قد تكون هذه المرة من المرات القليلة والنادرة التي تكون القراءة فيها عن بعد أفضل، وأكثر شمولية من القراءة عن قرب حتى ولو كانت حال القارئ هي الالتصاق بالحدث... هذا الأسبوع وعبر كثير من الأخبار والتقارير الإعلامية الواردة بغزارة نستطيع أن نستشف صورة عامة لهذه الجغرافية الغارقة في سكون ملتهب قابل للاشتعال في أي لحظة ومن دون سابق إنذار، اشتعال قد يكون مخيباً لتوقعات كثير من عقلاء المنطقة، فعلى بعد مرمى حجر اشتركت القوات الأميركية مع نظيرتها الإسرائيلية في مناورة عسكرية كانت على مستوى عالٍ جداً من الأهمية التكتيكية والتدريبية، تم فيها تنفيذ - داخل المناورة - عمليات قصف جوي مركز وغير قابل للخطأ، بحسب النسب المعروفة عسكرياً. وتزامنت هذه المناورات مع دخول المزيد من القطع البحرية الأميركية للمياه الخليجية، ومع تقارير تدعو للتشكيك في مدى صدقية قوى سياسية عربية كالسودان متهمة إياه بالضلوع في تنفيذ مخططات استخباراتية لمصلحة واشنطن داخل الأراضي العراقية، ثم تقارير إعلامية أخرى عن قيام قطر بعقد صفقة قذرة بين"حماس"والجانب الإسرائيلي تنسب كثيراً من الأحداث الجارية في القطاع الفلسطيني إلى بروتوكول موقع مسبقاً بين هذه الجهات الثلاث"إسرائيل - حماس - قطر"، ومع انفلات أمني في لبنان، إضافة إلى محاولة كسر الكرامة المصرية عبر اشتراطات تمس العمق الديبلوماسي والدستوري المصري، حتى تحصل الأخيرة على المعونة الأميركية السنوية لها... وغيرها من المحاولات التي تصاغ على ما يبدو الآن في هدوء قاتل ضد بعض بلاد المغرب العربي، وجميعها تدعونا لأن نتخيل أنفسنا وقد أصبحنا لقمة سائغة لأي عملية عسكرية تستهدف المنطقة العربية بأكملها، عبر تقسيمها إلى قطاعات مستهدفة على مراحل هذا - بعض - ما يحدث في جغرافيتنا من تآكل أقرب ما يكون إلى مرحلة"جذام"تاريخي. وعلى بعد مرمى حجر- أيضاً - تصرح إيران التي تسلم نفسها طواعية، بحال غير مفهومة من الخطأ الديبلوماسي، لتكون مبرراً لكل هذه الأعمال، بأنها ستقوم بتشغيل 8،000 آلة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم مع نهاية هذا العام، ضاربة بعرض الحائط التهديدات الأميركية، وضاربة بالنجاح الأميركي الديبلوماسي في تدويل أزمتها النووية وتحويلها من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما يوحي بالتمهيد لإصدار قرار لا يمنع توجيه أي ضربة عسكرية إليها، ربما قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي"بوش الابن"الذي نجح في تمرير مخاوفه إلى بعض المرشحين الحاليين للرئاسة مثل"جولياني"الذي لا يمانع هو الآخر في توجيه أي ضربات عسكرية حال نجاحه إلى طهران... لنكون نحن في حال ترقب لمدى عقلانية الديبلوماسية الإيرانية، وفي الوقت نفسه لمدى التفهم الأميركي وحصره في إطاره الطبيعي، وهي حال تزيد من حال القلق والتوتر في الشارع الخليجي تحديداً والعربي عموماً... لتصعد فجأة على السطح ورقة"حما" في غزة وكأنها محاولة إيرانية لكسب ? بعض ? الوقت وإلهاء الإسرائيليين عن طهران وطموحاتها النووية وتهديداتها. هذا إذا ما غيبنا وأسقطنا مدى صدق أو كذب وجود اتفاق قطري - إسرائيلي على إشعال فتيل الأزمة بين فتح وحماس، وعلى رغم أن"البرادعي"مدير وكالة الطاقة الذرية صرح قبل أيام في"النيويورك تايمز"بأن التطرف في المواقف بين واشنطنوطهران قد يقود إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين، وهو ما قد يحدث في أي وقت، إلا أننا نغيب مثل هذه التصريحات في بعض وسائل إعلامنا مكتفين بقراءات مبعثرة وناقصة لكثير من الإشكاليات الحادثة في المنطقة. الصورة الأعم والأشمل ? على ما يبدو - جميعها تؤكد أن نسبة كبيرة من الحل لكثير من المشكلات والتوترات الحاصلة في المنطقة تقف وراءها بصورة او بأخرى إيران... لتكون هي الورقة التي يلعب بها ومعها الأميركان، ليبقى بعد ذلك سؤال مهم وهو: هل إذا ما تم توجيه ضربة عسكرية لإيران ستضمن واشنطن بتلك الضربة انتهاء مشكلات المنطقة؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه، ربما نظرياً... وهنا تكمن المأساة! [email protected]