مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    محترفات التنس عندنا في الرياض!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    إرشاد مكاني بلغات في المسجد الحرام    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يزعجها ما يقال عنها ولا يخيفها ... و هناك من يتعرض لأذى أكثر مما تتعرض له . حسناء القنيعير : الفتاة التي لا تمنح الثقة في اختيار لباسها الجامعي ... لا تنتظروا منها شيئاً
نشر في الحياة يوم 11 - 03 - 2008

الدكتورة حسناء القنيعير أكاديمية وكاتبة مميزة وذات حضور لافت للنظر خلال السنوات الأخيرة على كل المستويات... استطاعت ان تشق لنفسها طريقاً تعرض من خلاله فكرها ورؤاها المثيرة للجدل أحياناً.
ولأنها تغرد خارج السرب جعل البعض يخشاها ويعمل على التضييق عليها ونثر الأشواك في طريقها... ولكن لأنها حسناء ذات اللسان العربي الفصيح استطاعت تجاوز كل شيء، وتخطي العقبات وفتح المزيد من النوافذ من الداخل والخارج... يسكنها حس وطني عالي النبرة... وتهتم لواقع مجتمع تتمنى أن يتعايش فيه الكل كما يجب... حتى في قراءتها الدينية تنهج الوسطية والتسامح... تقول حسناء:"معظم مقالاتي تثير الجدل، وتبعث على سخط الذين لا يريدون أن تأتي امرأة فتلقي حجراً في البحيرة الراكدة فتحرك السكون بتفكيك المقولات التي راجت خصوصاً في ما يتعلق بقضايا المرأة وزعماء الإرهاب".
وتضيف: عندما يطرح المرء نفسه كاتباً في قضايا شائكة، فإنه يتوقع الكثير، فلا يزعجني ما يقال ولا يخيفني البتة، وهناك من يتعرض لأذى أكثر مما أتعرض له، لكن العبرة دوماً بالنتيجة، ولا أعتقد أن الوقت الراهن في بلادنا سيسمح بمزيد من التحريض على الكتاب وشتمهم والتعرض لذواتهم كما في السابق.
قد يتفق معها البعض وقد يختلفون احياناً لكنهم لا يملكون الا ان يزدادون لها احتراماً وتشجيعاً على منهجها وخطها البياني المتصاعد... أخذت من المغاربة التفكير والبناء المعرفي... وأخذت من اللسانيات الفصاحة والبيان وحسن التراكيب اللغوية... وأخذت من هذا الوطن الشموخ والانتماء... ولأنها انثى البيان منحت مفرداتها الجمال الباذخ...
اليكم حسناء القنيعير ورؤى تستحق ألا نغادرها مسرعين أبداً...
النص في حياتك هل كان على هواك أم أجبرك على الخروج عن نسقه؟
- كان النص دائماً مطواعاً وإلا لما استمررت في الكتابة، فالكتابة هي الهواء الذي أتنفس من خلاله نسائم الحرية التي سلبت منا ذات وصاية، أكشف بالكتابة زيف مقولات الوصاية، وأثبت أن لا أحد يملك تغيير مجرى النهر، فإن نجح يوماً فذلك لا يعني نجاحه دوماً، سيأتي يوم لن تستطيع سدوده الصمود أمام اندفاع المياه وقوتها!
ومع هذا أشعر أنني لم أكتب ما يكفي وهو أهم بكثير من التقوقع والانغماس في خصوصية المرأة الفيزيولوجية تلك التي يطالبني كثيرون بوقف ما أكتب عليها!
دراستك العليا هنا... هل أفقدتك شيئاً عن هناك؟
- بالتأكيد افتقدت التواصل مع ثقافة الآخر مباشرة من دون وسائط، وهو شرط الدراسات العليا، وفقدت غيره الكثير الذي لا يمكن أن توفره الدراسة عن بعد، تلك التي تدار بالريموت كنترول حتى مناقشة الرسالة، لك أن تتخيل مقدار ما نخسره هنا عندما ندرس على هذا النحو الغريب والعجيب وغير المسبوق، فإن كان التواصل مع الآخر القريب مفقوداً فما بالك بالتواصل مع الآخر البعيد، ولولا أن بعضنا أُوتي إرادة من حديد لما حققنا شيئاً يذكر على الصعيد المعرفي.
لسان المرأة.. ثرثرة لها مذاق
تخصصك في اللسانيات ماذا منح لسانك؟
- منح لساني فصاحة وقوة حجة، كما ساعدني على دخول عوالم مدهشة في اللغة واكتشاف فضاءات لغوية لم أعهدها والمكوث طويلاً في محرابها باحثة ومتأملة ومتعبدة.
هل يختلف لسان المرأة عن لسان الرجل؟
- بالتأكيد لا، لكن المرأة تتهم بالثرثرة في الثقافة العربية، وهذا أمر طبيعي، فمن خلال الثرثرة تنفّس عما تعانيه من كبت وظلم، إنها تجد في الكلام نوعاً من السلطة وتأكيداً للوجود الذي يسلب منها بدعاوى مختلفة، بالكلمة سواء أكانت ملفوظة أم مكتوبة تعوض المرأة عن ضعفها الجسدي قياساً بقوة الرجل، وذلك له مذاق مختلف كونه ينطلق من خصوصية وضعيتها الذاتية والعامة في واقعها المعاش.
اللغة والنقد، السياسة والمجتمع: أي تلك الجهات يتجه لها قلمك أكثر؟
- عندما تلح عليّ الفكرة أسارع إلى كتابتها بغض النظر عن الحقل المعرفي الذي تنتمي إليه، فأنا أكتب في تخصصي كثيراً من القضايا التي يتطلبها البحث العلمي والدرس الجامعي، وأكتب في القضايا السياسية والاجتماعية بحسب ما تقتضيه الأوضاع والخطاب السائد والراهن الاجتماعي، فضلاً عما تسمح الصحيفة بنشره، فكثيراً ما أنساق خلف الفكرة التي أكتبها لأفاجأ بعد ذلك بأن مقالي تجاوز حدود المسموح به، فأبقيه انتظاراً لانفراج آخر يساعد في نشره.
يشعر المتتبع لك بحبك وانتصارك للفكر المغاربي، بماذا أنت مدينة له؟
- أدين للفكر المغاربي بإعادة تكويني الفكري والعلمي وترتيب مخزوني المعرفي والولوج بي إلى فضاء معرفي في مرحلة الدكتوراه، لم تؤهلني دراستي السابقة لخوض غماره فضلاً عن معرفته، لقد جمع الفكر المغاربي على نحو مدهش بين الأصالة والمعاصرة، أتقنوا التراث وسلطوا عليه مناهج البحث الغربية، فجاءوا بما لم يسبقهم إليه أحد من المعاصرين في المشرق العربي إلا ما ندر. لذلك أدين بالكثير لأساتذتي الذين تعلمت منهم مباشرة أو عبر القراءة أو اللقاءات العلمية بعد الدكتوراه.
بين المغاربة والمشارقة أين تسكن الشياطين؟
- ثمة شياطين أنس يستوطنون كل مكان يمكن أن تتخيله، يفسدون كل شيء حتى الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه، وهؤلاء مشكلة لا سبيل إلى الخلاص منهم، أما شياطين الجن فلا خوف منهم متى ما حصنت نفسك واستعذت بالله من شرهم.
بعض النساء يقف سداً منيعاً
صوت المرأة السعودية هل هو نشاز، لذا لا تستطيع الصدح بقضيتها فتستبدله بصوت رجل يتحدث بالنيابة عنها؟
- لا صوت المرأة ليس نشازاً، ولم يكن يوماً كذلك، وكثيراً ما صدحت بعض النساء بقضاياهن منذ سنوات طويلة، لكن أصواتهن كانت تعود كرجع الصدى لأنه ليس هناك من يستمع، ولم يسمح لتلك الأصوات بالجهر لأنها عورة، فضلاً عن أن بعض النساء هن من يقف سداً منيعاً أمام كل من تحاول خرق السائد بحجة أن المرأة بخير والله لا يغير علينا!
نستطيع في مجتمعنا محاورة العقل في كل شيء إلا المرأة والدين لماذا ترتعد فرائص الفرد السعودي عندما يحوم فكرنا بالتصويب أو المغالطة لكل ما يخص هذين المحظورين؟
- لأن هناك من نصّب نفسه وصياً على المجتمع رجالاً ونساء، فوضع حجباً على العقل وأحكم إغلاقها، فلا يسمح لأحد بأن يتمرد على فكر ثقافة القطيع التي لا يجوز أن تتحدث إلا في نطاق المسموح به، وهناك أمور أصبحت من التابو التي ينبغي إبعادها عن ساحة التفكير والتداول. لهذا ترتعد الفرائص وتجف الحلوق وتتلعثم الألسنة عندما تطرق مثل هذه المواضيع خوفاً من الاتهام بالكفر أو العمالة للغرب.
لماذا يصر كل طرف من أطراف الكيان الاجتماعي على صفع المرأة بيد من تسفيه وجعلها تأخذ دورة كاملة من أثر هذه الصفعة بحثاً عن ولي أمر يوقع ورقة التحاقها بالتعليم أو السماح لها بالسفر؟
- لأن المرأة لم تكن يوماً موضع ثقة، وهناك من يروج أنها لا تستطيع أن تتولى أمراً من أمورها إلا بوجود الرجل، حتى إن بعض المستشفيات لا تسمح بإجراء جراحة لها إلا بموافقة ولي أمرها، ماذا تتوقع من ثقافة كهذه أليس هذا هو من يعطي بعض الرجال الحق في اضطهاد المرأة ما دامت ولايته عليها تصل حد الموافقة أو عدم الموافقة على إجراء جراحة وقد تموت المرأة في ما إذا لم يكن الولي موجوداً ليوقّع بالموافقة!
من وضع قوانين الوصاية الذكورية على مجمل جوانب حياة الأنثى، الشريعة أم القائمون على التشريع؟
- لا شك في أن ازدراء المرأة نتيجة للثقافة الذكورية العربية التي قمعت المرأة وقللت من شأنها، وتفانت في اختراع مقولات نسبتها زوراً إلى الدين، لضمان ترويج تلك الثقافة وترسيخها في عقول الناس. تسهم هذه الثقافة في ترسيخ التفسير الخاطئ لنظرة الإسلام للمرأة ولما يدعو إليه من عدل ومساواة في العمل والمسؤوليات كالرجل، وإذ نحن نعيش في عصر تواجهنا فيه تحديات كبيرة وخطرة، فلا مناص من أن نكون في مستوى الأسئلة الثقافية والإنسانية الكبرى، وفي مقدمها حق المرأة في تنويع فرص العمل، والاسهام بكل طاقاتها في التنمية الوطنية بمعناها الواسع والشامل.
وكيف السبيل إلى إزاحة دخان الشرعية على العنف والقمع الذي يمارس بصورة قانونية وبمباركة اجتماعية تجاه خيارات المرأة وقراراتها؟
- لا بد من تحرير عقل الرجل مما ران عليه وتراكم خلال عقود طويلة من الثقافة التخديرية السكونية القامعة، لا تتحرر المرأة إلا عندما يتحرر الرجل، وأولى درجات تحريره إيمانه بأن المرأة شريكة له في كل شيء وأنها لا تقل عنه بأي حال، فمتى ما أدرك الرجل ذلك فلن يمارس ضدها لا قمعاً ولا وصاية ولا عنفاً، ويقيناً إن تحرير عقل الرجل مرهون باجتراح خطاب مجتمعي جديد في المناهج التعليمية والإعلام.
الليبرالية ودلال المرأة
لماذا الليبرالية سيئة السمعة ولا يؤخذ من الجدل فيها سوى حرية ممارسة المرفوض عقدياً واجتماعياً؟
- الليبرالية كغيرها من التيارات الفكرية فيها الجيد وغير الجيد، ويشوهها الذين لا يفهمونها خصوصاً أن الناس أعداء ما يجهلون، إضافة إلى رغبة دفينة لدى أولئك النفر في تشويه فئة من أبناء المجتمع ساءهم أنهم يملكون كماً كبيراً من الجرأة والقدرة على مخاطبة العقول وفضح الممارسات الزائفة، فلم يجدوا وسيلة لمحاربتهم أسهل من وصمهم بصفات يرفضها الدين ويمجها المجتمع وليس أبسط من إشاعة ذلك في أوساط اعتادت على مجرد التلقي من دون عناية بإعمال آلية التفكير وتمحيص المقولات.
قيل إن المرأة السعودية أكثر نساء العالم دلالاً... إن كان هذا صحيحاً والأنثى بطبعها تعشق الدلال فلماذا لا تفرح به نساؤنا؟ أم أنه دلالاً يخدم مصالح الرجل فقط؟
- عندما يحجر على حرية المرأة وعلى عقلها وعندما تصادر قراراتها، وعندما يتدخل الرجل في أدق خصوصياتها عندما تعد كياناً هلامياً، عندما تعيش على حافة الأحداث ولا تخوض غمارها، عندما يفكرون ويقررون نيابة عنها، عندما تؤمر فتطيع لا يعد ذلك دلالاً بل إذلال، ومصادرة لإنسانيتها وحقها في المساواة مع الرجل! ولا أدري ماذا تعني بالدلال هل هو الانكفاء على الذات؟ أم هو حبسها في بيتها ومنعها من ممارسة دورها الطبيعي في المجتمع وتحقيق ذاتها؟ هل هو إبقاؤها دوماً في دائرة الوصاية؟ ومن هي المرأة المدللة؟ أهي تلك المرأة التي تعيش في أبراج عاجية وفي بحبوحة من العيش؟!
إن هذه الطروحات تثير الشفقة لأنها تمثل البؤس الحقيقي للثقافة السائدة التي تعتقد أننا نعيش في عالم معزول عن الآخرين، ولا تدرك أن لغة الشعارات والعواطف عفا عليها الزمن، فلم تعد صالحة لمخاطبة الرأي العام العالمي الذي يريد حقائق وأرقاماً، يريد أفعالاً لا شعارات أو عمليات ترقيع وتزيين.
كيف يخرج الجيل من الارتباكات التي تسببها له تناقضات الطرح من المؤسسات ذات الصوت الأعلى في المجتمع؟
- بإزالة ما تراكم في أذهانهم وتنقية مناهج التعليم مما يشوبها من صور عفا عليها الزمن، وإضافة برامج دراسية جديدة مناسبة للعصر الذي يعيشون فيه، قادرة على مخاطبة عقولهم، فهم يعيشون في زمن غير زماننا ومن غير اللائق أن يقودهم الجاهلون والعاجزون عن التناغم مع العصر والمصرون على أن يعيش المجتمع كله خارج إطار الجغرافيا والتاريخ.
كيف سنحصل على نتيجة تربوية عندما نمارس التهديد والوعيد... وكيف سيكون التعلم... في ظل التشديد والتضييق... وفق خطابات وزارة التربية والتعليم والموجهة لمعالجة سلوك الطلاب والطالبات؟
- النتيجة ماثلة أمام أعيننا في ما نراه من تطرف وتشدد وإرهاب وتمرد، نحن الآن نعيش مرحلة الحصاد المرّ على رغم وجود من يصر على التبرؤ من كل ذلك!
مقالاتي مثيرة للجدل
دائماً مقالاتك تثير الجدل وتسمح بحوارات جانبية كثيرة... لكن أشعر أن مقالك حول نصرة النبي بعد كاريكاتيرات الرسوم، ومقالك عن لعن المرأة لأنها نامصة...أخذت صدى أكثر، كيف كان وقع المقالتين عليك؟
- معظم مقالاتي تثير الجدل، وتبعث على سخط الذين لا يريدون أن تأتي امرأة فتلقي حجراً في البحيرة الراكدة فتحرك السكون بتفكيك المقولات التي راجت خصوصاً في ما يتعلق بقضايا المرأة وزعماء الإرهاب، أما المقالتان اللتان ذكرتهما، فلقد اعتاد بعض الانتقائيين الذين يأخذون من المقال ما يستعينون به على التحريض على الكاتب، ويتركون ما يقوي وجهة نظره عند العقلاء، هؤلاء اعتادوا على ذلك الأسلوب معي ومع كثير من الكتاب والكاتبات.
فلقد كبر على بعضهم أن يأتي من يقول لهم ما هكذا ينصر نبينا، وما هكذا يكون الدفاع عن ديننا، وما يحدث هذه الأيام من ظهور رسوم أخرى مسيئة للنبي ليس إلا نتيجة للسياسة التي اتبعت في التعامل مع القضية منذ البدء! أما المقال المتعلق بالنمص، فلقد تعمد بعضهم تشويه ما كتبته، في حين أن ما قلته هو ان الحديث موقوف على ابن مسعود كما جاء في مصادر الحديث الموثوقة وليس مرفوعاً للرسول. أما ما حدث من جدل، فحسبي أنه على الجانب الآخر يوجد كثر ممن يفهمون طرحي ويرحبون به بل وينتظرونه، فلا يضيرني ذلك إطلاقاً. فعندما يطرح المرء نفسه كاتباً في قضايا شائكة، فإنه يتوقع الكثير، فلا يزعجني ما يقال ولا يخيفني البتة، وهناك من يتعرض لأذى أكثر مما أتعرض له، لكن العبرة دوماً بالنتيجة، ولا أعتقد أن الوقت الراهن في بلادنا سيسمح بمزيد من التحريض على الكتاب وشتمهم والتعرض لذواتهم كما في السابق.
لماذا دائماً نفشل في استغلال الأحداث لأجلنا... ونشغل أنفسنا بتصرفات عاطفية تحرمنا فرصاً للنجاح أكثر؟
- يوجه هذا السؤال للمسؤولين عن ملفات إدارة الأزمات في عالمنا العربي والإسلامي، أريد أن تذكر قضية واحدة أداروها بنجاح، فما يحدث بين فتح وحماس، وما يحدث في لبنان من نزاع أكبر دليل على ما أقول، ولعلك تستمع إلى مداخلات المستمعين العرب والمسلمين في القنوات الفضائية حتى أولئك الذين يقيمون في الغرب، لتدرك أنه لا أمل، والله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!
اللعن في خطابنا الديني
لماذا لعن المرأة أكثر من لعن الرجل في خطابنا الديني؟
- كثيراً ما سألت نفسي هذا السؤال، لكنني اطمأننت عندما استعرضت اللعن في القرآن الكريم، ووقفت على الأشخاص الذين لعنوا، والأمور التي لعنوا من أجلها، فاطمأن قلبي، وكان الرجال والنساء في ذلك على السواء، وقد كتبت بعض ما توصلت إليه في مقالي: أمن أجل هذا تطرد المرأة من رحمة الله!
الحوار الوطني حول المرأة... هل منحها شيئاً أم مجرد فلاشات فقط؟
- عندما تصبح توصيات الحوار الوطني ملزمة للجهات ذات الصلة بالمرأة فإنها ستمنح المرأة الكثير.
كيف نربي شبابنا على أن ينظر إلى المرأة كإنسان وكمصدر للجمال بدلاً من أنها فتنة تمشي على الأرض؟
- الجواب عند صناع الخطاب الديني والتعليمي والإعلامي، هؤلاء هم المسؤولون وحدهم دون سواهم عن مخاطبة عقول الشباب وتشكيلها.
الاختلاط والممارسة
هل من خوف على مجتمعنا من الاختلاط؟ وهل المشكلة في الفكرة أم في الممارسة؟
- لا ريب في أن المشكلة في الممارسة لا في الاختلاط نفسه، وكلنا يعلم أن الاختلاط شيء والخلوة شيء آخر، لكن هناك من يصرّ على أن يجعلهما شيئاً واحداً، هو يمنع الاختلاط في مستوياته الراقية مثل المستشفيات وكليات الطب والبنوك والوزارات والإدارات الكبرى، ويسمح به في الأسواق مع الباعة والعامة والسائقين.
ومع هذا فعدم وجود الاختلاط لم يمنع الممارسات غير الأخلاقية. أما الخوف على المجتمع فيأتي من عدم النظر إلى قضاياه بمنظار واقعي، والاعتقاد بأن سياسة المنع هي الحل الناجع لكل الإشكالات التي تحيط بنا، من ذلك على سيبل المثال تمنع المرأة من قيادة سيارتها، ويسمح لرجل أجنبي من ثقافة مغايرة وبيئة مختلفة وذي أخلاقيات متدنية بالاختلاط بنساء العائلة وفتياتها الصغيرات! وبدلاً من أن يُربى الشبان على احترام المرأة والعائلة يمنعون من دخول أماكن العائلات، ليهيموا على وجوههم في الشوارع والطرقات، وقد يتلقفهم المجرمون ومروّجو المخدرات.
لماذا نتعايش في دبي والبحرين ونرفض ذلك في بلادنا؟
- لأننا اعتدنا أن نعيش بشخصيتين، واحدة في الداخل وأخرى في الخارج، ولا سبيل للفكاك من ذلك مادمنا نعتقد بأن هذا هو الصواب وما سواه هو الخطأ بعينه.
لكِ قراءة مختلفة حول الكتابات الجدارية، هل تشعرين بأننا نجيد الكتابة على الجدران كما يجب؟
- لعل الكتابة على الجدران هي الكتابة الأكثر صدقاً، لأنها لا صاحب لها ولا تنتمي لأحد، وكثيرون يتبرأون من نسبتها إليهم، لهذا فكتابها يكتبون ما يحلو لهم من دون خوف من مساءلة أو محاسبة.
أي الجدران تتمنين الكتابة عليها... وأيها تستعصي عليك؟
- أتمنى الكتابة على الجدران التي تعتقد أنها وحدها من يملك ناصية الحقيقة، وأنها المخولة بفرض قناعاتها على الآخرين، وتلك التي تزدري الآخر وتتهمه بالجهل فيما هي ترتع فيه، وتقف حائلاً دون أي بارقة أمل تلوح بقرب زوالها!
ما أبرز المفاهيم الحضارية التي رصدتها في كتابك الجديد المعجمي؟
- هي المفاهيم التي جعلت بلادنا دولة بالمعنى العصري لهذه الكلمة، إذ أسس الملك عبدالعزيز ورجاله - رحمهم الله جميعاً - دولة عصرية سُنت من أجلها القوانين والتشريعات والأنظمة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية، ما أدى إلى نقلة حضارية تجلت في مستويات عدة رصدها المعجم وحدد مفاهيمها.
الخطاب الصحوي... صاخب!
لماذا خطابنا"الصحوي"لغته صاخبة؟
- لأنه يعتقد أنه يبشّر بالدين في مجتمع كافر أو جاهلي في أحسن أحواله، فيما المجتمع كله مسلم، وإن وجدت تجاوزات فما أجدرها بالرفق واللين وعدم الحدة والصخب اللغوي، تجهيلاً وتنفيراً واستعلاء على الآخر بممارسة فكر وصائي قامع.
دائماً يرهقنا البحث عن تعريب المصطلحات الأجنبية... هل لغتنا توقفت خصوبتها؟
- لا، اللغة لم تتوقف خصوبتها، بل هي قادرة دوماً بما تملكه من آليات للنمو والتكاثر على توليد آلاف الكلمات في كل العلوم والفنون، والتعريب أحد تلك الآليات، وهو ما زال يمد اللغة ومنذ القدم بسيل من الكلمات المعربة، التي دخلت ضمن الذخيرة اللغوية العربية، وإن كان ثمة عجز أو قصور فنحن المسؤولون عنه وليست اللغة.
فتنة اللغة هل توردنا المهالك؟
- اللغة سلاح ذو حدين، والفتنة قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية، فاللغة التي فتنتنا بأجمل القصائد الشعرية وأعذبها، هي نفسها التي يستخدمها ابن لادن والظواهري وغيرهما من المحرضين والإرهابيين للتغرير بالشباب وإيقاظ الفتنة بخطاب يزيّن لهم الموت ويبرر القتل.
كيف حال لغتنا العربية في صحافتنا... هل نشأت لغة جديدة باسم اللغة الصحافية؟
- اللغة العربية تعيش أسوأ حالاتها في صحافتنا اليومية، ففي الوقت الذي يُعنى فيه المصححون بضبط الخطأ الإملائي والنحوي، تعج الصحف بالأخطاء الصرفية والتركيبية والدلالية على نحو صارخ، ما يشي بظهور لغة جديدة هي لغة الصحافة المنفلتة من دائرة الحرص على السلامة اللغوية.
قدمت ورقة مثيرة للجدل في الملتقى الأول للمثقفين السعوديين عام 2004 حول استراتيجية جديدة لإعمار الوعي المجتمعي... ما أبرز ملامح تلك الاستراتيجية؟
- إن إعمار الوعي بطرح مضامين لثقافة جديدة هو المرتكز الأساسي لكسب معركة التحديث من أجل خوض تجربة الدخول في عالم جديد تسيطر عليه المعارف والتقنيات والأفكار، أما أبرز ملامح الورقة فهي: ضرورة الانطلاق من سؤال المستقبل لرسم سياسات مستقبلية رصينة، لتجنب الوقوع في مأزق التحولات السريعة، والتأسيس لخطاب ثقافي جديد، والتأكيد على ثقافة الحوار، والانفتاح على ثقافة الآخر، وتحديث مناهج التربية والتعليم بما يتناسب مع روح العصر وإيقاعه وتحولاته، إنعاش دور المثقف في تنوير المجتمع، إعلاء مكانة المرأة وتوسيع دائرة مشاركتها الرجل في صنع القرار، وطرح خطط ومضامين جديدة لتطوير برامج الشباب من الجنسين، وتطوير الإعلام بما يتناسب مع دوره في خطط إعمار الوعي.
مارست التدريس هنا وفي تكساس... ما الفرق بين مناخ وتضاريس التجربتين؟
- هو كالمسافة بين هنا وهناك سيراً على الأقدام.
ماذا يعني لك اختيارك أخيراً في مجلس أمناء جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري؟
- يعني أن المرأة السعودية تحظى بالدعم والتقدير من الخارج أكثر من الداخل، وأنها وصلت إلى درجة من التفوق أدركها الأبعدون قبل الأقربين.
المرأة مغيبة في الجامعات
جامعة الملك سعود تشهد حراكاً لافتاً، لكن ألا ترين أنه خارج فلك المرأة؟
- الراهن الاجتماعي لا يسمح بأن تكون المرأة في قلب الحراك الذي تشهده الجامعة وغير الجامعة، وهذا الوضع لا يتيح لها المشاركة في المجالس العلمية واللجان ومجالس الأقسام والكليات والندوات والأنشطة العلمية والثقافية وغير ذلك كثير. وأمورها كلها تدار عن بعد، فهي تعيش في عالم معزول حتى أبسط قضاياها، وأهمها تناقش في غيابها، ولا تطل على الجامعة إلا من خلال الشبكة التليفزيونية ذلك الاختراع العجيب الذي تفردنا به فظنه بعض الدوائر التعليمية الغربية تطوراً في التعليم عن بعد وتوسعاً فيه ونلنا تقديراً عليه، ففرح بعضنا به وعّده الموهومون بالتفوق وإحراز السبق إنجازاً علمياً.
آلية مشاركتكن في المؤتمرات والندوات الخارجية... هل تتم بسهولة أم لا تزال مقيدة ومكبلة؟
- غالباً لا توجد صعوبة في مشاركة المرأة عضو هيئة التدريس في المؤتمرات والندوات متى ما كان التقديم في وقت مبكر، وإن كان هناك بعض من ذوي الأهواء الذين يحاولون مصادرة حق المرأة رغبة في تصفية حسابات خاصة فهم من القلة التي لا تكاد تذكر ولا يؤبه لها.
كيف تنظرين إلى حال طالباتنا... هل يملكن الرؤية والمعرفة اللازمة لرسم مستقبلهن؟
- لدى بعضهن قدرات مذهلة في أمور كثيرة، لكن الغالبية الساحقة لا تؤهلها ظروف الدراسة والمقررات والمناخ الجامعي بعامة لذلك.
لماذا نجبر بناتنا على لباس معين طالبات ومعلمات... هل منحهن الخيار سيفتح أبواب جهنم علينا؟
- ما يحدث امتداد لفكر الوصاية الذي يُفرض على المرأة ويُمارس ضدها من المهد إلى اللحد، الفتاة التي لا تُمنح الثقة كي تختار لباسها الجامعي لا يمكن أن نتوقع منها قدرة على التفكير الحر والنقد البناء وتالياً الإنجاز العلمي الذي نتوقعه منها ويليق بفكر طالبة جامعية، وهو لا يختلف بحال عن فرض مقررات وساعات إجبارية عليها، والطالب حتماً يشاركها في ذلك.
نظام الساعات في الجامعة والثانوية المطورة ألغي للحفاظ على المجتمع من الانحراف... ألا يزعجك هذا الرأي؟
- من قال هذا؟ هل المنحرفون من مجرمين ومدمني مخدرات كانوا يدرسون بحسب نظام الساعات؟ وهل درس إرهابيو"القاعدة"في الثانويات المطورة؟ مشكلتنا تكمن في التعميم وإطلاق الأحكام جزافاً من دون دراسة ومن دون بينة، وإذا كان ذلك صحيحاً فما سبب الجريمة التي تطالعنا الصحف يومياً بها مع أن نظام الساعات أوقف منذ زمن بعيد؟
لو طلب منك الإشراف على إطلاق برنامج جديد تحت مسمى برنامج الملك عبدالله لتطوير المجتمع... ماذا ستفعلين؟
- أطبق كل ما كتبته في ورقتي نحو تجديد ثقافي لإعمار الوعي المجتمعي.
هل صحيح أن المرأة ذات الرأي والفكر والاستقلالية موصدة في أبوابها المناصب والفرص؟
- ربما!
عندما تتاح الفرصة لامرأة بتولي منصب... لماذا نجد منها تبعية وخضوعاً للرجل أكثر منها استقلالية بالرأي وتفرداً بالقرار؟
- كي تضمن البقاء على الكرسي إلى ما يشاء ذلك الرجل.
هل كل امرأة ذات منصب خلفها"واو"يدعمها ويسلبها كل شيء؟
- ليس دائماً.
متى ستأخذ المرأة السعودية دورها الرسمي كاملاً كمشاركة في طرح الأفكار واقتراح المشاريع وصناعة القرار؟
- عندما تؤمن المرأة بمحدودية أدوارها وتواضعها وتصر على توسيع مشاركتها، عندما يدرك مجتمعنا بأن إسلامنا لا يفوق إسلام غيرنا من دول الجوار التي وسّعت مشاركة نسائها، عندما يعترف المجتمع بقدرات المرأة وحقها في مشاركة الرجل، عندما لا يصنفون وجهها في خانة العورات ولا يعدون حضورها شراً مستطيراً!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.