى العنف في مقابلة ما سموه بتعسف النظام، وهو أخطر تصريح في الوقت الحالي، بل ومن دون مبالغة قد يكون أخطر تصريح على مستوى العالم العربي، لأنه - وإن كان محلياُ في ظاهره - إلا أنه يحمل نكهات مختلفة، جميعها تشير إلى رغبة من يقف خلفه - حقيقة - إلى نسف الاستقرار في الشارع المصري، الذي سينعكس بالتالي على نسف التواصل بينه وبين الجانب الإسرائيلي، الذي سيسعى كرد متوقع إلى تصديره إلى الفلسطينيين، الذين سينقلونه بدورهم إلى باقي الشوارع العربية. وعلى ما يبدو فإن تنفيذ مثل هذه العملية إجمالاً يحتاج فقط إلى مجرد وقت لرؤية أبعاد مخططها المختفي تحت عباءة الدين، بفعاليات تنظيمات سياسية بعضها مسموح وبعضها محظور لنقل الفوضى إلى قلب الخليج. [email protected]