لا يزال الجدل مستمراً بين المعارضين للرقية الشرعية وآخرين قرروا عدم الاعتراف بالعلاج النفسي في عياداته المتخصصة، وبين هؤلاء وأولئك يقف بعض البسطاء جاهلين ما يفعلون، متجهين تارة إلى مشعوذين يدّعون العلم بالرقية، أو جهال ارتزقوا من أوجاع الناس وأمراضهم ويأسهم، واتخذوا الأمر مهنة يكسبون من ورائها. في حين عمد بعض"أشباه الرقاة"إلى تحقيق غايات"لا أخلاقية"وممارسة أساليب الشعوذة تحت مسميات دينية، ما أسهم في تشويه صورة شيوخ ورقاة تفانوا في تقديم خدماتهم الدينية وسعوا جاهدين لمساعدة المتضررين من دون مقابل. وعلى رغم التحسّن الملحوظ الذي يشعر به بعض المرضى وزوال الكثير من آلامهم الجسدية بعد مداومتهم على حضور جلسات القراءة الشرعية، إلا أن معاناة بعض المرضى من أمراض سيكولوجية وأعراض فسيولوجية، وتجاهلهم الذهاب إلى عيادات نفسية، والاكتفاء بالقراءة فقط من دون الأخذ في الاعتبار حاجتهم إلى أدوية نفسية أو علاجات سلوكية، أسهمت في تطور معاناتهم واستفحال حالاتهم إلى مراحل متأخرة تنتهي في كثير من الأحيان إلى الانتحار أو الجنون. بفعل عين حاسد، كما يدعي الطالب المتفوق سابقاً محمد عبدالله، اضطر إلى قطع تعليمه والمكوث في المنزل بعد البغض المفاجئ للمدرسة والصداع الحاد الذي يلازمه منذ دخوله ساحة المدرسة، ما دفع ذويه إلى إلحاقه بجلسات رقية شرعية، لعلها تخفف من وطأة آلامه. يقول:"مداومتي على قراءة الشيخ واتباع إرشاداته الدينية، ساعدتني في تكملة دراستي وتخلصي من مشاعر الضيق بعد التحاقي بالمدارس الليلية، حتى تخرجت وأصبحت معلماً". أما ما تعرضت له ابنة ماجدة إبراهيم من خنق وضرب وتعنيف من أحد الرقاة الذي زعم أنها تعاني من تلبس جان، وعدم جدوى ذلك، دفعها إلى عرض ابنتها على طبيب نفسي استطاع أن يشخّص مرضها الذهني ويمنحها أدوية تعالج ضررها، مشيرة إلى أن اكتشاف الطبيب النفسي وإدراكه حقيقة مرض ابنتها التي تعاني من"فصام في الشخصية"، ساعد في استقرار نفسيتها وهدوئها. ولم يكن أمام إحدى الضحايا سوى الاستنجاد بزوجها، عندما حاول أحد مدعي الرقية التحرش بها، موهماً إياها وزوجها بأنه شيخ دين يعالج الكثير من الحالات المستعصية، فما كان من زوجها إلا إبلاغ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقول الضحية فضلت عدم ذكر اسمها:"شعوري الدائم بالضيق والحزن والوحشة بعد وفاة والدي، وتزامن ذلك مع ارتباط زوجي بأخرى زاد من آلامي، ما اضطرني إلى البحث في مواقع الإنترنت عن شيخ دين يخلصني من معاناتي، وعند الذهاب إليه منع زوجي من الدخول أثناء القراءة، وتمتم بشيء من الطلاسم، ثم حاول لمس أجزاء من جسدي، ما دفعني إلى الصراخ والاستنجاد بزوجي". إلى ذلك، قالت الاختصاصية النفسية في مركز العلاج النفسي في الرياض ريم العتيبي:"على رغم ان قراءة القرآن تُمتع الناس بالحياة السوية الخالية من الأمراض والعلل، إلا أن ذلك لا يعني أن جُل الحالات المصابة بمشكلات نفسية، يقتصر علاجها على الرقية الشرعية من دون تدخل العلاج النفسي، إذ ان حالات تعاني من أمراض جسدية نفسية المنشأ، تستلزم علاجاً سلوكياً أو دوائياً، حتى يتمكن صاحبها من استعادة توازنه ووضعه الطبيعي في الحياة". وأضافت:"جهل بعض شرائح المجتمع بحاجة المريض لمراجعة طبيب نفسي، أسهم في انتشار الأمراض النفسية بشكل كبير، إذ ان تأخر علاج المريض النفسي، يسهم في تطوير مراحل الاضطراب لديه". وفي ما يتعلق بمدى حقيقة إدمان المريض النفسي على العقاقير الطبية، وتخوف ذويه من استمرار تناوله لها إلى الأبد، أشارت إلى"أنه ليس من المعقول أن يحاول الطبيب إلحاق الضرر بمريضه، بل انه يصف الداء له، وهو على علم مسبق بتأثيره الايجابي في المريض، كما أنه يخبره بطبيعة الآثار الجانبية التي يسببها الدواء".