إلى عبدالله الجفري في صمته الأخير رمى مرّة ً حجراً لامعاً في مياه ِ الكتابة، أضحى يدندنُ: كيف انطفأت؟ وكيف خبتْ نجمة ٌفيك؟ كيف ذوتْ وردة ٌ في الحقولْ؟ وماذا أقولْ؟ وقد صرت ِ يابسة ً كالرمال، وآسنة ً كنت مثل الوحولْ!... رمى حجرًا، وانبرى يرقبُ الماءَ: هل سوف يسفرُ عن جنّة، عن ملاذ ٍ جميل ٍ من الحبِّ، عن وطن ٍ آمن ٍٍ في أقاصي الفؤاد ِرمى حجرًا فاتنًا غِبَّ هذا السكونْ. رمى حجراً، وانتظرْ: إن حبرَ الصحافة ِ فظٌّ، غليظٌ، ضريرٌ، حجرْ. فهل من سبيل ٍ إلى لغة ٍ كالمطرْ؟ على يده ِ صارَ حبرُ الكتابة ِ بوحاً أنيقاً وحقلاً رشيقاً بشبّاك ِ سيدة ٍ عاشقة. أليسَ إذنْ ذاكَ منجزَهُ العذْبَ رغم الظلام ِ الكثيف ِ المهيمن إذّاكَ، قفزتَهُ الباسقة ْ؟... على يده ِ صارَ حبرُ الكتابة ِ جرحاً وملحاً وصلحاً جميلاً مع القلب ِصلحاً بهيّاً مع الروح صلحاً شهيّاً مع العشق ِ دندنة ً حارقةْ... بهذا تصيرُ الكتابة في عتمة ِ الوقت ِ كالنجمةِ الفارقةْ... حين جاءَ إلى وردة ِ الحبر ِ يوقظها كان ليلُ الهواء ِ ثقيلاً وكان"الهوى"تهمة ً والأغاني معادية ً والسماءُ رماديّةً... حين أثّثَ"زاوية"بالهديل ِالمباغت ِحطَّ الحمامْ على شرفةِ القلب مؤتلقًا، واستعادَ الكلامْ هنالكَ بعضَ اشتعالاته، بعضَ أقمارهِ الآفلة... نباحٌ كثيفٌ بداً يملأُ الأفقَ إذّاكَ لكنّما القافلة ْمضتْ في الطريق ِ الجديد ِ على رسلها من ترى سوف ينحازُ للظلمة ِ المستفزة ِللغة ِ الذابلة؟... أتى بعده من أضافَ إلى اللحن ِ لحناً جديداً وغنّى المغنونَ، دون اكتراث، لما يفعلُ المعتمونْ. ومالتْ على غصنه ِ بعد لأي ٍ غصونْ. التقيتُ به، صدفة، عند مصعد ِ"مشفى الأطباءِ"إذْ كان مستعجلاً... بعد حين ٍ من الوقت أبصرتُهُ هادئاً في عيادة ِ صاحبِنا المشتركْ. لم نقلْ غيرَ"أهلاً.. وسهلاً""وكيفَ هي الصحة ُ الآنَ"" كيف هي الحالُ؟"" كيف هو القلبُ"... قلتُ، فقاطعني كالذي يستعدُّ لما ينتظرهُ وقد خبرَ المعتركْ: طائراً متعباً صرتُ يا صاحبي في مهبِّ الشَركْ... ومضى للبعيدْ.