بداية صحافية وضربة مهنية موفقة ابتدأت بها صحيفة"الحياة"عام 2008م، وذلك عبر الحوار الذي أجراه الأستاذ جميل الذيابي مع الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق، الذي تطرق فيه إلى نقاط ربما تم الكشف عنها صراحة ومن دون تلميحات أو إشارات للمرة الأولى، خصوصاً تلك المتعلقة بموضوع تقسيم العراق والدورين الإيراني والأميركي في ذلك، وهي معلومات خطيرة ومهمة لفهم الخريطة العراقية المربكة والمحيرة والمقلقة. فقد ذكر الشيخ الضاري ما يفهم منه أن هناك صراحة"مؤامرة"تحاك وتنفذ من الحكومة العراقية الحالية على الوحدة الوطنية العراقية، بمساندة إيرانية أميركية، متمثلة في الدور الذي لعبه سفير الولاياتالمتحدة السابق في العراق"زلماي خليل زاد"وهو بالمناسبة كسياسي عليه الكثير من المآخذ والمواقف ضد العرب والمسلمين منذ وجوده"المموه"في أفغانستان، وحتى وصوله إلى الأممالمتحدة، فهو مهندس التقسيم في العراق، وحامل هذا الملف وضابط الاتصال الخفي بالحكومة الإيرانية، التي تلعب دوراً غير مشرف فوق الأراضي العراقية، يتم الكشف عنه كلما أتيحت الفرصة لذلك. الشيء الخطير في حوار الضاري مع صحيفة"الحياة"هو حرصه على توضيح أن كل ما يقوله موثق مئة في المئة، وأن لديه من الإثباتات ما يؤكد وجود مؤامرة من الحكومة الحالية على وحدة الشارع العراقي، وأن هذه الحكومة لا تمثل إلا نفسها، وأنها بمثابة قطع من الشطرنج في يد الإيرانيين والأميركان، وأن القيادتين الكردية والشيعية، وهما بالمناسبة فقدتا في الأيام الأخيرة كثيراً من شعبيتهما بين أبناء طوائفهما، اتفقتا في مؤتمر جنيف عام 1992م على تقسيم الشعب العراقي إلى سنة وشيعة، قاد هذا التوجه باقر الحكيم وجلال طالباني. ربما كان ما يعنينا في هذا الحديث، على رغم أهميته المطلقة، هو مدى الانسجام الحاصل بين الدورين الإيراني والأمريكي في العراق، ومدى تناغم هذين الدورين وتناسقهما والاتفاق على مراحله وشروطه وأبعاده ونتائجه كافة، وهو ما يمثل الكارثة لأنه يعد وجهاً آخر وجديداً لفهم اللعبة السياسية الحاصلة في المنطقة الآن، ففي الوقت الذي تنتقد فيه الولاياتالمتحدة، وعلى أعلى مستوياتها، ممثلة في الرئيس بوش، الدور الإيراني في العراق أو في المنطقة، وفي الوقت الذي تهدد فيه إيران بضرب المصالح الأميركية في المنطقة، نكتشف أن كل هذه التصريحات والحرب الكلامية إنما هي مجرد مشاهد سينمائية أميركية إيرانية لمتفرج ومشاهد خليجي يراقب الوضع بشيء من الحذر، لأنه في الأخير هو من سيدفع الثمن... إيران وبعد الرداء المخملي الذي يحاول به رئيسها أحمدي نجاد"تسكين"القلق من دور بلاده المتنامي والطامح إلى بسط سيطرته وفرض أجندته، عبر إثارة الفوضى حول الدول الكبرى في المنطقة العربية، لم يكن مفهوماً ولا واضحاً، وكانت ومازالت تشوبه كثير من الضبابية، فكيف يتسنى تقبل رسائله المخادعة، التي تشير إلى رغبته في استقرار المنطقة، التي يبعثها بين حين وآخر، وهو نفسه الذي يقود سورية إلى خلافات مع أشقائها، ويقود لبنان إلى وضع يكاد ينذر بكارثة ومواجهات عربية ? عربية، ويقود تشكيلاً غير قانوني فوق الأراضي اللبنانية، مثل حزب الله ويزوده بالسلاح والدعم، لدرجة توهم أي شخص مصاب بشيزوفرينيا سياسية بأنه قادر على أن يأتي بما لم يأتِ به الأوائل، وهو الذي يثير الأزمات الفلسطينية بين مختلف فصائل هذا الشعب، وهو الذي يسعى لتفتيت وحدة الشارع العربي عبر تصريحات هنا أو هناك، وهو الذي يحتل الجزر العربية المملوكة للإمارات العربية المتحدة، وهو الذي يثير الشغب بين حين وآخر في البحرين، ثم يأتي بعد ذلك بقناع من البراءة ليجلس فوق الطاولة متحدياً الشيطان الأكبر أميركا وإسرائيل، ناسياً أن ما يقدمه لهذا الشيطان هو أكبر واثمن بكثير مما يقومان به لخدمة أهدافهما، وهما المستفيدان الوحيدان من إضعافه للأطراف العربية، وهما المستفيدان الوحيدان من كل هذا التخبط الحاصل في بعض أجزاء الخريطة العربية. إن ما ورد في حوار الضاري، وفي هذا التوقيت الذي يسبق زيارة الرئيس الأميركي بوش للمنطقة، ربما ولد رغبة ملحة في توجيه سؤال إلى هذا الأخير عن حقيقة الدور الإيراني، الأميركي، الإسرائيلي، وعن مدى وجود مخطط بين أضلع هذا المثلث، المستهدف الأول الأخير به هو المنطقة العربية بشكل عام، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، بدلاً من إشغالنا بقضايا جانبية، الجميع يعلم يقيناً بعدم صدقيتهم فيها كحقوق الإنسان، أو وضع المرأة، وما شابه ذلك، مما يثار هنا أو هناك من أجل البعد عن القضايا الجوهرية والمصيرية التي تواجهنا وتمسنا في أمننا ومستقبل أولادنا. وننتظر إجابة بوش عن هذا السؤال لأنها ستضع كثيراً من النقط على الحروف. [email protected]