إذا كان هناك ما يمكن القول إن قمة الكويت العربية ال(25) قد خرجت به أكثر من أي شيء آخر فهو: «الحفاظ على الحد المقبول من الاحترام وعدم تجاوز الخطوط الحمراء والإبقاء على فرص الوفاق الضئيلة مفتوحة بفعل الجهود الملموسة التي بذلها وما زال يبذلها الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت وحافظ عليها جميع رؤساء الوفود دون استثناء وتجنب معها الجميع «لغة التجريح» لترك الباب مفتوحا أو مواربا لفرص التسوية أو الالتقاء - على الأقل - حول القواسم والمشتركات ذات يوم.. ولاسيما بالنسبة للخلاف بين قطر ومصر.. أو بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجية الثلاث، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين.. •• وحتى الموقف الاستفزازي الذي عبر عنه رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» قبل القمة باتهامه المملكة وقطر بدعم الإرهاب.. هذا الموقف قوبل بالتجاهل التام في كلمة المملكة في القمة.. وإن ألمح إليه أمير دولة قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» في ثنايا كلمته.. إلماحا.. •• فقد تميزت الخطابات الطويلة وغير المألوفة.. وعلى مدى فترتي الصباح والمساء لجلستي اليوم الأول الثلاثاء.. بأنها تجنبت إثارة المزيد من الحساسيات لأن الأجواء العربية لم تكن بحاجة إلى مزيد من الاحتقان والتوتر أكثر مما كانت عليه قبل عقد القمة خشية وقوع «مصادمات» أعنف بين القادة والممثلين بفعل الأحداث والتطورات والمواقف المعلنة عن بعض مظاهر الخلاف بين أكثر من عاصمة عربية. •• وعلى العكس من ذلك فقد أبرز المشهد الذي جمع بين سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد.. وبين أخويه الأمير سلمان بن عبدالعزيز والشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» عن نية الكويت مواصلة جهودها الرامية إلى «ترطيب» الأجواء بين قطر وشقيقاتها الخليجيات.. وكذلك بينها وبين جمهورية مصر العربية.. وبالذات بعد سلام الشيخ تميم على الرئيس عدلي منصور.. في اللقاء الذي جمع القادة والممثلين قبل عقد القمة بقليل. •• لكن هذه الأجواء وإن أعطت مؤشرات إيجابية إلا أنها لم تكن كافية لتوقع تعديلات جوهرية في المواقف تتجاوز حدود المجاملات «البروتوكولية».. مما يؤكد أن تلك الخلافات مرشحة للاستمرار وربما للتطور بصورة مؤسفة أيضا. •• وبمعنى آخر.. فإن التلميحات والإشارات التي انطوت عليها كلمات بعض القادة قد أكدت تمسك كل طرف بمواقفه وقناعاته.. بدليل التأكيد عليها ضمنا في ثنايا خطاباتهم المعلنة في القمة وإن بدت كلمات الأطراف الرئيسية في المنطقة أكثر التزاما بمواقفها الأساسية وغير القابلة للتراجع أو التراخي بأي شكل من الأشكال. المملكة.. مع الاستقرار وإعادة اللحمة •• فالأمير سلمان بن عبدالعزيز.. شدد على «أهمية توفر الإرادة القوية والعزيمة الصلبة والصادقة والتنسيق الجماعي العربي المتواصل بما يكفل تعزيز وحدة الصف في مواجهة التحديات الراهنة». لماذا؟! •• لأن المملكة العربية السعودية تستشعر ربما أكثر من أي طرف آخر خطورة تلك التحديات الموجودة منها على الأرض والمرتقبة في الفترة القادمة.. سواء كانت من داخل أو خارج الإقليم وبالذات في ظل التراخي الدولي عن إيجاد حلول عملية للقضايا الأساسية الهامة وفي مقدمتها: الوضع في سوريا.. وقضايا التسلح النووي في المنطقة.. وتفشي ظاهرة الإرهاب وتوسيع دوائره بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة. •• وبصورة أكثر تحديدا.. فإن الأمير سلمان سلط المجهر بقوة على الحالة السورية عندما قال إن الشعب السوري دفع ثمن تفاقم الحالة السورية.. حيث «تحولت فيه سوريا إلى ساحة مفتوحة يُمارس فيها كل أنواع وصنوف القتل والتدمير على يد النظام الجائر وسعت في ذلك أطراف خارجية وجماعات إرهابية مسلحة ما ترتب على ذلك حصول كارثة إنسانية رهيبة». •• ورغم معرفة المملكة للأطراف المتداخلة بقوة في الشأن السوري إلا أنها ترفعت عن الإشارة إليها.. انسجاما مع أجواء القمة التي حرصت على توفير الحد الأدنى من الهدوء للحيلولة دون مضاعفة حدة الخلافات بين دولها غير المتفقة حول طريقة التعامل مع تلك الحالة.. وبالذات في ظل مواقف العراق.. ولبنان.. والجزائر غير المتحمسة لمواجهة النظام وكذلك بعض الأطراف العربية التي تشاركها في تلك المواقف ولكن على استحياء ودون تصريح أو إعلان. •• والمملكة العربية السعودية التي اعتمدت سياسة واضحة لدعم الشعب السوري في صراعه مع النظام المتجبر.. لم تعبر عن عدم رضائها عن تلك المواقف فحسب ولكنها حددت بوضوح طريقة حسم الموقف هناك في طرح سمو الأمير سلمان للحل الأمثل بقوله «إن الخروج من المأزق السوري يتطلب تحقيق تغيير ميزان القوى على الأرض وإعطاء المعارضة السورية ما تستحق من دعم ومساندة» داعيا إلى إعطاء وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مقعد سوريا لإرسال رسالة قوية للمجتمع الدولي ليغير أسلوبه وتعامله مع الأزمة السورية. •• هذا الموقف الواضح والشفاف والحازم له ما يبرره في ضوء فشل الحل السياسي الميؤوس من نجاعته ولذلك ترفضه بعض دول المنطقة.. رغم تبني الدول الكبرى والأممالمتحدة له مع ثبوت فشله من خلال قمتي جنيف (1، 2) وكذلك من خلال اختزال المشكلة السورية في الاتفاق النووي المنعقد بين النظام وبين كل من روسيا والولايات المتحدةالأمريكية والذي ترتب عليه.. تراجع فكرة استخدام القوة ضد النظام.. ودخول حزب الله إلى الأراضي السورية لمؤازرته جنبا إلى جنب إيرانوروسيا.. واستخدام بعض الجماعات الإرهابية من قبل النظام وإيران وحزب الله لضرب المعارضة وكسر شوكة الجيش الحر.. وتحقيق انتصارات (مؤقتة) على حسابهما في الآونة الأخيرة. •• وبدلا من أن تقود هذه الحالة المؤسفة بتزايد عملية القتل والتصفية للمعارضة وقواها الوطنية إلى تصليب الموقف العربي والإقليمي والدولي لإنهاء المأساة.. فإن المزيد من التخاذل حدث ويحدث على حساب أرواح آلاف الشهداء السوريين.. واللبنانيين الذين زج بهم حزب الله في أتون الحرب داخل الأراضي السورية.. أو من خلال الجماعات الإرهابية التي وظفوها لصالح النظام وحشدوا لها آلاف الشباب العربي والمسلم بالتضليل وبالوعد بالجنة وبالكذب والدجل السياسي تغطية على أهداف وتوجهات آيدلوجية هدفها النهائي تحويل سوريا إلى ولاية إيرانية جديدة في قلب العالم العربي تكون إحدى أدوات استمرار حالة الفوضى في المنطقة لنسف كياناتها القوية وتهيئة الأرض لتطبيق الخارطة السياسية الجديدة.. وكأن القوى الساعية إلى وضع هذه الخارطة موضع التنفيذ قد وجدت ضالتها في هذه الأطراف التي أخذت على عاتقها إشاعة ثقافة الفوضى في المنطقة وراهنت على نشرها بهدف القضاء على إرادة الشعب السوري وكسرها وذلك لن يحدث بكل تأكيد.. •• لذلك كله جاء موقف المملكة مختصرا في الدعوة إلى تغيير ميزان القوى على الأرض داخل سوريا.. وذلك بدعم الشعب السوري بدلا من إطالة عمر النظام.. سواء بالدعم السياسي المتمثل في إعطاء مقعد سوريا في كل من الجامعة العربية والأممالمتحدة وكل الهيئات والمنظمات الدولية.. أو بالدعم المادي للمعارضة حتى تتمكن من مواجهة النظام وإسقاطه إذا لم يكن المجتمع الدولي مستعدا لإعطائها السلاح أو معترضا على إمدادها بالقوة اللازمة لإيقاف النظام ومناصريه عند حدهم. •• هذه الدعوة.. وإن قابلها في خطاب الأمين العام للأمم المتحدة الذي ألقاه «الأخضر الإبراهيمي» دعوة أخرى بإيقاف السلاح عن جميع الأطراف.. تؤكد مدى الحاجة إلى التأمل فيها جيدا.. لأن كل التجارب الدولية تقول لنا إن السلام يظل مرهونا بتوازن القوى على الأرض بين الأطراف المتصارعة لأن أي خلل في القوة بين أي طرفي نزاع معناه انتصار القوة الأقوى.. بدليل عجز الأممالمتحدة حتى الآن عن إيقاف «التدخل الروسي/الإيراني وحزب الله» في سوريا ووجودهم على الأرض وتدفق الأسلحة والمقاتلين على الأراضي السورية بكيمات وأعداد مهولة.. فأي سلام يرتجى.. وأي سيطرة على الوضع يمكن أن تتم إذا كان الجميع يرى ويسمع ويقبل ما يجري ولا يتقدم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح. الاختلاف حول مفهوم الإرهاب وطبيعته •• أما القضية الثانية التي لمسها الأمير سلمان بقوة في كلمة المملكة إلى القمة فهي «قضية الإرهاب» عندما «جدد إدانة المملكة بشدة كل الأعمال الإرهابية مهما كان مصدرها مؤكدا أنها لن تألو جهدا في مواصلة التصدي لهذه الظاهرة وأصحاب الفكر الضال والتنظيمات التي تقف خلفها». •• هذه القضية التي سجلت القمة مدى التباين بين الدول العربية بشأنها كانت المملكة هي الأوضح في موقفها تجاهها على اختلاف أشكالها ودوافعها ومن يقفون وراءها. •• وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا النوع من الإرهاب هو أقرب إلى «إرهاب الدولة» المنظم بدل أن يكون مجرد جماعات لها دوافعها الآيدلوجية ومصادر دعمها الفردية أو الجماعية ممن يشاركونها في الأهداف والقناعات.. وهذا يعني أن المنطقة مرشحة في الفترة القريبة القادمة لما هو أخطر إذا كانت بعض دولها قد لجأت إلى «الإرهاب» كأداة من أدوات التغيير لخدمة سياساتها وتوجهاتها لإدخال المنطقة في مرحلة أخرى أشد اضطرابا مما شهدته حتى الآن. •• ومن المهم الآن أن يكون هذا التحذير السعودي قد ترك صداه في آذان المؤتمرين.. أو على الأقل بين الدول التي لم تكن على معرفة كافية بحقيقة من يقف وراء تلك المنظمات الإرهابية.. مما دفعنا في المملكة إلى تغليظ العقوبة عليها.. أو تصنيف بعضها على هذا النحو.. وإن كان ذلك وحده لا يكفي.. بل إن علينا في المملكة العربية السعودية أن نضع الجميع في حقيقة الصورة حتى لا يؤخذ البعض على حين غرة وتسقط المنطقة في شرك أخطر منه نتيجة عدم اكتشافها لمنابع هذا النوع من الإرهاب في وقت مبكر. •• كما أن ما لوحظ في هذه القمة أيضا هو شدة الاختلاف ليس فقط في تعريف ماهية الإرهاب.. ولا في طبيعته.. وإنما في تصنيف المجموعات التي استخدمت كأداة لتنفيذ سياسات ومواقف وخطط من يقفون وراءها أو يسخرونها لخدمة أجنداتهم من خلالها.. •• وليس سرا أن نقول إن القمة قد كشفت من خلال كلمات بعض القادة والممثلين أن هناك من يتفق مع من يصنف الإخوان المسلمين في مصاف جماعات الإرهاب.. وهناك من يختلفون معه.. أيضا.. وذلك أحد أسباب الاختلافات الجديدة أيضا.. •• لكن المفارقة الكبيرة التي ظهرت في القمة بين مواقف الدول العربية هي في تفاوت مواقفها من الخطوات البناءة التي شهدتها بعض الدول العربية في اتجاه تحقيق الاستقرار. تطورات المنطقة في رأي دولها •• ففي الوقت الذي أكدت المملكة تأييدها للخطوات التي اتخذتها الدول العربية الشقيقة في تحقيق الاستقرار والأمن.. بتنفيد الاستفتاء على الدستور المصري بنجاح.. وتهنئتها للإخوة في تونس على إنجاز دستورهم والإخوة في اليمن على نجاح مؤتمر الحوار الوطني وفق المبادرات الخليجية.. وكذلك تمنياتها للشعب الليبي في أن يتجاوز المرحلة الانتقالية في بلاده بنجاح.. وأيضا تهنئتها للشعب اللبناني بتشكيل حكومته.. فإن العديد من القادة استكثروا ذلك على دولة مثل مصر.. واليمن.. مما يؤكد أن مواقفها مما حدث ويحدث في البلدين الشقيقين لا ينسجم مع سياساتها ومواقفها وتوجهاتها وذلك مما يشكل أبرز نقاط الاختلاف مع بعض الدول الشقيقة والصديقة وكذلك بعض دول الإقليم.. •• وإذا ما استمر الاختلاف بين العرب حول ما يحدث في مصر تحديدا.. فإنه سيشكل «شرخا» عميقا في وحدة الصف العربي لأن مصر واستقرار مصر ومستقبل مصر.. لا يجب أن يكون مجالا للاختلاف أو الاجتهادات أو المقايضة من قبل أي طرف في الإقليم أو خارج الإقليم بأي حال من الأحوال.. فما بالنا إذا كان الاختلاف أيضا بخصوص التكتلات أو الأحزاب أو الأعمال التي تؤدي إلى الفرقة وإثارة الفتن بيننا كعرب. •• وبالتأكيد فإن كلام الأمير سلمان في القمة عن لبنان كان هو الأوضح والأقوى عندما أعرب سموه بعد أن هنأ الشعب اللبناني على تشكيل حكومته : «عن الأمل في أن يكون ذلك مدخلا لتوطيد الأمن والاستقرار بواسطة الدولة الشرعية في ربوع لبنان» لأن مشكلة لبنان الرئيسية تتمثل في سطوة حزب الله.. بحجة الدعم للمقاومة.. وهي سطوة تجيء على حساب الدولة اللبنانية بدليل ذهاب الحزب للحرب في سوريا رغم إعلان الدولة اللبنانية قبل ذلك موقفها الرسمي «بالنأي بلبنان عن الوضع السوري» وهو الإعلان الذي تفهم دوافعه الجميع لمعرفتهم لظروف لبنان إلا أن ذهاب حزب الله إلى سوريا ومناصرته للنظام كان تحديا للسلطة قبل أن يكون لمشاعر الشعوب العربية عن بكرة أبيها.. لأن الحزب أدخل لبنان في المحظور. ••• غموض المرحلة القادمة •• تلك هي مواقف المملكة الواضحة.. والشفافة.. والمسؤولة.. •• فماذا عن مواقف بعض الإخوة العرب.. وما هي انعكاساتها على مستقبل العمل العربي المشترك؟ •• لاحظ المراقبون أن سمو الشيخ «تميم» أمير قطر طالب القيادات الفلسطينية بإنهاء حالة الانقسام وتغليب المصلحة الوطنية العليا بتشكيل حكومة ائتلاف وطني انتقالية تقوم بإنجاز المهام الدستورية والتنفيذية لاستعادة الوحدة الوطنية. •• وكان هذا الجانب في الخطاب مثار تفاؤل الحضور لأنه لم يلق باللائمة على طرف بعينه فيما يحدث بين الأشقاء الفلسطينيين بشكل عام.. وحول الانقسام بشكل خاص.. وتمنى الجميع أن تكون قطر بصدد التقريب بين الأشقاء بعد أن سرى انطباع بأنها تقف إلى جانب منظمة حماس.. وإدارتها لقطاع غزة وهو ما تكرس بزيارة بعض المسؤولين القطريين في الشهور الماضية للقطاع مما فهم معه أن قطر على غير وفاق مع القيادة الفلسطينية. •• وما أكد التفاؤل هذه المرة هو إشارة الشيخ تميم إلى أنه «سوف يعمل على التنسيق.. مع الرئيس الفلسطيني الأخ محمود عباس في شأن صندوق القدس المقترح».. مؤملين أن يكون هذا بداية المعالجة «للصدع» بين «عباس وهنية» وبين منظمة التحرير الفلسطينية و«حماس» لصالح الشرعية الواحدة.. حتى يتعزز الموقف العربي في وقت يراد من العرب مناصرة تسوية نأمل أن تكون جادة وعادلة هذه المرة. •• أما المعطى الثاني الذي تضمنه خطاب سموه فكان بخصوص مصر العربية عندما قال في خطابه «نحن نؤكد على علاقة الأخوة التي تجمعنا بمصر الشقيقة الكبرى التي نتمنى لها الأمن والاستقرار السياسي وكل الخير في الطريق الذي يختاره شعبها الذي ضرب أمثلة مشهودة في التعبير عن تطلعاته». •• وكم نتمنى أن يترجم هذا في أكثر من صورة وبأسرع وقت ممكن وأن تنعقد الإرادة العربية ومعها إرادة قطر على دعم الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة التي سيقول الشعب كلمته فيها بوضوح.. وسوف يحدد من خلالها كل خياراته المستقبلية التي يجب أن نباركها وندعم نتائجها لكي تبدأ الشقيقة الكبرى الخطوة الثالثة وتنجح في إنجاز انتخابات برلمانية ناجحة أيضا استكمالا لخارطة المستقبل. •• ولا نختلف مع الشيخ «تميم» في أن يتحقق ذلك عن طريق الحوار السياسي المجتمعي الشامل.. مع عدم إسقاط حقوق الشعب في الانتصار لشهدائه.. وإن كانت المرحلة القادمة سوف تشهد نمطا جديدا من الدمج لمجموع الشعب في خدمة الدولة المصرية القوية. •• وفي كل الأحوال.. فإن الشعب المصري ومن ورائه الدولة المصرية القوية هما اللذان سيحددان الكيفية التي ستتم بها صياغة مستقبل مصر.. ولسنا نحن الذين نحدد ذلك من قريب أو بعيد.. سواء بالحوار أم بالمصالحة أو بالعفو.. أو بأي صيغة يرونها.. ويختارونها لرسم مستقبل وطنهم. قطر.. كيف تفكر؟ •• شيء آخر كان فيه الشيخ تميم واضحا كل الوضوح لتأكيد مواقف بلاده المعلنة، هو الوضع في العراق والرد على اتهامات رئيس وزرائه نوري المالكي للمملكة وقطر بدعم الأرهاب عندما قال سموه: لقد «آن الأوان لكي يخرج العراق من دوامة الشقاق والعنف، وذلك لا يتحقق بإقصاء قطاعات اجتماعية أصيلة كاملة أو اتهامها بالإرهاب إذا طالبت بالمساواة والمشاركة». •• ولم يكتف الشيخ تميم بذلك.. بل مضى إلى القول «نحن هنا جميعا ندين الإرهاب ولا خلاف في هذا الموضوع.. لكنه قال: «وللإرهاب مفهوم محدد هو استهداف المدنيين بالقتل والترويع وضرب المنشآت المدنية لأغراض سياسية. كما لا يجوز أن ندفع بالإرهاب طوائف كاملة أو نلصقه بكل من يختلف معنا سياسيا، فشأن ذلك أن يعمم الإرهاب بدل أن يعزله، كما لا يليق أن يتهم كل من يفشل في الحفاظ على الوحدة الوطنية دولا عربية أخرى بدعم الإرهاب في بلده». •• هذا الكلام فهم في أروقة القمة على عدة أنحاء.. فالبعض فسره بأنه رد مباشر على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي سبق له أن اتهم المملكة وقطر بأنهما تدعمان وتشجعان الإرهاب.. بينما فسره البعض الآخر بأنه موجه للوضع القائم في جمهورية مصر العربية وما يصدر من القاهرة من لوم شديد لطريقة تعامل قطر مع أحداث مصر.. ووقوف قناة الجزيرة ضد هذا الوضع ووصفه بأنه «انقلاب» تماما كما يصفه بذلك الإخوان المسلمون وأنصار الرئيس السابق «محمد مرسي». •• وسواء كان الانطباع الأول صحيحا.. أو كان هو الثاني، فإن العلاقة بين البلدين الشقيقين بحاجة إلى «رمرمة» ضرورية لكي يصب ذلك في استقرار المنطقة وخدمة شعوبها.. وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع ولابد من إحداث تحول قوي لصالح قيام الدولة المصرية القوية. •• أما الموضوع الحيوي الأخير الذي مسته كلمة أمير قطر فهو دعوته إلى «ضرورة تطوير تجربة مجلس التعاون الخليجي والارتقاء بها لتلتقي مع طموحات الشعوب ولكي يساهم مجلس التعاون في تعزيز قدرات الأمة العربية كلها ولكي يصبح ركنا من أركان نهضتها». •• ونحن نشارك الشيخ «تميم» هذه التمنيات.. لكننا نؤكد في نفس الوقت أيضا أن تحقيق هذه التمنيات يحتاج إلى تعاون ملموس وحقيقي يساعد على الانتقال من صيغة التعاون إلى الاتحاد الذي حلمنا ومانزال نحلم به.. وهي الصيغة التي ندرك أن الأشقاء في قطر يشاركوننا في القناعة بأنها تصبح ممكنة في ظل توحد سياسات وتوجهات ومواقف الدول الست وليس في انفراد إحدى دوله بموقف مختلف أدى إلى ما أدى إليه من استدعاء سفراء البحرينوالإمارات والمملكة من الدوحة. •• لكن الأمل مازال يحدونا بأن تزول جميع الأسباب التي أدت أو سوف تؤدي إلى قتل هذه الفكرة الخلاقة.. لأنها هي التي سوف تترجم تطلعات الشعوب الخليجية إلى وقائع ملموسة، وتجعل من الخليج قوة تستند إليها الأمة العربية ويواجه معها الجميع متحدين أخطارا حقيقية تحدق بنا جميعا. •• ومن هنا.. فإن الفترة القليلة القادمة سوف تثبت إن كانت دول الخليج الست قادرة على القفز على خلافاتها والتأسيس لمرحلة قادمة تدعو إلى التفاؤل.. أو أن الأمور بصدد التوجه إلى مسارات أخرى.. لا تخدم دولها وشعوبها.. لكن الثقة تظل كبيرة في حكمة القيادات على تجنب هذا الوضع وإن كانت المؤشرات حتى الآن ماتزال ضبابية وغير واضحة تمام الوضوح. ومصر.. تتمنى.. وتتطلع ولكن •• أما الرئيس المصري عدلي منصور.. فقد بدا هو الآخر «هادئا» في هذه القمة وابتعد عن سياسة «فتح الجروح» واكتفى بالدعوة عند الحديث عن الوضع السوري إلى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الدول العربية وإعلاء المصالح الوطنية لكل دولة». •• وقد فهم هذا الكلام من باب التعميم بالتأكيد على المسلمات والمشتركات في العلاقات الدولية.. وإن اعتبر أيضا من باب الدعوة إلى «التنائي» عن الوضع المصري.. لاسيما أن هذا الكلام يقال في قمة عربية تبحث في معالجة أوضاع متوترة وفي ظل طقوس سياسية وأمنية مضطربة. •• وفخامته وإن أشاد بالدول التي ناصرت الدولة المصرية حتى الآن وتجنب الإشارة للمواقف الأخرى.. إلا أنه أبدى «أمل بلاده في أن يبادر البعض إلى مراجعة موقفه ويصحح خياراته» وقد فهم من هذه الإشارة أنها دعوة موجهة إلى كل من قطر وتركيا وإيران وبعض دول المنطقة ذات المواقف المتأرجحة أو غير الواضحة من الوضع في بلاده. •• والرئيس «عدلي منصور» وإن كان قد تلقى مصافحة الشيخ تميم قبل بدء القمة بترحاب.. إلا أنه والشعب المصري ينتظرون مستوى أفضل من التعاون بين العرب تعظيما للقوة العربية المشتركة بدلا من تبديدها.. •• لكن الأفق في المدى القصير لا يظهر أن هذه الأمنية وذلك التطلع وشيك التحقق.. إن لم تكشف الأيام القادمة مع الأسف الشديد عن المزيد من الخلافات والتوترات.. وربما العمل ضد استقرار الوضع في مصر العزيزة.. وإن كانت القيادة المصرية مصممة على أن تنقل البلاد إلى مرحلة مغايرة لكل التوقعات دافعها الأمل بمستقبل دولة مصرية قوية.. وهذا وحده هو الذي سيفرض نفسه على الجميع ويغير تلك المواقف المناوئة ويصحح مساراتها.. وهو ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية على المستويين العربي والدولي.